الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جُوعوا فقط.. لكن لا تموتوا .

أم الزين بنشيخة المسكيني

2012 / 7 / 28
كتابات ساخرة


في زمن القحط و القُمامة ، صارت اللحوم الحمراء موضوع نقاش سياسي في قيمة النجوم السينمائية و في شهرة القصّاص .. و اشتدّت الخصومة بينها و بين اللحوم البيضاء ..و احتدّ النزاع في شأنها بين الحاكم و الجزّار..و أصرّت الحكومة على التعديل في الأسعار بدلا عن التخفيض فيها ..لا أحد كان راضيا بالقرار الحكومي ..لا الجزّار و لا المواطن و لا المجزرة ..و يبدو أنّ اللحوم بذات نفسها لم تكن راضية بالحلّ الحكومي و لا بالسكاكين الجديدة و لا حتى بالمعارضة ..كان يسوئها أن تظلّ معلّقة نهارا كاملا دون أن يقبل عليها أحد ..من فرط غلائها و من فرط فقر المواطن و ضعف قدرته الشرائية ..كانت معروضة للفرجة بل للشماتة الكلبية و لشهوة القرم المكبوتة ..لا العدالة الانتقالية و لا العدالة الاجتماعية و لا التنمية الريفية كانت قادرة على الحسم في ملفّ اللحوم الحمراء ..و من فرط احمرارها خجلا من أسعارها المشطّة قرّرت هذه اللحوم بأن تعتصم في الثلاّجات العملاقة الى حدّ العنوسة و النتونة ...أمّا عن اللحوم البيضاء فكانت أكثر حظّا و أكثر حظوة لدى المواطن المتوسّط الحال ..كان حالها أرحم من حال زميلتها الحمراء لأنّها كانت أرحم على أبناء الشعب من البقرة و الثور المخصي و ابن الثور الأصغر ..الذي سيقع اخصاؤه حتى يكثر لحمه ..بل انّ اللحوم البيضاء أكثر مرحا و بهجة و محبّة للجياع لأنّها ليست لحوما أصلا ، و لا تعاني من أيّ مشكل خاص بالهوية أو بالأصل أو بالنسل و السلالة الأولى ..فهي بلا ذاكرة و لا تنتمي الى أيّ خطّ سياسي أو مانوي أو جيني أو بيئي ..انّها لا تؤمن بأيّ نوع من الحكومة حتى لو كانت ديمقراطية ..
لكن هناك من أبناء الشعب من لا يهتمّ أصلا بمشكلة الخصومة بين اللحوم الحمراء و اللحوم البيضاء ..لأنّه لا ينشغل باللحوم أصلا فهي ليست من مشمولاته و لا من مأكولاته و لا من أحلامه ..و رغم ذلك تراه يتفرّج يوميا على اللحوم بالرغم من كونها عارية تماما .لم يكن يخجل من عرائها لأنّه "عريان" تماما مثلها.. ماذا سيأكل هذا اليوم ؟ شربة بالكلافس ..و ماذا سيأكل غدا ؟ شربة بلا كلافاس ..و بعد غد ..لن يأكل لأنّ الشهر طويل و الشهرية قصيرة جدّا ..لا أحد يلائم الآخر ..لن يحزن لأنّه حزن كثيرا منذ زمن طويل ..سيجوع و سيموت موتة قليلة لكنّه لن يُدفن هذا العام ..سوف يحيا بلحمه و شحمه ..و سوف يستعيد حيواناته الخفية من أجل البقاء ..سيأكل نفسه يوما ..و "كلات بعضها "في كل الحالات ..لا اللحوم ستتنازل قيد أنملة عن علويّتها و حمرتها و سعرها الامبريالي و لا الشعب سيقدر على التصالح مع هذه اللحوم ..أيّها الشعب الكريم لا حرج عليك ستجوع لكنك لن تموت بما يكفي لأنّا نحتاج جوعك كي تصير قطيعا لنا و نحتاج فقرك كي نتصدّق عليك و نحتاج بؤسك كي نشتريك فتنتخبنا ...و نحتاج موتُك كي نمُرّ بسلام ..و نحتاج حزنك كي نستعبدك و نحتاج يأسك كي تصير رعاعا و نصير ملوكا كلما دخلنا قرية الاّ و أفسدناها و خرّبناها و جوّعنا أهلها ..أيها الشعب الكريم سيظلون يصنعون الفقر و البؤس و يأبّدونه بالصدقات ..سيغتصبون حلمك و قمحك و أرضك و سيصنعون منك طابورا لحكومات الخطأ و الحمق .."ما من مأدبة سياسية الاّ و اجتمع حولها أكلة لحوم البشر "..أيها الشعب المجوّع و المعطّش لا تكن لحما ..سيبيعونك بالمزاد العلني دون تعديل للأسعار ..كُن عشبا لكن سيّج حدائقنا بالأشواك جيّدا ..لا تتنازل عن حقّك في أن تكون شعبا آكلا للحوم و لا تتنازل عن حقّك في أن تكون شعبا ضاحكا من كل ثور جاء يعوّض الثورة فصار مخصيّا كل يوم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا