الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 23/ يوليو/ 1952م ... شهادة للتاريخ

خالد عبد القادر احمد

2012 / 7 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك ان ثورة يوليو المصرية, ككل واقعة تاريخية, لها ما لها, وعليها ما عليها, غير ان محاكمتنا لها كواقعة تاريخية, يجب ان تكون موضوعية بعيدة عن الهوى الايديولجي السياسي تاييدا او استنكارا, فهدف محاكمة الوقائع التاريخية يجب ان يسترشد امتلاك العبرة والخبرة وقراءة جدل علاقتها بما يليها من التاريخ
ان اهم ما حملته ثورة يوليو للواقع المصري, انها كانت استجابة سليمة لحقيقة انتقال مصر من الحالة القومية العرقية ما قبل الراسمالية الى الصيغة القومية الراسمالية المحدد ديموغرافيتها سياسيا على خريطة العالم للقوميات, وبالطبع لم يكن ممكنا لتلك الثورة ان تستجيب لمثل خطوة الرقي الحضاري هذه, الا لانه سبق للبنية الواقع المصري التحتية الاقتصادية ان انتقلت لصيغة الانتاج الراسمالي وناتج جدليتها مع المجتمع, حيث كانت قد نمت اسس الاقتصاد الراسمالي المصري ان على صعيد نمط عملية الانتاج وادواتها ووسائلها واساليبها, التي افرزت اقتصادا انتاجيا وطنيا, او على صعيد القوى الاجتماعية المصرية التي خلقها نمط الانتاج الراسمالي من طبقة برجوازية قومية وطبقة عمال,
ان ثورة يوليو اذن هي التي دشنت سياسيا مرحلة التحرر الديموقراطي المصرية, حين استجابت للضرورة التاريخية الحاكمة لمسار التحرر الحضاري المصري, بان انهت مصر العرقية وابرزت مصر القومية, ولا تزال مصر حتى الان تحيا مزايا هذا الانجاز, بغض النظر عن الاخطاء المنهجية التي ارتكبتها السلطة التي حكمت مصر وادارت شأنها القومي, فيما تلا ذلك,
كما ان ثورة يوليو هي التي انجزت, مكسب التحرر من النظام العرقي التركي الطائفي الاسلامي والطبقي الاريستقراطي الرجعي الملكي الوراثي, واستبدلته بالنظام الجمهوري الرئاسي البرلماني الانتخابي, لتفتتح لمصر بذلك مسارا من حلقات مهمتها تطوير وترقية الانجاز الاساس للثورة وهو التدشين السياسي لمرحلة التحرر الديموقراطي التي كان من المفترض ان تكون ثورة 25/ يناير/ 2011م, حلقة رئيسية من حلقات الانجاز فيها, لولا ما انتهت اليه من نتائج سياسية تعيد تسليط قوى الشد العكسي والرجعية من التيارات الدينية على مقدراتها ومصيرها, وهي تيارات قبلية تخلوا بناها الفكرية من المضامين الوطنية, لانها في واقعة ميلادها التاريخية لم تعرف المقولة الوطنية, وهو ما تعانيه على الاطلاق كل البنى الفكرية الدينية, التي جاءت بها القبائل منعدمة الارتباط الوطني
كما ان لثورة يوليو فضل انجاز تحرير مصر من الاستعمار الانجليزي, وصد عدوانه المتكرر عليها من قبل مختلف الاطراف الاجنبية, كما ويعود لثورة يوليو فضل العمل على تحصين مصر ايديولوجيا واقتصاديا من عودة الاستعمار للسيطرة عليها
اننا بالطبع لا نحصر ثورة يوليو بواقعة استلام السلطة ولا بمقولة حكم العسكر ولكن نراها في جدلية امتداد اثار انجازاتها الرئيسية بحركة الواقع المصرية فيما تلا تاريخ 23/ يوليو, بل اننا لا بد وان نحتسب لثورة يوليو وجدليتها حقيقة منع وقوع المجتمع المصري, تحت هيمنة وسيطرة القوى الرجعية الطائفية, وهو ما فشلت ثورة يونيو بالحفاظ عليه بل انساقت خلف التزييفات الايديولوجية التي اطلقتها القوى الرجعية فسمحت لها بادعاء الانتماء للثورة وامتطائها وتوجيهها نحو تحقيق اهدافها الطائفية الرجعية, وها هي الان كالوسواس الخناس تتسلل محاولة ضرب انجازات ثورة يوليو
نعم ان ثورة يوليو ولظروف الحصار السياسي الاقتصادي العسكري الاستثنائية لم تستطع ان توسع هامش الديموقراطية في حياة المجتمع المصري, غير ان ذلك يعود لحالة التحالف التامرية التاريخية بين القوى الرجعية المحلية الطبقية والدينية مع الاستعمار العالمي, لضرب حالة الادارة الوطنية الاستقلالية السيادية للشان القومي المصري, التي انتهجتها قيادة ثورة يوليو, وها نحن نرى ان الذي يدير في الحقيقة الشان المصري هي الولايات المتحدة الامريكية
ان الاستعمار العالمي عمل من خلال الحصار الاقتصادي وفرض حالة الدفاع عن النفس عسكريا عليها على انهاك اقتصاد مصر وانهاك هامش الحريات فيها, فلم تفرض حالة الطواريء عبثا ولم يوضع مزاجيا الاقتصاد المصري في خدمة العمل العسكري, بل اجبرت جبرا عليه جراء حالة الدفاع عن النفس التي اجبرت على ان تحياها, وهو ما ادركت حقيقته القوى الرجعية وحاولت توظيفه لصالح استيلاءها على السلطة لتطبيق نظرية الخلافة الاسلامية, والذي تنجح الان فيه بفعل غياب الوعي الوطني عن قوى ثورة 25/ يونيو
نعم ان تشكل صيغة طبقية برجوازية بيروقراطية تقاطع مع حالة الطواريء في مصر فاسس لانحراف سلطوي, كانت بداياته النوعية في عهد السادات, وتبلوره كاملا في عهد حسني مبارك, وكانت مهمة ثورة 25/ يونيو, الرئيسية مواجهة هذا الانحراف, وتعميق الانجاز الثوري باقرار وترسيخ بناء الدولة المدنية, غير ان المهمة الحضارية الرئيسية التي كان ولا يزال على ثورة يونيو انجازها هو حمل مصر على تجاوز الطائفية البغيضة التي تشكل حافظة الفكر العرقي في الايديولوجية القومية المصرية, وتعيد انتاج خلل التوازن الديموقراطي, الذي يعيد انتاج تفاوت وضع المواطنة في مصر
ان نجاح القوى الرجعية في توجيه نشاط الانتفاض ضد المؤسسة العسكرية الحارسة للثورة لا الحاكمة لها في مصر, يبين مقدار ما نجحت القوى الرجعية فيه في حرف مسار وهدف ثورة يونيو, فنهاية حكم العسكر بدأت فعليا منذ اتفاقية كامب ديفيد, في عهد السادات, وتحقق كليا خلال عهد مبارك, اما القوى الرجعية التي بقيت فعليا من النظام السابق فهي قوى الرؤية العرقية الدينية الطائفية تحديدا, ولم يهما تاريخيا سوى العمل للوصول للسلطة
ان البنية الاساسية للنظام هي بنية قوى الصيغة الاجتماعية وتشكيلتها الاقتصادية, اما الدولة وسلطاتها الثلاث فهي اداة النظام وتشكيلته الاجتماعية السياسية, ولذلك لا بد من الانتباه الى ان خلل تشكيل صيغة المجتمع القومي هي التي تنعكس كخلل في الصيغة الدستورية الحاكمة لبناء الدولة وسلطاتها ولائحتها القانونية,
اننا لا يمكن الا ان نحيي ثورة 23/ يوليو, باعتبارها تجربة قومية اصيلة في التحرر الحضاري تصطف الى جانب كبرى الثورات التقدمية التي عرفها تاريخ الانسانية, املين ان ترتقي ثورة يونيو الى هذا المستوى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا