الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب ياسين الحاج صالح بين مقالين

يوسف العادل

2005 / 2 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد استوقفني المقطعان التاليان من مقالين منشورين على التوالي للكاتب ياسين الحاج صالح في الصحيفة الإلكترونية ( الحوار المتمدن) كما يلي :
(.... سوريا والشعب السوري في مرحلة مهمة جدا في تاريخهما، مرحلة إعادة تأسيس وإعادة بناء ثقافي وسياسي واجتماعي ووطني وفكري بعد عقود نظام الشمولية والحزب الواحد الذي انتهى موضوعيا.) العدد 1055 تاريخ22 /12/2004
(.... لم يخطر لي على بال أنه سيطلب مني خلال آخر استدعاء إلى أحد أجهزة الأمن في دمشق "التعاون"، أي الوشاية بأصدقائي إلى المخابرات و"كتابة التقارير" عنهم. كنت أتخيل أن ذهنية التعامل مع المعارض عدوا والعمل على إبادته معنويا وسياسيا وأخلاقيا، على طريقة معاملة عشرات ألوف السوريين خلال العقدين الأخيرين المظلمين من القرن العشرين، قد آلت إلى ما تستحق: نفايات تاريخنا.) العدد 1095 تاريخ 31/1/2005
ويبدو أن المقالين قد أوقعا الكاتب ياسين فيما يشبه المشكلة الفكرية بالمستويات التالية:
أولاً -:مستوى معرفي تمثل باستسهال الكاتب أمر إطلاق حكم القيمة على نظام الشمولية والحزب الواحد في سوريا ،بدق آخر مسمار في نعشه ودفنه وإنهائه موضوعياً في الجغرافية السورية، ليتبين بعد قليل للكاتب بأن عملية الدفن والإنهاء قد تمت في باله و مخيلتة فقط، وذلك حينما فاجأه أحد أجهزة الأمن ( غير المنتهي موضوعياً) باستدعائه طالباً منه ما لم يتخيله.وأعتقد أن نظام الشمولية والحزب الواحد في سوريا قد شغل في قراءته وتوصيفه وسيظل يشغل وعي النخبة السياسية السورية كأعقد المواضيع التي تبعثرت حيالها هذه النخبة أطيافاً لم تجتمع ذات يوم على كلمة سواء، فكل فصيل سياسي معارض استند في بحثه عن شرعية وجوده ونشاطه السياسي المعارض لهذا النظام، على أسس فكرية نظرية تتأصل في الموروث النضالي التاريخي لشعوبنا وشعوب العالم بغناه وتنوعه، فكراً وممارسة حيث تعددت الرؤى والمواقف والإصطفافات والبرامج السياسية التي عكست وتعكس الموقف السياسي من حركات وسكنات النظام الشمولي في سوريا ودفع الضريبة النضالية الممتدة من أول السياط وإلى أن ترث الديمقراطية السياسة السورية ومن عليها، مما يجعل ليس فقط إطلاق أحكام قيمة ، بل القراءات المتأنية المعززة بمنهجها العلمي ومعطياتها وبياناتها وإحصائياتها وترشيدها السياسي، محفوفة بالحذر المعرفي الشديد، لتعلق ذلك بعملية بناء الوعي العام الذي يكفي حملته أنهم تتنازعهم شتى المشارب الفكرية والأيديولوجيات التي تديم مصائب ومحنة شأننا العام .
وأعتقد أن ثمة فرقاً بين ما يسمى ارتخاء القبضة الأمنية (نسبياً) للنظام الشمولي في سورياعلي خلفية كل التغيرات السياسية التي شهدها العالم منذ انهيار الإتحاد السوفيتي(بداية العقد الأخير للقرن العشرين) وهبوب رياح الديمقراطية ( غير الشمولية)، وبين انتهاء نظام الشمولية والحزب الواحد في سوريا موضوعياً الذي يعني فيما يعنيه :
1. -غياب مرتكزات شمولية هذا النظام في بنائه الفوقي حيث لا وجود لقوانين وأحكام الطوارئ، وللقوانين و الأنظمة الأخرى التي تكرس هيمنة وسيطرة السلطة السورية على الحياة العامة والخاصة للناس وحرمانهم من حقوقهم في الحياة الكريمة مادياً ومعنوياً .
2. غياب مرتكزات شمولية هذا النظام في بنائه التحتي حيث تسود سلطة القانون ومبادئ وإجراءات تطبيقه بعيداً عن وصاية مرافق وأجهزة الأمن ومختلف الأجهزة الإدارية الأخرى التي تستبيح حياة الناس.
وهذا الغياب لمرتكزات شمولية النظام السوري لا يتحقق إلا على جثة هذا النظام وبحالتين:
• الحالة الأولى:اختلال موازين الصراع السياسي على الساحة السورية لصالح قوى التغيير الديمقراطي التي إن نجحت، ستضع حداً موضوعياً وذاتياً لوجود النظام السوري الذي ستنتهي شموليته من باب أولى ، وهذه الحالة لا تزال ضرب من ضروب الأحلام.
• الحالة الثانية: بخلع شمولية النظام السوري على طريقة الخلع الأميركي لشمولية النظام العراقي الذي صار من الماضي، ولن تستدعي أجهزته الأمنية أحداً بعد الآن .
وخارج هاتين الحالتين الغائبتين حالياً على الأقل سيبقى النظام السوري طليقا في أرجاء شموليته يعالج جميع المستجدات التي تعصف به ( امتصاصها، التكيف معها، المناورة، تقديم التنازلات في وقتها،.. الخ) وهو في كل ذلك يبحث عن موطئ قدم له ودور في سياق المشاريع المطروحة أمير كيا كامتداد لكل أدواره التي لعبها هذا النظام لعقود على طريق سيرورة مشروع تسوية الصراع العربي الإسرائيلي والمشاريع الأخرى.وأعتقد أن النظام السوري ومنذ الأيام الأولى لخلع النظام العراقي يواجه حزمة ضغوط سياسية للنيل من أوراق استعصائه وتماسكه حيال الترتيبات الأميركية انطلاقاً من العراق، وهاهو الآن يواجه هراوة القرار الدولي 1559 وقصة وجوده العسكري في لبنان ونشاط المعارضة اللبنانية المتسارع ضده كما يواجه محاولة عزله عبر قمة شرم الشيخ الرباعية(شباط2005) وهو في كل هذا وذاك لم يتهدد وجوده السياسي وشموليته التي ربما لحقها بعض الحت الذي تسببت به رياح التغيير العالمية كما أسلفنا والضغوط التي يواجهها هذا النظام،مما أدى إلى ارتخاء القبضة الأمنية والغياب المؤقت التكتيكي للمظاهر الأمنية وللقمع السافر والعميم على الطريقة القديمة التي سيتم تحديثها ، مع مراعاة كل مستجدات ومعطيات الصراع السياسي( ضغوط أمير كية،بنود اتفاق الشراكة الأوربية السورية على صعيد حقوق الإنسان) لتبقى شمولية هذا النظام حية(موضوعياً) ترزق في رحاب سوريا، ولن تنتهي موضوعياً إلا باقتراب أجل النظام السوري وفق الحالتين المذكورتين آنفاًأو بحالات قد تتفتق عنها الظروف.
وأعتقد ويعتقد غالبية الناس أن البناءين الفوقي والتحتي للنظام السوري لا يزالان عامرين بكل صنوف الوسائل( من عقوبة التنبيه المسلكي إلى الحجز العرفي لعقود ومن العبارة البذيئة إلى الموت والسحق تحت التعذيب، بله المذابح الجماعية، ومن... إلى...) الأمر الذي يكفل بقاء ثروة هذا البلد في خزائن رموز هذا النظام الشمولي وديمومة نفوذهم على رقاب العباد .
ولا يغير في هذه الحقائق شيئاً أن ترتخي القبضة الأمنية وأن ينعم الحراك السياسي الديمقراطي للنخب السورية الجاري منذ خطاب قسم الرئيس السوري ببعض الأمان الأمني المتوفر بفعل التغيرات التي عصفت بالعالم كما أسلفنا، والتي يعمل النظام السوري على التكيف معها وامتصاص استحقاقاتها بأقل التنازلات الممكنة التي قد تصل كما نشهد الآن إلى تخوم الهامش الديمقراطي المتاح للحراك السياسي المحدد الحركة بخطوط ما قبل حمراء وحمراء أو إلى ( إلغاء السجون السياسية إن لزم الأمر) ، مع بقاء خط إياب مكنة القمع سالكا في الزمان والمكان المناسبين ، وسيلعب النظام السوري جيداً على وتر مراعاة الضغوط التي يواجههاأميركياً وأوربياً ومن أية جهة كانت ، وستبقى الساحة السورية رهينة إحدى الشموليتين، شمولية النظام الراهنة أو شمولية المشروع الأمير كي الزاحف، وكل ذلك مادامت قوى التغيير الديمقراطي على الساحة السورية محدودة الفاعلية .
ثانياً- مستوى منطقي تمثل بانعدام الترابط بين ما يفترض في المقال الأول أنه مقدمات أسس الكاتب فيها نظريا لفكرة إنتهاء نظام الشمولية في سوريا، وبين النتائج المتأتية من هذه المقدمات، حيث لم يجد الكاتب مخرجاً حينمااستدعاه أحد أجهزة الأمن في دمشق (غير المنتهية موضوعياً )، غيرا للجوء إلى استسهال الإتكاء على خاطرة البال ورفع رايةالإستغراب مما حصل له في هذه البقعة الشمولية من دمشق، ويبدو أن هذا البال سيكون بالمرصاد لكل عناصر الواقع التي لاتسّوق منتوج المخيلة بالسرعة المطلوبة.
*****
يوسف العادل 14/2/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم