الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآلام والآمال في قصيدة -عاشقة الثريا - لنعيمة خليفي

نجية جنة

2012 / 7 / 28
الادب والفن


الآلام والآمال في قصيدة "عاشقة الثريا " لنعيمة خليفي

يقول كانط "إن النقد هو فحص حر" بمعنى أن النقد يمكن أن يكون تذوقيا أو عالما يتتبع خطوات منهج معين ، يرتكز على مذهب نقدي ما ، ولكلا الطريقتين نفس الهدف ،الذي تمثل في إبراز القيمة الفنية للعمل الأدبي بكل موضوعية و شفافية لذلك أجدني اندمجت مع قصيدة " عاشقة الثريا" للأستاذة نعيمة خليفي ، فقط هو الذوق الذي جعلني أرتمي وسط العالم الذي رسمته الشاعرة ، بل أخرجته وصورته من واقعنا المرير الذي نعيشه يوميا ولا نملك له سوى المشاهدة والتعليق من بعيد أو في الخفاء ، ولو أني أدرك أن كل فرد في عالمنا العربي يبكي بحرقة ويتحسر بصمت ،ويتألم ويتجرع مرارة ما آلت إليه الشعوب العربية ، فما كان مني سوى الاندماج مع الأستاذة نعيمة في قصيدتها ، هي كتبتها بإحساسها وترجمت فيها مشاعرها وشاركت معها ظواهر طبيعية لتبرز من خلالها كل صور المعاناة والأسى والزيف
و الغبن و الظلم و الاستبداد ، وأنا بكل موضوعية وجدتني أشاركها نفس الإحساس بل وأكثر ، وجدتني أحاول استنباط ما اختبأ بين طيات أبياتها .

إن الشاعرة نعيمة خليفي من الشاعرات القلائل اللاتي ألهمت الثورة قريحتهن ، وألهبت وجدانهن ، فما كان منها سوى إطلاق العنان لقصيدتها التي تغنت بل ندبت وتأوهت ، إنه الإحساس الصادق و القوي ، إنه الواقع العربي البئيس و المرير الذي حركته الثورات الربيعية العربية كما اصطلح عليها ، فتمخض قلمها عن "عاشقة الثريا " والتي تستهلها بالحنين إلى ركوب المخاطر حيث تقول :
هزني حنين ركوب المخاطر
وكانت شموس الظهيرة تمتطي أحلامي
و تحمل كل آلامي وآمالي
فالشاعرة لها رغبة للخوض في الثورة و مشاركة إخوانها المقهورين للخلاص من الاستبداد والطغيان ، وقد اتخذت من الشمس رمزا لسمو أحلامها ، فهي متقدة كحرارة الظهيرة ملتهبة حماسا ، تختلط آلامها بآمالها ، وقد آثرت أن تحكي عن الآلام قبل الآمال لأن ما تراه الآن وتحسه هو الآلام فالواقع المرير يؤلمها ومع ذلك لها آمال دفينة تحملها مع رعشات قلبها وقلوب كل من ينتظر فسحة الأمل في المجتمعات العربية ، ولكنهم حيارى حيث تقول :

ورعشات القلوب الحائرة
وانتفاضات الشعوب الثائرة
وكانت غمامة المساء، تصب النبيذ الوثني في ثغور النهر
رذاذا ، تناثر على أجرف الدم المتخثر، ملحا وعطرا
وأنا بين الثرى و الثريا
كومة حطب مطفأة
ولكنهم حيارى أي الثائرون ومعهم الشعوب ، ينظرون للشعوب الحائرة ولكن لا يملكون أي خيار ، ولا يدرون هل هذه الثورات ستفي بالمطلوب أو ستكون كغمامة مساء ، هنا تعتمد التشبيهات و الاستعارات ، تشبه هذه الثروات و البلبلة التي تحيط بها بالنبيذ الذي يصب في النهر فيصير رذاذا ثم ملحا ثم عطرا أي ربما ستكون النتيجة بدون جدوى ، وتجد الشاعرة نفسها حائرة ، هل تصدق مزاعم الثائرين وهمتهم أم الواقع المعاش الذي لم ولن يتغير تقول :

كومة من حطب مطفأة
وفي مقلتي جوع الصابرين
اقتات بحمى الانتظار
عين تراود السماء
وأخرى ترصد الطير
غاب النورس الأخير
وشاخ انتظاري على لوح السفينة
وبين بداية القصيدة ونهايتها يتخلل وصف لحالة الشاعرة النفسية وهي تنتظر حلول الفرج –إنها حالة انتظار ، لا هدوء ولا صفاء أجواء ، لا حلول مرضية ولا سلم ، لقد طال انتظارها و انتظارنا ، والحال على ما هو عليه ،ولكن الشاعرة تتصور أو تتهيأ لحلول أحسن ولغد أفضل ، فرغم القصف ، ورغم الموت ، ورغم الإحباط فنذرها سوف يتحقق ، فهو الداء والدواء تقول :
لكنه هو الداء والدواء
لن أنسحب وإن طال المسير
مرارا هويت
ولملمت إيزيس أشلائي
وعدت مبتهجة من القبر
فالموت لا محالة ، والنصر سيحقق لا محالة ، فالشاعرة رغم كل شيء فهي متفائلة ولها أمل في الثورة وفي الشعوب العربية "فلابد لليل أن ينجلي " وهنا توظف أسطورة إيزيس ربة القمر التي استعادت جثة زوجها ، وحضنت ابنها حتى اشتد عوده ثم انتقم لقاتل أبيه ، فالموت الذي يحصد الأطفال و الأبرياء ويدمر الأخضر واليابس سوف يأتي بعدها الصفاء وعبق الورد. ستنبعث حياة جديدة وسيحل السلم والأمان وتتغير الأوضاع المزرية وتتحسن حالة الشعوب المقهورة حيث تقول :

أتى منها يانع الزهر
وما يشتهيه القلب من نغم
صفا من وقعه الدجى وعبق الكف وردا وشدا

تختم قصيدتها بالأمل المنشود ، فهي واثقة من نفسها رغم عوامل ومظاهر الإحباط التي تحف بها وبالمجتمع العربي فهي تئن تحت وطأة الهزيمة ولكن تلوح في نفس الوقت بشعارات تمردية ، فلن تستسلم أبدا .

إن القصيدة تبدو أكثر مرونة وحيوية ، عبرت بكل صدق عن مشاعر الشاعرة وما يخالج نفسها من أحاسيس ، فهي عبرت بعفوية ملحوظة عما تحس به إزاء الواقع المعاش .
و يظهر ذلك من خلال انسياب أبيات القصيدة .

وإذا نظرنا إلى القصيدة من الناحية البنائية نجد أنها استمرارية للشعر الحديث الذي يعتمد على التفعيلة رغم خروجه عن قوانينها ، فجاءت القافية متنوعة وبهذا التنوع تنوعت إيقاعات وأوزان القصيدة و بالتالي ابتعدت عن الأسلوب الخطابي التقريري كما أنها وظفت لغة سهلة متداولة تعتمد على الإيحاءات التي تحيل بشكل غير مباشر على الدلالة ولا تصرح بها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في