الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فريضة التحرك ..بحثا عن دواء جبن بعض المجتمعات

محمد ولد الطالب

2012 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة ( مسلمة ) تنص على أن الأسئلة حق لجميع الحائرين ، و بما أنني أحد الذين استعصى عليهم فهم جزء من بنية الواقع العربي الراهن فقد قررت الجهر بأحد الأمور التي أثارات استغرابي . يتعلق الأمر هنا بإشكال يلخصه السؤل التالي: كيف أمكن لبعض الشعوب العربية _ خلال الأشهر الماضية _ أن تمتلك من الوعي و الشجاعة و العزم ما يكفي لانتزاعها حق الارتقاء نحو حياة قائمة على العدل و الحرية بينما بقيت شعوب ( عربية ) أخرى ملتصقة بواقعها المقرف ؟ . مركز المفارقة هنا يعود إلى أن الشعوب العربية التي قررت كسر رهبة ، أو رهاب ، مكاره الثورة تعد من المجتمعات التي تعيش حياة مريحة مقارنة مع شعوب ( عربية ) أخرى آثرت حب السلامة ، و كأن القدر قد اختار بذلك لهذه الأخيرة أن تعيش حياتها في الحفر..
من المؤكد أن للقارئ هنا شكوكه المتعلقة بدرجة أهليتي في الكتابة في موضوع من هذا القبيل ، و هو ما اقر به ، نظرا لطول الامتدادات الأفقية لمسرح الأحداث المدروسة و كثافة و ضبابية الواقع المعني و افتقادي للحيل التي تنال بها الشهرة (العلمية ) المستمدة ، أحيانا ، من التهريج الإعلامي.. لهذا سأكتفي بتفحص الواقع السياسي / الاجتماعي الذي اعرفه أكثر من غيره . أي أنني سأكتفي بمحاولة تقديم كشف للحالة الموريتانية . أما من ناحية آليات المعالجة ، فإن لدينا نهجا يجمع بين عدة استقراء الماضي و البحث في المؤثرات الجغرافية على البناء النفسي والسلوكي للسكان لأحوج – أكثر من غيرهم – إلى الفحص السيكولوجي..
حين نشرع في معاينة الحالة المخصوصة بالدراسة من خلال تفحص خطاب القلوب الذي يتداوله المجتمع الموريتاني عن نفسه ، نجد أن الأخير يجمع و يؤكد على شدة بأس أبناء ارض ( شنقيط ) ، فهي ارض الرجال و المقاومة .. ، و هو ما لا يتناقض مع ما سأشير إليه لاحقا !.
من حيث الماضي نجد أن هذه الأرض - الجدباء – كانت عبارة عن ملجأ يحتمي به الضعاف و الفارون من الحروب ، شمالا و جنوبا .. حيث تشير بعض أمهات المصادر إلى أن العديد من عشائر شمال إفريقيا قد تقهقروا/ تقوقعوا، خلال القرون الماضية ، نحو الصحراء طلبا للسلام ، أي فرارا من وجه السيوف و الحروب ..
على مستوى الماضي القريب أكد أنه سيكون من الصعب إقناع الأطفال بأن السلف قد حارب المحتل بشراسة. مادام أن الخلف يجسد نموذجا فريدا في الصبر على الجور في وقت انتفض فيه كل من يحمل مثقال ذرة من الإباء . بعبارة أخرى أرى أن ما هو يقيني من الحاضر سيجعل مؤرخنا المعاصر في وضع محرج ، بل مخجل ، خصوصا عند ما يحاول دراسة ما هو مدون عن تاريخ المقاومة الموريتانية في ضوء ما نتميز به من ردود أفعال اتجاه ما يمارس علينا ، في الوقت الراهن ، من الجور و الاستعلاء . هذا ما استبد بي حين تبدلت نظرتي إلى تاريخ المقاومة هنا من الشك إلى اليقين بأن الكثير من مما نقرئه و نكتبه عن هذه الأخيرة مجرد افتراءات .
راهينيا ، تعيش غالبية المجتمع الموريتاني حالة من انعدام الإحساس بواقعها المر و الأليم ، حيث يصادف المرء أعدادا كثيرة من الأنفس وهي ممتلئة بالتخيل و الرضا عن الذات ، متنكرة ، بذلك ، لواقعها الذي يثير ، على المستوى الدولي ، الكثير من الشفقة . ذلك أن كل الأدلة القطعية تؤكد على أن بيوتنا عورة ، و أننا نقيم إقامة جبرية في مساكن يملئها الذباب و البعوض و الحر و الغبار.. .أما أجسادنا فتشهد علينا بانا جياعا عراة و أن الظمأ قد خالط مختلف مسام أجسادنا . يتعلق الأمر ، إذن ، بمجتمع يفيض برائحة الموت ، و بوضع تشمئز منه النفوس الحرة . وجه الغرابة في هذا الشأن أن تجد من يفاخر بنفسه و هو يقدم ، في نفس الوقت ، طقوس الطاعة العمياء و الخضوع المطلق لمشيئة حاكم ينظر إليه بعين العداء و الازدراء ..
و لكي نقترب من توصيف كنه الداء – المراد تبيانه هنا - لا بد لنا من شد الانتباه إلى مفارقتين من المفارقات التي تطبع المجتمع المدروس . تتعلق الأولى بما هو مشاهد من مناصرة و حث نسبة كبيرة من الموريتانيين للشعوب العربية الثائرة من أجل المضي في مناضلتها لحكامها .
و لأن المقارنة بين الشعوب العربية التي دخلت طور الثائرين على أنماط حياة العبودية ، و بين حال المجتمع الموريتاني قد تتسبب في أن يصعق القارئ بمنظر المجتمع الأخير فلن نغوص فيها . لكنني أشير إلى أنني أتذكر حادثة ذات منحى دلاليا خطيرا في هذا الاتجاه . ففي إحدى أيام منتصف عام 2012 جمعني القدر مع شاب يرفع صوته داخل احد مقاهي / سيبر قلب مدينة نواكشوط . و لمزيد من التوضيح أشير إلى أن الشاب الموريتاني كان يخاطب –عبر اسكايب – شابا جزائريا في أمور الثورات العربية . و لأن مواطني يجلس على مقربة مني و يتحدث في موضوع ما يزال خصبا ، فقد سألته عن اتجاه (مزن) الثورات العربية ، فرد علي : ها آنا استحث الجزائريين على الثورة أما نحن الموريتانيين فلا يوجد – حسب كلام الشاب – ما يدعونا إلى الثورة . حينها بدأت ادقق النظر في ملامح الجزائري فإذا بها تعكس صورة شاب ممتلاء الأشداق مفتول العضلات و مرتديا لملابس جميلة.. . أما الشاب الموريتاني فيرتدي أثوابا قديمة و وسخة ، كما أن بنيته الهيكلية تنبئ أنه يعاني من مجاعة مزمنة . هنا ، إذن ، تكمن المفارقة الأولى . أما المفرقة الثانية فتتجلى في محاولة بعض أبناء هذا الوطن تسفيه ما يقوم به أحرار الشعوب العربية من ممارسات تستهدف الخروج من أزمنة الخزي . حيث يطيب لهؤلاء تسمية الجبن بالصبر و تعريف التخنث بالتعقل ... و تبرير المذلة بالتضحية في سبيل وحدة الوطن ..
و مهما يكن فإن ، ثمة أدلة قطعية على أن الإنسان هنا يحول أن يتستر على عاهاته و جوعه الذي بات ملء البصر . في مثل هذه الظروف يغدو من حقنا أن نتمنى أن ننتصر في ارض تنتهك فيها يوميا حقوق ملاين الناس . و مما هو مؤسف أن كل البراهين توحي بان السبب الجذري لهذا الأمر يعود إلى رخاصة الإنسان هنا . أقول ذلك و أنا أتذكر كيف تساق الناس وهي جياع لكي تمارس التطبيل و تعلن الولاء عند فراش حاكم يشهد عليه الماضي بأنه أشر من الأفاعي. غير أن ما هو ادهي و أمر هنا يتمثل في أن نكون أول و (أخر) من قصدهم نزار قباني في قوله أن ثمة أناس كأنهم ( ضفادعاً مفقوءة العيون .. لا يثورون ولا يشكون ولا يموتون ولا يحيون ) . اجل إن الله لا يرضى لبني ادم أن تستقر في مستنقع حياتي لا يصلح إلا لمعشية الضفادع و الطحالب. أسوق هذا للذين يطيب لهم الجلوس و الخلود في أحضان نظام فوضى ينفذ الإبادة الجماعية ضد غالبية الموريتانين عن طريق استئثاره بالطعام و الماء.. و نشره لما هو ملوث من الثقافة و الهواء..
و لأننا أمة تهيب بالأمر بالمعروف ، أقول لمن يعاني من أي رهاب اتجاه حاكمه بأن ثمن الحياة الكريمة (ليس عسلا بقدر ما هو حنظلا لابد من تعاطيه ..) . أكثر من ذلك أرى أنني محتاج إلى أن نعرف كيف اصرخ بنبرة صوتية واضحة و عالية لكي افهم كل القلوب المسكونة بالجبن والعجز بأن جميع طرق السعادة محفوفة بالمكاره .
أخيرا أشير إلى انه سيكون من الصعب على نفوس أي شعب ألف العيش وسط العفن والقاذورات و المجاعات.. أن يصل إلى درجة جرأة الأعراق النبيلة . مع ذلك يبقى الاعتقاد بان الله قادر على أن يخرج الحي من الميت .
ختاما أرى أننا نفتقد ، حاليا ، لشدة بأس الإسلام في مجالدة الطواغيت . بعبارة أخرى أكد بأننا بحاجة لرجال أشداء و نساء ذات عزائم صلبة . أقول ذلك بعد أن ثبت أن الحياة الكريمة لا تتحقق على أيدي المتدروشين و المتهاونين ، و أن والملائكة لا تنصر القاعدين من الرجال.
و ليخشى الذين يحاربون الله من الفقهاء ، عبر افترائهم على الإسلام و الزعم أن الله يأمر بالفحشاء ، من خلال حثه للشعوب بأن تصاغر خدها لحاكم نبيل ، أحرى أن يكون نذلا ، متجاهلين ، أو جاهلين بذلك أن بعض الصحابة قد خاطب الخليفة عمر بن الخطاب قائلين له : لأي شيء ثوبك أنظف و أطول من ثيابنا؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا