الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا الى أين؟

حسن عماشا

2012 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



قبل محاولة الاجابة على هذا السؤال العام، من خلال مسار الأحداث الجارية على الأرض السورية. لا بد من النظر في هذه الأحداث ونتائجها. على موقع ودور سوريا في المنطقة بعيدا عن التضليل المتعمد، والذي تتلطى خلفه الكثير من المواقف باعتبارها تنطلق من مبادئ الحرية والديمقراطية. أو التباكي على الدم السوري المسفوك. والذي ينظر اليه بعين واحدة، وفي غالب الأحيان بعدسة التضليل والتحريف وقلب الحقائق.
كان يمكن مناقشة من يشككون في مواقف سوريا لناحية صدقيتها في الممانعة بوجه المخططات الأمريكية، أو حقيقة دعمها لخيار المقاومة ودرجة التزامها به. لو ان هؤلاء المشككون يطرحون ما يمكن ان نستشف منه الحرص على المقاومة او الممانعة بوجه المخططات المرسومة للمنطقة.
انهم يسارعون الى نفي مبدأ وجود قضية هيمنة على المنطقة وان المقاومة مجرد عبث لتخريب الاستقرار ومنع التقدم في حياة شعوب المنطقة. وفي محاولة بعضهم التذاكي على محاوريهم بقولهم انهم مع المقاومة لإدراكهم بما تمثله في وجدان الناس من جهة وان الدم الذي تسبب فيه العدوان على لبنان ويتسبب فيه في فلسطين كل يوم. لم يبرد بعد، يتحدثون عن مقاومة افتراضية مكونة من قوى "علمانية- وديمقراطية" لا وجود لها الا في خيالاتهم. ليعودوا ويتهمون المقاومة الوحيدة الواقعية بشتى التهم التي تنال من صدقيتها.
من هنا اننا ننظر الى الأحداث في سوريا بضوء الخيارات السياسية الوطنية- القومية التي تنتهجها الأطراف المتصارعة على الأرض السورية. النظام ومن يؤيده وقوى المعارضة ومن يدعمها – بل من يقودها ويلعب الدور الحاسم في ادراتها وتوجيه الأحداث- . وبنا على ذلك، وبغض النظر عن ميزان القوى بين الفريقين ومن سينتصر بالنهاية، يتحدد الموقف مع او ضد.
ان من شاء التعامي عن حقيقة الاستهداف لسوريا والمنطقة من قبل الغرب وأمريكا وأدواتهم من حكام وقوى وفعاليات. وانكار حجم الدور الذي يلعبونه في تقويض الاستقرار بعد فشل اخضاع النظام في سوريا للإملاءات الأمريكية، وعلى مدى العشر سنوات الأخيرة مورست خلالها كل انواع الضغوط والحصار. ومن ثم انتقل العمل على تفتيتها. فهذا إما هو وعي بائس وحاقد، وأما ادعاء وتذاكي لاينفع ولا يقدم او يؤخر في مجرى الاحداث. وهذا في كلا الحالتين لا يستحق التوقف عند آرائه.
نماذج اخرى من قوى وفعاليات تبني مواقفها من الأحداث في سوريا تبعا لما تراه وتتأثر به من تصورات حول مآل الأحداث فتتبنى المواقف التي تعتقد انها تقربها من المنتصر . وهذه مدرسة تاريخية في السياسة الانتهازية نحن في لبنان نعرف كل الوانها. كانت وستبقى موجودة بكونها تعبر عن كتل اجتماعية لها نمط في عيشها وثقافتها التي تعكس الطور الاجتماعي الذي نحن فيه.
الواقع في سوريا والايمان بانتصارها رغم هذا الكم الهائل من القوى المتآمرة اقليميا ودوليا.
منذ اندلاع الأحداث قبل اكثر من عام تأثرا بما سمي "الربيع العربي" بدءا من درعا. أيقنت القيادة السورية ان هذه شرارة أشعال سوريا من الداخل. ولم يكن هذا الوعي لدى القيادة منعكسا على مستوى المسؤولين الوسطيين ولم يكن هذا الوعي لدى القيادة منعكسا على مستوى المسؤولين الوسطيين في المحافظات الذين تعاملوا مع الحراك العفوي باسلوب اعتادت عليه فيه الكثير من الرعونة والقمع والمهانة المرتبطه بطبيعة البنية العامة وتجسيداتها السائدة لممارسة السلطة في مجتمعاتنا. ولم تكن الاجراءات التي اتخذتها القيادة في عزل المتجاوزين من محافظين ومسؤولين أمنيين بالسرعة التي توازي سرعة الاندفاع لدى المتآمرين. وكما تبين لاحقا ان إعداد المجموعات الارهابية كان جاريا على قدم وساق منذ العام 2005 حيث كانت القيادة تخوض مواجهات مركبة في الداخل على مستوى مراكز القوى الموروثة في السلطة والحزب والدولة.
وفي مواجهة ضغوط الخارج الأمريكي والغربي و"الاسرائيلي". تحت عناويين شتى انطلاقا من الاتهام لسوريا بقتل رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري. والمطالب التي كانت تطالب بها الولايات المتحدة في قطع علاقات سوريا مع إيران واغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية المعارضة للتسوية والدخول في مفاوضات مع الكيان الصهيوني دون العودة الى الالتزامات الصهيونية السابقة بمبادئ عملية التسوية. فضلا عن العمل لتجريد المقاومة في لبنان من اسلحتها التي تهدد الكيان الصهيوني.
يسهل على المراقبين اطلاق التنظيرات حول الأخطاء التي يرونها في ادارة الصراع الداخلي والخارجي في سوريا. لأنهم لا يتصورون السياسة في ممارستها الواقعية هي عملية معقدة لا تشبه الكتابة على اوراق بيضاء . ففيها الكثير من المعضلات التي تستلزم في حلها التضحية والآلام والأثمان تبعا لطبيعة الصراع وما تملك سوريا من مقومات وامكانات واقعية تعينها على مواجهة التحديات.
لم تدرك قوى المعارضة الوطنية في سوريا طبيعة المؤامرة وحجمها الا بعد مرور اكثر من ستة أشهر على اندلاع الأحداث وبيقيت أسيرة تصوراتها ومطالبها التاريخية. الا أن أقدمت القيادة السورية على الاصلاحات السياسية والدستورية. والتي كانت في الواقع ابعد واعمق مما كانت تطالب به المعارضة الوطنية. وانكشف بالمقابل حجم القوى والحشد العربي والدولي والمطالب السياسية التي تعني تنازل سوريا عن كل مقومات السيادة الوطنية والخضوع للإملاءات الأمريكية – الصهيونية. فكان الفرز يفرض نفسه بين من ارتبط أو كان مرتبطا بشهوة السلطة ولو على حساب تدمير واحراق سوريا وتفتيتها وانخرط مع المتآمرين ولم يخجل من التصريح والتعاون مع الصهاينة. ومن وجد بعد الصمود العظيم للدولة والشعب امام التحدي فقرر ان يهرب مع ما حصل عليه من مغانم . في حين ان بعض من تورطوا بالتآمر مبكرا من رموز النظام وفقدوا أي قدرة على التحرك انزوا وما عاد لهم مكان في التأثير على الأحداث.
قلة من قوى المعارضة الوطنية بعد ان ادركت حجم المؤامرة وضعت قواها في خدمة الدفاع عن الوطن وانخرطت في هذه المعركة متجاوزة الاعتبارات الفئوية فشاركت بالانتخابات وتمثلت بالحكومة تبعا لوزنها التمثيلي الشعبي.
حرصت القيادة السورية على مواجهة التحدي بأقل الخسائر الممكنة وكانت تتجنب احداث الكثير من الضرر في ممتلكات المواطنين والبنية التحتية فتعاملت بشيء من اللين مع بعض ظواهر السيطرة على احياء في المدن والقرى ما دامت لا تشكل تهديدا استراتيجيا. في حين انها لم تتهاون مع اي محاولة لسلخ اي منطقة عن الدولة وربطها بالخارج مثل: (جسر الشغور). أو محاولة الاستخفاف واختبار اليقظة على الحدود (اسقاط الطائرة التركية). وفي نفس الوقت كانت تظهر مدى الاحتضان الشعبي عبر المظاهرات المليونية المؤيدة للنظام. ما كشف عن قدرت هذه القيادة على السيطرة وادارة الصراع بشكل يحفظ مقومات العودة والنهوض في واقع البلد.
ما دفع قوى التآمر الى رفع منسوب المواجهة وعملت على استهداف القادة بالتوازي مع الحشد والتركيز على زرع الفوضى في العاصمة وكبريات المدن السورية (حلب) في محاولة منها لزعزعة اركان السلطة. والمترافقة مع بث الأكاذيب عن انهيار السلطة مستندين الى التفوق الاعلامي والدعائي. فما كان من الرد السوري سوى اعادة تشكيل القيادة الميدانية وتعيين وزير دفاع جديد المترافق مع عملية تطهير واسعة النطاق شملت كل احياء العاصمة وتابعت الى حلب. ونزول الشباب الوطني السوري الى الشوراع والأزقة لتنظيفها من أثار الدمار. الا دليل على ان سوريا مهما بلغ حجم التأمر سوف تتجاوز هذا التحدي وتنتصر على اعدائها وادواتهم في الداخل والخارج.
ان التهويل الاعلامي على سوريا وحلفائها بحرب وتدخل عسكري خارجي وفي نفس الوقت الحديث عن قرب انهيار النظام والقلق المسرب عن مخاوف تجاه مصير الأسلحة الاستراتيجة السورية في اطار الحرب النفسية يعكس مدى الارباك الذي وصلت اليه قوى التآمر. والوصول الا حافة الافلاس في الخيارات. فاذا كان النظام بحسب ما يشيعون أصبح قريب السقوط لماذا التهويل بالتدخل العسكري الخارجي؟؟!!. وهل سبق منذ نهاية الحرب الباردة ان انتظرت الولايات المتحدة مجلس الأمن لتقوم بحرب في أي مكان من العالم ، حتى ترمي جام غضبها على روسيا والصين لإستعمالهما حق النقض (الفيتو) بتعطيل قرار لمجلس الأمن.
نعم لم تنتهي الأزمة في سوريا واذا كان في ما مضى من الأزمة يحمل مخاطر الحرب الأهلية والتقسيم فانها اليوم تجاوزت هذا الخطر وان كان الثمن باهظا ستبقى سوريا موحدة وقوية واللحظة التي تتنهي فيها من تطهير أرضها من العصابات المسلحة. سوف تواجه تحديات اخرى اهمها اعادة البناء والتعويض عن الأضرار التي لحقت في اقتصادها وما لها من انعكاسات اجتماعية. الا أن قوى التآمر الأقليمية على وجه الخصوص سوف تعاني من انعكاسات سياسية واضطرابات داخلية لن تقوى على مواجهتها.
في حين ان حلفاء سوريا دولا وقوى وفعاليات هم اقوى من أي وقت مضى فهم لم يحتاجو ان يتدخلو بشكل مباشر في الأزمة السورية وحفظوا قوتهم. أما قوى النقيض الذين وضعوا كل امكانتهم في الازمة وربطوا مصيرهم بنتائجها لن يقووا على التعايش مع خسارتهم وانهيار رهاناتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية إلى : حـسـن عـمـاشــا
غـسـان صـابــور ( 2012 / 7 / 23 - 18:14 )
لأول مرة, منذ بداية هذا الشهر, أقرأ موضوعا تحليليا منطقيا حياديا عن الأحداث الجارية في سوريا بموقع الحوار..وكما ترى بدأت التعليقات المتربصة الشتائمية, بدءا من الفيسبوك, والبقية سوف تتبع حتما... لأن الكلمة الحيادية والمنطقية عن سوريا, صارت خطا أحمرا. والموضة عي الانتقاد والشتيمة والتكفير والتهديد... لا بد يا سيد عماشا كمناضل نقابي, أنت معتاد على التهجم والتكفير والانتقاد الاحترافي الرخيص...
لذلك لك كل تأييدي على هذا المقال بالذات, كتابة وتحليلا وشكلا وجوهرا... ولك كل مودتي واحترامي وتأييدي... وأصدق تحية مهذبة.
غـسـان صـابـور ـ ليون فــرنــســا


2 - عماشة عكاشة
سوري فهمان ( 2012 / 7 / 23 - 19:34 )
الله يرحم المسلسل المصري عماشة عكاشة في الأدغال


3 - عليك بالشتم
سوري حائر ( 2012 / 7 / 24 - 10:26 )
قلائل هم الذين يقولون ما قلته من حيث ان تدمير سورية وليس اسقاط النظام هو المطلوب ولهذا كان عليك ان تشتم النظام كي يعجب المقال الاخرين

كل الشعوب المسماة عربية عانت وتعاني وستبقى تعاني الى اجل غير مسمى من محميات الخليج ومن وراءهم امريكا, ومع ذلك يصفقون لمواقفهم الداعمة لتخريب سورية بحجة اسقاط النظام
.
قيل ويقال ان النظام خدم ويخدم امن اسرائيل ومع ذلك لاتفعل هذه الدولة القوية والقادرة بكل المقاييس , لاتفعل اي شيء لانقاذ حليفها؟؟؟بل على العكس من ذلك تدعم هذا التدخل وتباركه

الان فهمت تفاصيل الخطة الخليجية الامريكية الجهنمية التي اعتقد تفاصيلها كالاتي:الدكتاتور في سورية ومن خلال اصطفافه مع اسرائيل عطل ويعطل الخطط الخليجية الامريكية للقضاء على اسرائيل التي تقض مضجعهم, ولهذا فان الحل هو في تسليح الجيش السوري الحر بالقدر الكافي لاسقاط النظام, وبعدها يتوجه هذا الجيش الهمام وباسلحة امريكية متطورة يحصل عليها للقضاء على حليفة النظام المشاسكة اسرائيل.
هل اصبت كبد الحقيقة؟
, .


4 - ماذا نرجو من لبنانيين متأيرنين
سيلوس العراقي ( 2012 / 7 / 24 - 10:38 )
ان سياسيي لبنان بطبيعتهم انتهازيين وتجار سياسة وأكاذيب ونفاق أكثر منهم سياسيين، فهذا حالهم دائماً، فانهم يصرخون اليوم بصوت حسونتهم الذي سيدمر ويمحو اسرائيل، وكأن لبنان محتلا من اسرائيل. اما ما يخص موقف لبنان من انتفاضة الشعب السوري فحدث ولا حرج عن مقدار العهر السياسي اللبناني الذي كان لمدة عقدين تحت البسطال السوري، ويدعي الكاتب بأن الاسد ونظامه يحارب مجموعات من العصابات المسلحة؟ انها مهزلة يا سيد ،هل يوجد نفاق سياسي وتكاذب أكثر من هذا ؟ هل هؤلاء السوريون الثائرون هم عصابات بحسب الاخلاقية اللبنانية ؟ هل كل هؤلاء الشهداء من الاهالي من النساء والاطفال والمساكين هم عصابات مسلحة ؟ هل الاسد يقوم بقصف احياء دمشق عاصمة العدو ؟؟ ان في لبنان كل شيء للبيع والشراء حتى السياسة ، مقالك يا سيدي مقال شبيح ومزوّر للحقائق التي يعرفها كل العالم الا اللبنانيين(المتأيرنين) الذين يدافعون عن سيدهم وقاتلهم ولا يمكنهم اتخاذ موقف ضد مستعبدهم الايراني المحتل للبنان الذي ينفعهم في ممانعاتهم المضحكة المفلسة، تحياتي للبنانيين الذي يعرفون مدى سفالة ايران والاسد ونصرالله

اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة