الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حبابتي ترفه

احمد مصارع

2005 / 2 / 15
الادب والفن


حبابتي ترفه
حبابتي كلمة تترد في بلدتنا الكبيرة .
هل هي سريانية الأصل !؟ لأنني ادعوا نانتي التركية بينما اعرف أن العرب يقولون جدتي..
حبا بتي من جهة أبي خارقه للعادة ..
اعرف أنكم تستعجلون معرفة الألغاز,تريدون النتائج السريعة هكذا بدون جهد وكما يقولون عندنا على البارد المبرد ..
حبا بتي شيخة, وشيخة عرب وجدها دعيجل الحمد فارس من فرسان العرب والاصل والفصل والحسب والنسب ..
الموقد الذي لا تخبوا ناره لتدور القهوة المرة بالليل والنهار والسجائر اللف التي لا تنقطع ودوائر الدخان التي تتجاوب مع دخان الموقد في كل ساعة ولحظة بل في كل يوم ومن خلال الدخان يمكنك رؤية حبا بتي الغارقة بأبهة بالغة مع الوشم على الدقن والأنف بالحبر الأزرق ألقان هل هي برموزها المتداخلة الأندلس المفقود لا أدري هكذا سمعت بعض الفهامة الكبار يذكرون ذلك .
أما جدي الغائب غالبا ً والحاضر أحيانا فقد كان يكثر من النداء حين يأتي
أين انتم ؟ يا أولاد... اعتنوا بال شيخه حبا بتكم
انه يمد ال شيخة حبا بتي لكل أشكال التجلي ويبث روح الحيوية في كل لحظات حضوره المؤقت ويملأالمضافه حبورا ً وسرورا ً
يصيح هاتفا ً – أين ال شيخة ؟ احضروه الـ هاتوا الـ ؟ لا تتركوا ال شيخة تعمل
وتتألق حبا بتي كنجم من نجوم الاحتفالات حين ترانا نتراكض لتلبية طلبات جدي ولم لا...
فنحن جميعا ً الأحفاد والأعمام نتراقص حول طلباته. كما يرقص البعض حول العجل الذهبي. فجدي صاحب كيس الليرات الذهبية العثمانية الزاهية والمتللألة والضاحكة كالنور على مرايا سطح الفرات
كانت عمة أبي تأتي لزيارة ال شيخة حبا بتي من شهر لأخر حيث يرافقها حشد من النساء وهي عجوز معمرة أكثر من النسر وبالنسبة لها فان جدي وحبا بتي ال شيخة هما من عمر الأولاد وهي تكرر التوبيخ وتنطلق نفس التعابير مازال على عادته ؟! أليس كذلك.؟.وليه شيخة أين أنت ؟! قولي له إن يصلي ولو ركعتين شكرا لله حتى تدوم النعم وترد ال شيخة حبا بتي بحذر بالغ :
الله يهدينا ويهديه.
تلتفت حولها لترى أبي من حولها تبتسم فتقمعه بصوت متقطع :
(( يوال محمد...يوال.. قل لأبيك يترك السهر والدبك بالإعراس ... وال ..؟
ويقطع أبي كلامها قبل إن تكمل وهو يراقب عيون أمه التي تتتفرسه .
أنا.؟ يا لطيف..! الدنيا مقلوبة !.. هل أنا أبوه أم هو أبي ؟ !
من منا مستعد للتساؤل أين يقضي جدي ليله ومع من يسهر ويتغيب الليالي بينما يحضر للمضافة العربية فان كل شي يتحرك زيادة عن اللزوم ال شيخة حبا بتي لوحدها تملأ صدر الغرفة الكبيرة متكئه على الوسائد العالية وعلى الحائط خلفها رؤوس وغزلان وفي الوسط تماما ً بارتفاع قامة رجل علق سيف مفضض,لست ادري إن كان السيف يماني أو هنداوني قبضته مرصعه بألوان حمراء وصفراء وزرقاء بينما الغمد فضي .
سمعتهم يقولون إن السيف من عصر جدي الأول أبو الفوارس ولست اذكر الشيبباني .. لا .. لا ..
الزبيدي نعم يمكن أن يكون هو ..
حبا بتي أل شيخة اذكرها حين تطردني بنعالها حول الحوش ولا ترتاح حتى يستقبلني الشارع خارج البيت الكبير والباب ذي المسامير ذات الرؤوس ألمكعبه والبرونزية كأنه بوابة قلعة فإذا الى أين اذهب واذكر صوتها يصرخ بلؤم :
انقلع الى بيت أهلك
المهم بالنسبة ألي أنا واحد من أبناء البلدة الكبيرة وهم كثيرا ً ما يشتمون ويسبون لا يعيرون للآخرين أدنى الاعتبار ويتحدثون بصوت عالي ولذلك فان اردد بالشارع :
الله ينعل أبو جد جبايتي طز من أبو الفوارس
صحيح أنا صغير بل وحتى أبي لا يملك القدرة على الدفاع عني ضد أمه ال شيخة ولكن الدنيا تدور والعدالة الالهيه موجودة..
تكرر ذلك أكثر من مرة وسأقص عليكم أظرفها وليس أقساها
في ليلة من ليالي الشتو ية وكان جدي غائباً عن قصر ها المنيف اكتشفت حبا بتي (شيشة) زجاجة مشروب بلون الماء وصرخت علي بصوت حنون هذه المرة – احمدي ..احمدانا تعال ياوال ورق قلبي بصوت ال شيخة المتضرع والحنون وهذا ليس من عاداتها
- حاضر حباب
سألتني ببلاهة : - ماذا بهذه الزجاجة احمدانا
فأجبتها على الفور –حباب هذه شنينة تركية خاثر ولبن
قالت معاتبه :
- ( يوال ) ( احمدنا ) .. أنت تضحك علي فرددت عليها عابسا ً لا والله حبابتي
فسألت بفضول وهي تنفث دخان سيجارتها اللف حتى لم اعد أرى ملا محها
- كيف هذه شنينه تركية وهي بلون الماء فأجبتها جادا ً أنت ِ لا تصدقين أليس كذلك
هل أنت مستعدة لتجربتها عادت وأكدت
- ( يوال ) احمدنا لا تضحك علي
فقلت لها بثقة إليك ا لبرهان يا حبا بتي واتجهت نحو الدن ( الزير ) الذي يحتوي على الماء البارد
ثم ملأت الطاسه وأضفت إليها نصف الزجاجة فصارت بيضاء كالحليب وكأنها الشنينة فاندهشت لمنظر الزجاجة كالماء والطاسة كاللبن فصاحت بعجب
- يا لله .... يوال احمدنا ... أنت بلوه فدافعت عن نفسي ببراءة
لا والله يا حبابتي لكن الشنينا التركية مرة الطعم بالبداية وبعد ذلك تصبح حلوة
قالت متسائلة: ولكن الشنينه حامضة
فقلت لها – حبابتي الشيخة الشنينه يختلف طعمها من بلد لآخر وهذه شنينة السلاطين
وتركت الزجاجة عند الموقد بجانب الشيخة حبابتي ووقفت بجانب الباب الكبير بينما راحت حبابتي تجرع اللبن المر حتى صار حلوا ً في ريقها وانتشت وخف رأسها وشرعت تتمتم بصوت عالي شيئا ً فشيئاَ وسمعت بعض أطرافه .. دح.. ثم شرعت دح .. دح .. تعلو أكثر فأكثر وجلبني الفضول لمعرفة نتيجة شرب الشنينه
ما إن لمحتني حبا بتي حتى هتفت
- يوال .. احمدي .. هذه شنينه السلاطين أحسن من القهوة المرة العربية وراحت تهز برأسها
من النشوة وتردد كالغناء
- دح .. دح .. دح ..
وفجأة وقفت كالفارس وأنزلت السيف العربي وسحبته من الغمد وهو لم يسحب منذ زمان بعيد
وراحت تلوح به يمينا ويسارا وترفعه وتخفضه وكأنها دون كيخوته يحارب الهواء هذه المرة ..
وشرعت تدبك ..
وإذ دخل جدي ورآها تدح دح وتتهادى بالسيف حتى هتف ضاحكا ً
- يا وليد .. ماذا خطر ببال حبا بتك ! تدبك الدحه
- فأجبته على الفور جدي : لقد سألتها ماذا تشربين ؟ ما هذه الشنينه ؟ قالت شنينة السلاطين
وهذه هي المرة الأولى التي يطردني فيها جدي من البيت ويحرص بنفسه على إغلاق البوابة الكبيرة
المفتوحة على الدوام للزوار من الأبناء والأحفاد وأصغيت بإذني من خلف البوابة
فلم اسمع شيئا ً ولكني رأيت الأنوار قد انطفأت وساد الصمت ..........
احمد مصارع
الرقه -2003
( صور من البلدة الكبير ه )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض


.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية




.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف


.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف




.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال