الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية

مهدي بندق

2012 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من نافلة القول أن التاريخ لا يكرر نفسه مرتين ، حتى وإن تشابهت غايات صانعيه، سيما حين ُيخطط لتلك الغايات على منحدرات الشر والظلم . في المرة الأولى تنجم عن الحدث مأساة ٌ لا مفر منها. أما المرة الثانية فلا مندوحة من أن تأتي في هيئة مهزلة كاملة الأوصاف . ينطبق هذا المبدأ على علاقة مصر بالفرس القدامى والفرس الجدد انطباقا ً لا يعكر عليه استبدال إيران المعاصرة راية الإسلام ببيارق الإمبراطورية الفارسية القديمة ، كما سنرى .
تبدأ الوقائع التاريخية بقورش الأكبر ملك الفرس ، الذي طالما أبدى توقه لضم مصر توسيعا ً لملكه ، حيث عمد إلي خطبة ابنة الفرعون أحمس الثاني توطئة ً لتحقيق غرضه بالقوة الناعمة Soft Power بيد أن أحمس – بوعيه السياسي – رفض الخطبة ، مما جعل قورش يستشيط غضبا ً ، فراح يعد العدة للهجوم على مصر لولا أن عاجلته المنية . وما لبث ابنه قمبيز حتى اندفع بجيوشه لتنفيذ مخطط أبيه . في ذلك الوقت مات أحمس الثاني ، وتولى حكم مصر آخرُ فراعينها : بسماتيك الثالث ، الذي تصدى للغزو بنفسه ليسقط شهيدا ً في ميدان القتال عام 525 ق.م . بعده وقعت مصر في قبضة الفرس لمائتين وأربعة وتسعين عاما ً.
تلك كانت مأساة المرة الأولى في علاقة الفرس بمصر : تلمظ وتحرش ، فهجوم فاحتلال ، وما أدراك ما الاحتلال ؟ هوان ومذلة وإفقار وطمس للهوية .. والدليل على هذا الطمس أن الإسكندر وخلفاءه البطالسة حين حلوا بالغزو محل الفرس في مصر ؛ لم يجدوا صعوبة تذكر في تحويلها عن مصريتها ، لتغدو إغريقية لثلاثة قرون تالية ، ثم تمسي – بالغزو أيضا ً- رومانية لأكثر من ستة قرون كاملة ، حتى انتزعها العرب من أيدي الرومان عام 641 ميلادي ، ثم ليتخطفها منهم الأيوبيون 1171 فالمماليك 1250 فالأتراك العثمانيون 1517
كان على الوطن المغلف بأغلفة المأساة المتجددة أن يناضل طوال هذه العصور المظلمة من أجل استعادة هويته المصرية ، وقد تحقق له مبتغاه – إلى حد كبير - في ثورة شعبه عام 1919 على الاحتلال البريطاني ، نابذا ً انتماءه لدولة الخلافة العثمانية ، التي ما لبثت حني سقطت عام 1923 ، وحين اكتمل استقلاله بعد جلاء المحتل الأجنبي ؛ صارت مصر مركز الثقل في المنطقة العربية ، بل والشرق الأوسط جميعا ً ، إلى أن تعرضت للضربة الامبريالية الصهيونية عام 1967 ، لكنها استطاعت – بفضل جيشها العظيم في حرب أكتوبر – أن تستعيد بعضا من أرضها التي احتلتها إسرائيل ، وأن تستعيد الباقي منها بالمفاوضات عام 1977 فيما اعتبرته الدول العربية تفريطا ً في الحق العربي ! وهكذا جرى تهميش الدور الإقليمي لمصر لأعوام عشرة ، كان فيها المد الإيراني يصعد تحت راية ما ُسمى بالثورة الإسلامية ، وهو شعار لم يكن ليعبر - في المسكوت عنه - إلا عن حاجة إيران المعاصرة إلى بعث المجد الساساني الفارسي القديم ، إذ سرعان ما انكشف الغطاء " الإسلاموي " عن دولة ذات أنياب ، غايتها تأسيس إمبراطورية إقليمية بآليات التوسع على حساب جاراتها ، مبتدئة ً بدولة الإمارات العربية تقتطع منها جزر أبي موسى ، وطنب الكبرى والصغرى ، ومثنية ً بمحاولات فرض هيمنتها على دول مستقلة مثل لبنان [ بواسطة حزب شيعي موال لها ] أو باستقطاب حركات للمقاومة الفلسطينية : حماس مثالا ً لا حصرا ً ، تربطها بأجندتها : مناكفة أمريكا ، منحرفة بهذه المناكفة عن غايتها في تحرير الأرض المحتلة ! فضلا ً عن السعي الدءوب لتقسيم اليمن إلى دولتين من خلال تأليب الحوثيين ( من الشيعة الزيدية ) ثمة ضدا ً على الدولة الموحدة ، وفي ذلك إضعاف للمملكة السعودية ( قبلة العالم السنيّ ) أي ّ إضعاف .
غير أن هذا كله ما كان ليجدي – من وجهة نظر هذا المشروع– ما لم يشكل الجيش المصري كفيلق أول في فيالق الإمبراطورية الفارسية الجديدة ، لا بطريق الضم بعد الاحتلال المباشر ، فذلك لم يعد ممكنا ً تبعا ً لشروط العصر، ، وإنما من خلال محاصرة مصر بواسطة الصبية السياسيين [ حماس ] ، والحلفاء الأيديولوجيين [ الأخوان ] والعملاء المحليين [ تنظيمات الشيعة التابعة لحزب الله ] بل وبأبواق الفضائيات [ الجزيرة والمنار ] وهؤلاء يفترضون أنه من الممكن هدم الدولة المدنية المصرية ، وتشييد دولة دينية على أنقاضها يقف الفرس الجدد خلفها دعما ً ومؤازرة.
هكذا بدا المشهد بعد وصول الأخوان سدة الحكم أنه من المفترض – من وجهة نظر طهران - أن يقوم الرئيس مرسي بتمزيق اتفاقية كامب ديفيد، وإغلاق السفارة الأميركية في القاهرة، باعتبارها وكراً لجواسيس السي آي ( كانت هذا هو الخطاب الأخواني دائما ً) لكن بات اليوم واضحا ً أن مرسي لم ولن يقدم على أي خطوة من هذا القبيل ، رغم كونه من الأخوان المناصرين طبعا لأخوان فلسطين ( حماس ) الحليف الاستراتيجي لإيران ! وتلك هي البرجماتية الإخوانية الشهيرة حيث تتراجع الأيديولوجية أمام علاقة إستراتيجية جديدة- صرح بها خيرت الشاطر- مع أمريكا والسعودية ، وحيث ُنقل عن الرئيس مرسي في ختام زيارته لجدة قوله " إن مصر والسعودية حاميتان للإسلام الوسطي السني" وهو ما يعطي انطباعا بأن مصر بصدد الدخول في استقطاب مذهبي تتجمع فيه دول أهل السنة – خلف أمريكا - في مواجهة هلال شيعي يضم إيران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان . ولو حدث هذا فما هو مصير حماس والقضية الفلسطينية برمتها في أجندة الرئيس الجديد؟!
كل هذا وارد ومفهوم في تغيرات السياسة الدولية ولكن يبقى السؤال الأهم : هل من حق شخص بمفرده أن يحدد للبلاد مسار أمنها القومي دون مشاركة مع سائر مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة ؟ وهل من شك في أن القوات المسلحة لابد سترفض محاربة إيران لصالح أمريكا وإسرائيل ؟ وبالتوازي فإن الجيش المصري لا غرو سيسأل عن مصلحة مصر في الانحياز للمخطط الإيراني الذي يهدف إلى بعث الإمبراطورية الساسانية على حساب دول المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه