الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمسرح السياسي للغة: قراءة في خطابات بنكيران

الهام زند

2012 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يتبوأ أحدهم منصبا سياسيا هاما في هرمية السلطة السياسية داخل بلد ما ’كأن يكون رئيسا للحكومة مثلا’فذلك مما لا يمكن معه الاحتفاظ بنفس النسق اللغوي المستخدم في النشاطات الحزبية والخرجات "النضالية" للم الأصوات وحشدها .
عندما انتقل السيد بنكيران من حالة " الكاسكيطة " الى حالة "الكرافطة" وهوغير راغب تماما كما يدعي..عليه أن تستنتج تباعا أن التغيير لن يطال مظهره فقط’ بل يجب أن يشمل لغته أيضا .عليه أن يزور ثرات العرب في أقوالهم المأثورة ’و يرجع الى "الشرع" في غير ماوصل اليه من استنتاجات شرعية جديدة تجعل" الرزق في يد الله وليس بيد الدولة و" تعفو عما سلف " في ما يخص ملفات المفسدين .. ليأخذ منهما ما يعلمه بأنه"لكل مقام مقال"’ وأنه لايجوز لراعي مصالح العباد أن يطلق الكلام على عواهنه دون أن يفحصه من جهة اللباقة و السلامة.
عندما يتحدث رئيس الحكومة عبر أية وسيلة اعلامية فان الجميع ينصت بل ويحرص على التتبع الجيد ..وهو أمر جديد قياسا الى النفور الجماهيري الذي كانت تواجه به أعلام سياسية معروفة كشكل احتجاجي من طرف جل المواطنين المغاربة.
الأمر لا يتعلق بجدية في مضمون الخطاب أو بجدة في بناء الطرح في معالجة القضايا الاجتماعية بالضرورة’ببساطة لأن ردات الفعل الحانقة وسط الشوارع منذ تقلد بنكيران كرسي الرئاسة قائمة على أشدها والأهم من ذلك أن عمق الخطاب الشفهي- على الأقل- (وهو ما يهمنا في هذا المقال) أثار حفيظة الكثيرين ممن تجاوزوا بريق شعار الشعبوية اللغوية في خطابه الى تناول أبعاده وتداعياته الخطيرة على مستوى التعامل العملي مع قضايا المجتمع.
أن يطلق مسؤول سياسي رفيع المهام وهو القابض على زمام مسؤوليات وانتظارات وأسئلة حارقة في خضم منعطف سياسي نقرأه على ضوء مايسمى بالربيع العربي..أن يطلق لسانه بخطاب هزلي وبوابل من الاهانات المقنعة في وجه الاعلاميين, بغلاف المزاح و"التقشاب" والبهلوانية في التحليل للهروب من ضغط السؤال..محتميا بما يوفره الخطاب الدارجي من امكانات التسلية و المتعة والقرب النفسي من الممارسة اللغوية المعتادة للمواطن من جهة, وسهولة الجهاز المفاهيمي و الحقول المعجمية من حيث الفهم من جهة أخرى.كل هذا يؤدي الى انجذاب لاواع الى الاستماع والأدهى وهو التعليق بعد الاستماع على نحو التأييد الساذج للفكرة المطروحة النابع أصلا من الانبهار والاستسلام لحلاوة و"خفة" اللغة التي سلمت على لسان بنكيران من القواعد المملة والمقيدة والمسكوكة...وليس لمنطقية المعالجة أو قوة الخط الحجاجي فيها ضرورة.
يبهج كلام رئيس الحكومة الكثيرين"لغويا" على الأقل..يضحك ,يعنف ,يفاجأ,يصرخ في وجه المحاورين..انه يستجيب للانتظار النفسي الكامن في عمق المواطن المتعطش لايقاف مغازلة اللغة السياسية, للفهم والمشاركة السياسية والتغيير بعد طول قطيعة..لكنه يسقط في فخ ابدال لغوي خطير..يصرف الانتباه عن موضعه الأساس من البنية المضوعاتية الى البنية الجمالية للخطاب.
ومن هنا تبدأ أحادية الطرح...ومايجعل الأمر يسيرا هو التطعيم المستمر للخطاب بالقفشات الدينية المؤثرة و العامة..لتكون عنصرا أساسيا في "منطقة "الطرح الدارجي.وجد اذن بنكيران ضالته اللغوية الاسرة وفتن بها زمرة من المثقفين أنفسهم..واستطاع أن يفتح بها لنفسه أبوابا كانت موصدة في وجه سواه..لأنه خرج عن العرف اللغوي المغازل للغة ’ وكأنه يتبع في ذلك فلسفة الشاعر الحديث الممارس..وتلك سنة استراتيجية للحكومة الجديدة قاطبة ..ويكفينا الاستماع الى تصريحات عدد من الوزاء كمحمد الوفا(وزير التربية الوطنية)لنكتشف هذا "النفس" التهريجي الساخر الذي لا ينفك يحقرمن هول كل الظواهر المجتمعية الخطيرة والعاجلة .
ومن ثمة يرسم لعهد جديد من مهرجة (من المهرج) نوازل الواقع اليومي المزرية للمواطن والتعامل معها على وجه النكثة والمستملحة البسيطة عبرلغة ممسرحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون