الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن هيكل وكشك والجمل و.. طائر الشمال!

محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)

2012 / 7 / 29
مقابلات و حوارات


عشرون عاماً بالتمام والكمال مرَّت على لقاء جميل جمعني مع الأستاذ محمد حسنين هيكل في مكتبه بالقاهرة.
الساعة الواحدة ظهراً في 23 يوليو 1992 ، أي في العيد الأربعين للثورة، ورغم انشغاله الشديد فقد استقبلني لأقدم له شكري على موقفه المُشرّف من قضية رفعها ضدي محمد جلال كشك، رحمه الله، وطلب مني سكرتيره أن لا أطيل عن خمس دقائق، لكنها امتدت إلى أكثر من ساعة، فكان اللقاء الأول واليتيم.
كنت قد نشرت مقالا في ( طائر الشمال ) تحت عنوان ( قراءة في فكر ساقط) انتقدت محمد جلال كشك في نهج كتابه ( خواطر مسلم في المسألة الجنسية)، خاصة في الحديث عن اللواط.
مرّت فترة طويلة، ووقعتْ المجلة في يد الكاتب الماركسي سابقا والإسلامي بعدها. رفع كشك قضية تعويض ضدي، لكنني رفضت تسلمها من السفارة المصرية في أوسلو، وقلت لهم بأن كتاباتي تخضع لقانون النشر النرويجي فأنا عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين.
أعيد المحضر إلى القاهرة، لكن محامي جلال كشك كان ذكياً فأرسله هذه المرة إلى وزارة العدل التي بعثت به إلى نظيرتها النرويجية، فجاءني من الشرطة النرويجية بعلم الوصول، أي اضطررت إلى تسلمه على باب شقتي هنا في أوسلو.. بعد التوقيع.
غضبت لما فيه لأن نقدي لكتاب ( خواطر مسلم في المسألة الجنسية ) لم يكن سباً وقذفاً، والتعويض المطلوب من جلال كشك رغم أنه رمزي، إلا أن حُكم المحكمة سيجعله لاحقاً كاسراً للظهر فهناك في مصر يظنون أن المغترب يغرف من المال الفائض في أوروبا.
اتصلت بالأستاذ هيكل فطلب مني ارسال رسالة بالفاكس أشرح فيها جوانب الموضوع وهو سيجد حلا للقضية.
في اليوم الثالث أتصلت به فأبلغني أنني سأربح القضية دون أن أتحرك من مكاني أو أبعث بمستندات وأوراق تدعم موقفي، فقد تحدث مع الدكتور يحيي الجمل الذي وافق على أن أكون موكله!
طلبت من شقيقتي في القاهرة أن تذهب إلى مكتب المحاماة للدكتور يحيي الجمل لمعرفة نفقات المرافعة، وفعلا قمت بتسديد المبلغ المطلوب، وكان ثلاثة آلاف جنيه (عام 1988).
بعد جلستين أو ثلاث، فأنا لم أكن حاضراً، تلقيت خبر الحُكم في القضية لصالحي.
وكان لقائي الذي أشرت إليه مع الأستاذ هيكل منذ عشرين عاماً، وقدمت له الشكر، وكان الحديث مثمراً في مكتبه الأنيق وخلفية موسيقية كلاسيكية.
بدا أنه يريد أن يتعجل التعرف على ضيفه، فهذا هو اللقاء الأول ليعرف على الأقل إنْ كان سيمتد لأكثر من خمس دقائق، حددها سكرتيره، فامتدت لأكثر من ساعة دار الحديث خلالها عن مقالي، وعن كتابات جلال كشك، وجمال عبد الناصر والوضع السيء في مصر تحت حُكم مبارك.
سألته عن سبب التزامه الصمت تجاه الحملة الإعلامية ضده التي يقوم بها جلال كشك فكانت المفاجأة: الرئيس مبارك هو الذي يوحي للصحفيين والكــُـــتــّـاب بتشويه صورتي لكراهية في نفسه نحوي، لا أعرف لها سبباً! كان هذا ردّ الأستاذ محمد حسنين هيكل، ولم أشر من قريب أو بعيد في أي مقال احتراما لخصوصية اللقاء.
لغته الأنيقة كأفكاره المنظمة، ويختار مفرداته بنفسه وليست رد فعل على حديث ضيفه. توقعت أنه سينادي على السكرتير لاصطحابي بعد نهاية اللقاء، لكنه فضّل أن يُكمل الانطباع الرقيق عنه، وخرج معي، وفتح لي بنفسه باب المصعد، وودعني بحرارة.
منذ ست سنوات قابلت الدكتور يحيي الجمل في فندق شيراتون الكويت خلال أحد المؤتمرات. تقدمت منه، وعرفته بنفسي، وشكرته على دفاعه عني في قضية القذف والتشير التي اتهمني فيها جلال كشك( رحمه الله) من ثنايا مقال ( قراءة في فكر ساقط).
في اليوم التالي سألني عن سبب وضع اسمي في المترقب وصولهم، ثم طلب مني صورة لجواز السفر النرويجي وتاريخ زيارتي الأخيرة لمصر قائلا: النائب العام صديق شخصي لي، وسأعرف منه الجهة التي وضعت اسمك في القائمة السوداء.. مباحث أمن الدولة أو الأمن القومي التابع لمبارك.
أكدت له أنني كنت أسافر مصر في كل عام، ونشرت سبعة كتب على نفقتي الخاصة بترخيص من مباحث أمن الدولة في الاسكندرية ( علمت في مايو عام 2011 خلال زيارتي الأولى بعد أحد عشر عاما من الغياب القسري أن اللواء حسن عبد الرحمن قال لمدير مباحث أمن الدولة في الاسكندرية بأنني أكتب ما يدور في ذهن أي مصري مناهض للظلم، وأنه يحترمني رغم اعتراضه الظاهر على مقالاتي النارية ضد رئيس الدولة).
وأبلغت الدكتور يحيي الجمل أيضا بأن وضع اسمي في القائمة للمترقب وصولهم جاء إثر نشر مقالي ( فخامة الرئيس جمال مبارك) وهو أول مقال يــُـنـَـبـِّـه المصريين منذ أكثر من اثني عشر عاماً أن قرار توريث الحُكم تخمــَّـر في عقل مبارك.
أعطاني أرقام هواتفه، وكان وداعاً لطيفا حتى أنه طلب مني البحث عن إمكانية القائه محاضرة في جامعة أوسلو.
بعد فترة اتصلت به، وردّ بنفسه على محموله الخاص وقمت بتذكيره بي، لكنه أغلق السماعة في وجهي.
وكعادتي لا يمكن أن أسيء الظن قبل منح الآخر فرصاً عديدة لعلي أكون مخطئاً، فأعدت الاتصال على نفس الرقم، وجاءني الردّ نسائياً هذه المرة: الدكتور مريض ولا يستطيع أن يتحدث مع أحد.
الاتصال الثالث في صباح اليوم التالي: الدكتور سافر ولا نعرف موعد عودته، ولا أحد في مكتبه يعرف شيئا عن فترة غيابه.
الاتصال الرابع في المكتب بعدما قدمت نفسي، وغاب الشخص الذي ردّ عليّ، ربما ليستأذن، وعاد ليقول بأن الدكتور يحيي الجمل سافر، وترك محموله في مصر، ولا فائدة من الاتصال مرة أخرى!
انتهت الفرص كلها، واصبح حُسن الظن سذاجة، لكن علامات الاستفهام لم تبرح مكانها. ماذا قال له النائب العام عني؟ كيف تحولت المودة فجأة إلى نفور فجريمتي طوال ربع قرن كانت كراهية مقيتة للديكتاتور اللعين مبارك، وقد أتفهم خوف الصحفيين من الحديث معي، ورغبات البعض أن لا أرسل إليهم أي مقالات بقلمي لأن البريد الالكتروني مراقــَــب، أما هذا المحامي الكبير الذي كان سيسأل فقط النائب العام عن الجهة التي أمرت بوضع اسمي في القائمة السوداء لخصوم مبارك وعائلته ولصوصه، فقد تحول فجأة إلى الجانب المضاد للمودة.
أعود للقائي بالأستاذ هيكل وأكتب كلمة للتاريخ وهي ثقته اليقينية في يوليو عام 1992، أي فترة جبروت الطاغية، بأن مبارك يحمل له كراهية، وأن الطاغية هو الذي يسلط عليه زملاء وتلاميذ مهنة البحث عن المتاعب.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 28 يوليو 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة