الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول رواية عربية عجائبية في التاريخ - رواية ( الحمار الذهبي)- القرن الثاني الميلادي -

محمد صالح رشيد الحافظ

2012 / 7 / 25
الادب والفن


أول رواية عربية عجائبية في التاريخ - رواية ( الحمار الذهبي)- القرن الثاني الميلادي -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية الحمار الذهبي ذات طابع ملحمي وفانطاستيكي غريب، حيث تعتمد على فكرة المسخ وتحويل الكائن البشري إلى حيوانات أو أشياء على غرار الإبداعات اليونانية. إذ يتحول لوكسيوس/ بطل الرواية إلى حمار بسبب خطأ حبيبته فوتيس التي كان يحبها لوكسيوس كثيرا حينما ناولته مادة دهنية هي ملك سيدتها بامفيلا زوجة ميلون التي تمارس السحر في غرفتها السرية، وبهذه المادة يتحول الكائن البشري إلى أنواع من الطيور والكائنات الخارقة التي تجمع بين الغرابة والتعجيب. وعندما سمع لوكسيوس الشاب أسرار سحر هذه المرأة دفعه تطفله وفضوله إلى أن يأمر فوتيس بجلب دهن الساحرة ليجربه قصد التحول إلى طائر لينأى عن الناس ويهاجر حيال عالم المثل بعيدا عن عالم الفساد والانحطاط البشري. بيد أن فوتيس جلبت له مادة دهنية سامة تحوّل الإنسان إلى حمار. وبعد مغامرات صعبة ذاق فيها لوكسيوس أنواعا من العذاب والهلاك وتعرف عبرها على مكائد البشر وحيلهم يعود إلى حالته الآدمية الإنسانية بعد أن تدخلت الآلهة إيزيس لتجعله راهبا متعبدا وخادما وفيا لها.
وبتعبير آخر، إن لوكسيوس بطل القصة، اتجه نحو مدينة "تسالـي" لأمور تخص أسرته، فنزل على فتى بخيل ضيفا له، فكانت لذلك المضيف الشحيح امرأة ساحرة تتحول إلى أشكال مختلفة إذا دهنت نفسها بأنواع من الزيوت الخاصة بالمسخ والتحويل، فطلب "لوكسيوس" من عشيقته فوتيس أن تدهنه ليتحول الى مخلوق آخر، بيد أنه تحول إلى حمار، بعدما أن أخطأت فوتيس خادمة بامفيلا الساحرة في اختيار المحلول المناسب للمسخ، وهكذا يتعرض لوكسيوس/ الحمار لكثير من العذاب جوعا وقسوة فظل أسير المعاناة والتنكيل والاضطهاد في أيدي الكثير من البشر بما فيهم اللصوص والرهبان.
وبعد انتقاله من يد إلى يد، كان يطّلع في مغامراته السيزيفية على كثير من خبايا البشر وقصصهم وحوادثهم وتجاربهم، ويعرف ضروب الفسق الآدمي، علاوة على العار، وضربات العصا والظلم في مخاطرات كثيرة إلى درجة كرهه للإنسان الذي انحط انحطاطا خلقيا، ولم يتحول إلى حالته الأولى إلا على يد كاهن يحرس معبد الآلهة "ايزيـس".
إن رواية أفولاي ( الحمار الذهبي ) أثرت في كثير من الروايات الغربية ولاسيما المعاصرة منها، إذ أمدتها بفكرة المسخ وبالتقنية الفانطاستيكية التي تستند إلى العجائبية والأحداث الغريبة، وتداخل الأزمنة وجدلية الواقع والوهم واللامعقول.
إن فكرة المسخ هذه قد استغلت في الأدب الأوروبي المعاصر بدءا من القرن العشرين على يد بعض الروائيين دون الاحتفاظ "بالطابع الخرافي الذي كان يلف فكرة المسخ، فإذا كانت الآلهة في الأساطير القديمة هي التي تنزل عقابا من هذا النوع على الأشرار من أهل الأرض، فان الأديب المعاصر ينزل هذا العقاب الوهمي على أبطاله المنبوذين وسط مجتمع يرفضهم أو يرفضونه، وكثيرا ما يجعل المسخ ينسحب على جميع الناس والأشياء" (1).
ومن الذين استفادوا من تقنية الأسطرة وفكرة المسخ نجد "جيمـس جويـس و"كافكـا" وگوي دو موباسان وألفونس دوديه…
وقد تأثر أيضا فرانـز كافكـا برواية أفولاي على المستوى الغرائبي خاصة في روايته "التحول "، إذ تبدأ رواية كافكـا بالعبارة التالية: "ذات صباح بعد الاستيقاظ من حلم مزعج فتح غريغـوار عينه في سريره وقد تحول إلى حشرة" (2).
ومن أهم النصوص الفانطاستيكية في الثقافة الغربية نستحضر قصة "الجسد Le corps " لروبيـر شيكلـي ، وهذه القصة من النوع القصير، وتتمثل غرائبيتها في عملية عجيبة لزرع جسد حيوان في عقل بشري" .
وانعكس هذا الملمح الفانطاستيكي على أسلوب الرواية العربية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة من خلال الاحتكاك والمثاقفة مع الآداب الغربية والاستفادة من التقنيات السردية في الرواية الحداثية الأوربية.
ومن النصوص العجائبية العربية القديمة نجد "ألف ليلة وليلة"، وقصة "سيف بن ذي يزن"، وما كتبه الرحالة العرب وخاصة ما أورده ابن بطوطة من ظواهر عجائبية في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".
وتحضر غرائبية أفولاي بشكل جلي في الرواية المغربية خاصة في رواية محمد زفزاف "المرأة والوردة"، وهي من "النماذج الروائية الأولى في المغرب التي ظهرت فيها أساليب الرواية الأوروبية المعاصرة، ومن هذه الأساليب التي استثمرتها "المرأة والوردة" مسألة (المسخ)، وهي وسيلة فنية وظفها الكاتب من أجل تصوير حالة بطله، وهو يتعامل مع الغرب، ومع اللذائذ الحسية التي كان يغرق فيها، واستخدام الكاتب لهذا الأسلوب في الرواية يرمي إلى إلقاء الضوء أيضا على طبيعة العلاقة التي كانت تربط البطل بعالم الغرب، فلكي يصور ضياع "محمد" في أوروبا جعله ينظر إلى الناس من حوله، وكأنهم مسخوا إلى حيوانات، إلى قرود، خصوصا في تلك المدينة الإسبانية السياحية التي تجمع الناس من أقطار مختلفة" (3).
وقد دفع هذا الشعور البطل لكي يحس بالاغتراب الوجودي مثل الذي كان يحس به في وطنه. وتتجلى عجائبية رواية زفزاف بكل وضوح في هذه العبارة المحورية "تخيلت أن الناس الآن قرودا لأنهم يستطيعون أن يفهموا بعضهم البعض إلا بالحركات" (4).
ومن الروائيين المغاربة الذين تأثروا كذلك بالرواية الحمار الذهبي محمد الهرادي في روايته (أحـلام بقـرة) (5)، وبنسالم حميش في روايته "سماسرة السراب"و "محن الفتى زين شامة"، ومحمد عز الدين التازي في روايتيه "المباءة" و"رحيل البحر"، وشغموم لميلودي في "عين الفرس"، ويحيى بزغود في روايته الرائعة "الجرذان".
ومن الروايات العربية التي استفادت من المنحى الفانطاستيكي رواية "الحـوات والقصـر" للطاهر وطار، و"التجليـات" لجمال الغيطاني، و"حمائـم الشفـق" لخلاص الجيلاني، و"ألف وعـام من الحنيـن" لرشيد بوجدرة، و"اختـراع الصحـراء" للطاهر جاووت، و"هابيـل" لمحمد ديب، و"النهـر المحول" لرشيد ميموني، و"ألف ليلة وليلتان" لهاني الراهب"….
ومن خصائص رواية الحمار الذهبي أنها رواية عجائبية غرائبية يتداخل فيها الواقع مع الخيال، والسحر مع العقل، والوعي واللاوعي. ويتبنى فيها الكاتب المنظور الذاتي والرؤية الداخلية وضمير المتكلم مع استخدام تقنية التوليد القصصي أو ما يسمى بالتضمين القصصي دون أن ننسى روعة الوصف وبراعة الأسلوب والإكثار من الإحالات والمستنسخات التناصية وتشغيل الخطابات الدينية والأدبية والفلسفية والصوفية والعجائبية والأسطورية.
وتقترب القصة من خلال خصائصها الفنية والبلاغية من أصلها الملحمي الشاعري "فالقاص ينهج منهج الشاعر في نزعته إلى الواقع، والقاص والشاعر كلاهما كان يتخيل، ويصف ما يتخيل، أيسر مما يصف الواقع ويواجهه، وكانت الجماهير في عصور الإنسانية الأولى تهتم بالأحداث العجيبة وبالأخطار الخيالية، على حين لا تعبأ بالواقع، ولا تحفل به، وبذلك سبقت القصة الخيالية إلى الوجود القصة الواقعية، كما سبق الشعر النثر الفني، إذ كان كل منهما يمتاح من مورد واحد" (6).
استنتاج وتركيب:
وخلاصة القول: إن رواية ( الحمار الذهبي ) سواء أكتبت باليونانية أم باللاتينية أم بغيرهما فإنها إبداع عالمي يعبر عن هوية مغاربية عربية، وقد أثرت عجائبية هذه الرواية الفانطاستيكية على الأدب القديم والرواية الغربية الحديثة والرواية العربية المعاصرة .
ولا ننسى أن نقول كذلك بأن هذه الرواية من أقدم الروايات العربية في المغرب العربي التي تحسب على الأدب المحلي الجزائري لا على الأدب اللاتيني كما يذهب إلى ذلك إميـل فاگيـه في كتابه ( مدخل إلى الأدب) الذي حاول أن يطمس محلية هذه الرواية ذات الشهرة العالمية ليلصق عليها الهوية اللاتينية وليجرد المغرب العربي من كل مهارات الابتكار والإبداع .
ولم تقف هذه الرواية عند عتبة التقليد واستلهام الخرافة اليونانية بل كانت آية في الروعة والخلق والتناص والإبداع العالمي قصة وصياغة وسردا، أما مسألة التأثر بالأدب اليوناني أو اللاتيني فهي مسألة طبيعية تتحكم فيها ظاهرة التناص، لأن ليس هناك إبداع بدون نسب جينيالوجي إذ ليس هناك أدب خلق من عدم!، فالتلاقح الفكري يتحكم في جميع التمظهرات النصية البشرية خلقا وتحويلا وسطحا وعمقا.
الهوامش:
(*) لوكيوس الماضوري أبوليوس أو أفولاي (125 م- 180 م) : فيلسوف جزائري وعالم طبيعي و كاتب أخلاقي وروائي و مسرحي و ملحمي و شاعر غنائي امتزج فكره بين ما أخذه من علماء وفلاسفة ومفكرين " يونان ورومان ولاتين " وبين الفكر المغاربي المحلي، وقد نشأ في أسرة أرستقراطية في مدينة مداوروش بالجزائر قرب سوق هراس، و كان أشهر كتاب وشعراء هذا العهد.
(1) و(3) - حميد لحميداني: الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1/1985، ص: 301
(2) - المسخ, ص7.
(4)- محمد زفزاف: المرأة والوردة، سلسلة الكتاب الحديث، منشورات غاليري، ط 1، بيروت 1972، ص: 59
(5)- محمد الهواري: أحلام بقرة، دار الخطابي للطباعة والنشر، ط 1، 1988م، الدار البيضاء، المغرب
(6)- د. محمد غنيمي هلال: الأدب المقارن، دار العودة، بيروت، لبنان، ط 1983، ص: 203.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في