الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصيح بالغيوم امطريني

صبري هاشم

2012 / 7 / 23
الادب والفن


***
أصيح بالغيومِ امطريني
***
أنا العابرُ نحو الليل
حينَ بِوحْشَتي يَطولُ المقام
اُلْبِسُ المساءَ تاجاً مِن زَهْرِ البراري
وأظلُّ أَرْعى الطّيرَ العابرَ عندَ الغروب
كيفَ يَتَشَكّلُ أسراباً
وكيف يَتَعَشّقُهُ ـ كلّما شفَّ ـ الغَمَام
وحين عن الجميعِ أَمْضي مُبتَعداً
وحين إلى جَسَدي يَدُبُّ الوَهَنُ
أصيحُ بالغيومِ يا غيوم امْطريني

***
أنا العابرُ نحو الليل
مَن يُعيدُني إلى مكاني ؟
مَن يُعيدُني إلى سيرتي الأولى ؟
جَسَدي يُضيءُ الطّريقَ
هذا المساءَ عثرتُ عليهِ مُنسَكباً
كشلاّلِ نورٍ يغمرُ الأمكنةَ
وأشباحُ نسوةٍ مِن حوليَ تُحمِّلُ قافلةً بما فاضَ مِن حاجةِ الأرصفةِ
مَن يَمْنَحُني زهرَ الزّمان
قدري ألاّ أتوسّدَ خدَّ وردةٍ فارقتْ نوعَها في الجوارِ
نحوي انحدرتْ
وكانت أَبْوابُ حَدائقي مشرعةً
ولا حاجزَ وهمياً في المدى يصدُّ الرِّيحَ عنّي
أنا مشرعٌ للريحِ
أُغْويها فما تَدْخلُني
أدعوها فما تَقْلِعُني
جَسَدي ساحلٌ مهجورٌ أَوْحَشَهُ الرّملُ
وبه غدرَ العابرون
جَسَدي غابةٌ أحرقَها الغزاةُ
ونثروا في المدى رمادَها
جَسَدي بكلِّ أصنافِ الفجائعِ موشومٌ
أبحثُ عن أجزاءٍ منهُ توزّعتْ في الأنحاءِ
صارتْ كلَّ الأشياءِ
جسدي يُضيءُ بقعةً في الظلامِ
فمَن يُعيدُني إلى حالتي الأولى ، إلى صورتي الأولى ؟
مَن يُعيدُني إلى مدينتي الأولى
أنا العاشقُ ؟
وثمة مَن في الأمرِ يُجاهرُ :
لا تُغمضْ العينَ فعينُ العاشقِ لا تنام
ودهرُكَ عاهرٌ لا يُعاتبُ أو يُلام
لا تَُغمضْ عيناً
حتى تعودَ إلى صورتِكَ الأولى
شقيّاً أدمَنَ الضّيمَ في زمنٍ
المرءُ فيهِ لا يَشْقى أو يُضام

***
عابرٌ نحو الظلامِ
والطريقُ عنّي تَحيدُ
سأفْجَعُها إنْ ذَكّرْتُها بطفولةٍ اخْتَطَفَتْها المسافةُ
إذاً لن أُعيدَ إليها ذاكرةً
الطريقُ أنْكَرَتْني تماماً
قالت سأَحْمِلُكَ الآن فحَسب
وإلى المكانِ الذي تُريدُ لن أُعيدَكَ ثانيةً
أهي نَسيتْني أم تَناسَتْني ؟
لكنني سأعودُ
إلى حيثُ أُريدُ ثانيةً حينَ أجعلُ مِنْها راحِلَتي
وهي لن تَهْجرَني
وعليَّ بامرأةٍ تَمنُّ
الطريقُ تُغْويني بفاتنةٍ
لكنني
كيف سأكتبُ هذهِ الفتنةَ قصيدةً ؟
كيف أَرْسمُها بالكلماتِ ؟
وقد استعصتْ عليَّ المَدَاخِلُ ونحوي تدّفقَ الصَّهيل
وأنا أتجلّدُ على حَيْرَتي

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
لم تَسْتيقظ الكائناتُ مِن خَدَرٍ
برلينُ مازالت تتنفّسُ سحرَ زيزفونِها
والندى يتسكّعُ بين الظلالِ
في شارعِ أُنتر دين لِنْدِن
وتحت سطوةِ أريجٍ مُدَوِّخٍ
مازالت الصّدورُ منذُ البارحةِ
مرسومةً بالعيونِ
ومنذُ البارحةِ تعلّقتْ بالصدورِ عيونٌ
ومنذُ البارحةِ
لم يأتِ الهنودُ الحُمرُ كما عرفوا المجيءَ
إنّما الساحةُ بدونِ أنغامِهم لم تَعُد خلواً
بل أمستْ صاخبةً
بإيقاعاتٍ مُنفرةٍ ، لحاجةِ روحي لا تُلبّي
والميدانُ ، بعد المَغيبِ ، بالأرواحِ ظلَّ مُزْدَحِماً
منذُ ألفِ عام
الشمسُ طوتْ خَيْمَتَها وارتَحَلتْ
ثم سكبتْ آخرَ أنةٍ مِن دلالِها وكفّتْ عن التَّغنُّجِ
وأنا ملتاعٌ أمام
" السّاعةِ العالميةِ " التي
نحو عَدَساتِ السّيّاحِ راحت تَنْجَذِبُ
تنقادُ بيسرٍ إلى هوى الفاتناتِ
الساحةُ مُكْتَظّةٌ
وفي الطّرفِ البعيدِ ملكُ البحارِ يَشْحنُ رذاذَ فحولةٍ ومِن حولِهِ تتطايرُ الحورياتُ
يتصيّدُ نسوةً حقيقياتٍ مِن لحمٍ ودمٍ
بينما الأجسادُ المشبوبةُ لرغبتِهِ تَسْتَسْلِمُ
وأنا في انتظارِ الهنودِ الحمرِ الذين غاروا في الزّمانِ
هل دَخَلوا بيتَ غوايةٍ لسِحرِ النّساء
أَم قَرروا ألاّ يَعودوا هذا المساء ؟
وأنا في اشْتِياقٍ

***
أنا طائرٌ لا يحطُّ إلاّ حين يكفُّ عن التّحليقِ يمام
في سمائي سيطولُ بيَ المقام
أنا العابرُ نحو الليلِ
إنْ رَقّتِ الزّهرةُ راقَ النّسيمُ وراحَ حلمٌ أصفرُ بعد المَغيبِ يُطوِّقُ خصرَها
يمضيان عُراةً في رقصةٍ أبديةٍ
وبين يديهِ تظلُّ تميسُ وتشهقُ :
ما ألذَّ عناقَ الحبيب !
مِن الحُلمِ ستنجبُ أطيارَ ندىً بها تكتظُّ السّماء .

***
أنا العابرُ
طفلُ الضّفافِ السّماويةِ
غُرفتي سلّةُ وردٍ مرفوعةٌ مِن عُنقِ الطِّيبِ إلى صدرِ الصالةِ
غُرفتي ثُريّا في كأسِ نبيذٍ
كلّما فارقتْها الشّفاهُ أفلَ ضوؤها وظلّت تُناجي بلُّورَها
وأنا طائرٌ يحومُ في سماء المدِيْنةِ
عصراً أتركُ نوافذَ غُرْفَتي مُشرعةً لعودةٍ مُحتَمَلةٍ
فبعد أنْ ينهكَني الحومُ أعود وقد تركتُ أَجْنِحَتي للرياحِ
لنسوةٍ يتعلّمْنَ الطيرانَ توّاً
وعندَ السّحَرِ أسمعُ فوقَ نافذتي خَفْقَةَ جنحِ يمامةٍ
جاءتْ وقد كلّفتْها آخرُ النساءِ بما تبقّى مِن ريشِ الجناحِ .

***
أنا طائرٌ ناريٌّ حول الميدانِ أحومُ
كلّما حاولتُ أسكنُها تُعيدُني إلى الأرضِ السماءُ
منها قطعةً سوف أقتطعُ
وأُذيبُها في قدحِ الشّاي مثلَ قطعةِ سُكّر
أو أَبْتَني مِنها بيتاً صيفياً
أنا طائرُ الخرابِ
أنكأُ جُرحَ الرِّيحِ حتى بجسدي تعصفَ
حينَ تجنُّ
أنا طائرٌ ثلجيٌّ ملولٌ مُتقلبُ الهوى
فما أشقى حياةَ الرِّيحِ معي
حين تؤاخيني !

***
أنا طائرُ الرّحيلِ الأبديّ
مَن يُعيدُني إلى صَحْوَتي ؟
إلى سِيرَتي الضائعةِ بين تفاصيلِ الرِّيحِ ؟
مَنْ يَقْرأُ فنجاني المُتَجَسِّدَ في غيمةٍ عابرةٍ ؟
كنتُ أبحثُ في رأسِ القمّةِ عن سقطِ متاعِ الطّيرِ
***
أنا العابرُ نحو الليلِ
الذي لا يمكثُ في الذَّاكرةِ طويلاً
سأعودُ إلى غرفتي وقد تركتُ سيرةَ الطّيرِ ورائي
أعودُ لأرى
وردةً طائشةً تطلُّ مِنِ الشّرفةِ وتَرْمي النِّساءَ العابراتِ بالفجورِ .
تلك وردةٌ آثرتْ الفضيحةَ وباتت مُتهورةً
فمَن أرادَ أنْ ترشقَهُ بعطرِها لا يتجنّب شرفةً آثمةً .

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
طائرُ الصمتِ
أعودُ وقد
قَطَرَتْني على أَرْصِفةِ الدَّهشةِ امرأةٌ
بأجنحةِ الصَّهيلِ تَطير
امرأةٌ التهبتْ
حين فوقها أجهشتْ أضوائي
فأشرقتْ تحت الثِّيابِ السُّودِ
فِتْنَةُ الجَسَدِ
استفزتْ عيونَ الخَلْقِ
واستحى النّجمُ
امرأةٌ ليستْ كالنِّساءِ
حين تمشي
وحين تطرفُ ذاتَ اليمينِ
وذاتَ الشِّمال
امرأةٌ تأسى المسافةُ
حين تمضي
وتطربُ ـ حين تُقْبلُ ـ أحلامُ الطَّريقِ

***
انتظرتُ أنا المُتعجِّل
ومِن الحافلةِ التي جاءتْ أخيراً
تَرَجَّلَ القمرُ
وبين أعطافِ الرَّصيفِ أَطْيابُ فتنةٍ عَبِقتْ
صَبيّةٌ لم تكن حَسْناءَ المساء
إنما في قالبِها
صبَّ الخالقُ عالَماً مِن السِّحرِ
ملاكٌ غادرَ الحافلةَ
فأجفلَ المدى

***
أنا العابرُ نحو الليلِ
في أَعْلى البُرجِ
رأيتُ مَنْ يَقْطَعُ أَعْناقَ النَّجْمِ
ويلتهمُ وجهَ القمر
ورأيتُ ـ حين إلى الأسفلِ نظرتُ ـ
في مجرى النَّهر
مَن يَصطادُ الأشرعةَ
ويمنعُ السَّفر


13 ـ 7 ـ 2012 برلين

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو