الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل الحكومة في بناء الاقتصاد واشكالية - الهروب - الى الفيدرالية !!

عبد الزهرة العيفاري

2012 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فـشـل الحكومة في بنـاء الاقتصاد واشكالية الهروب الى " الفيدرالية " !!!
الدكـتـور عـبـد الـزهـرة الـعـيفاري
من الامور المعروفة في الحياة ، ان الاسـبـاب والنتائج أمـــران متلازمان دائماً . فعـندما تـفـشل الحكومة في بناء الاقتصاد الوطني فهي تتلقى بالضرورة الفشل في توفير الخدمات للمواطنين . اما هذه النتيجة الاخيرة ، اي عدم توفير الخدمات ، فهي كارثة اخطبوطية ولها انتشار رهيب بحيث يسبب التعب والعناء للسكان والارتباك للحكومة ثــم الفساد والتخلف للبلاد ! .
فـغياب الكهرباء في ظروف هذا الحــر اللاهب ، مثلاً ، يجعل النـاس وكأنهم من سكنة جهنم ( والعياذ بالله ) . ولكن واقع فقدان الكهرباء ، في الوقت نفسه ، يعني تـوقف الصناعة يصورة كاملة ، وبقدر معين ، تفقد الزراعة وعمليات الري عوامل التطور في القطاع الزراعي . ومن الواضح لكل من هب ودب ان البلاد التي تعاني من فقدان التيار الكهربائي فانها ستواجه ايضا اعظـم الكوارث في ميادين الصحة والتعليم والاسواق الـتـجـا ريــة وباقي الاشياء التي ترتبط بحياة الشعب وتتواجد على الارض العراقية . ولـهـذا قام اعـداء العراق وايتام الدكتاتورية الصدامية ( وهذه وجهة نظرنا الشخصية ) استعمال هذا السلاح البتار بالذات ضد تقدم العراق بعد السقوط وهو حرماننا ، بأية طريقة كانت ، من صناعة الكهرباء واستخدامها والتمتع بها وتطوير اقتصادنا !! ونعتقد ان هذا التخـريب كان شكلاً من اشكال الثأر البعثي ـــ التكفيري ضد العراق . حيث قرر الاعداء "استيفاءه" من بلادنا بعد التحرير من البعث . بينما حكومتنا والكيانات السياسية الـمـقـا بـلـة لها فهم مشغولون ( بالـعــركة ) على الكراسي والـمـنافع الشخصية ... خارج المصلحة الوطنية ، وهو دليل قاطع على عدم الخبرة لدى القائمين على ادارة دفــة الحكم من جهة وامتناعهم عن استخدام الخبرة العلمية لدى اصحاب الكفاءات من جهة اخرى . وفوق كل هذا تركوا داخل صفوفهم من يسبب الارتباك للسلطة الحاكمة بين فترة واخرى خدمة لاجندة خارجية !!! دون ان يمسهم احد . وربما يتم هذا بسبب ارتباط اولئك وهولاء بذات الجهة الخارجية !!! (؟).
وكردة فعل لغياب الخدمات ، كثرت في الاشهر الاخيرة مطالبة بعض المحافظات بالانعزال بنفسها حسب الادارة الفيدرالية ، على اعتبار ان هذا النوع من الادارة قد اقره الدستور وربما هـوطريق الخلاص من متاعب التهميش لمحافظاتهم . وهنا ينبغي التنويه على شيء هام للحقيقة والانصاف ، انه حسب التأكيدات التي تجري على لسان المطالبين بهذا النظام انه لايعني الانفصال عن الوطن لا من بعيد ولا من قريب ـــ وهذه شيمة عراقية اصيلة . فالعراق هو الوطن الغالي للجميع . اما دوافع العجالة في تبني النظام الفيدرالي فهي تـنبع من اسباب جوهرية تتعلق بتقصير الحكومة في توفير الخدمات و رفـع مستوى معيشة السكان والتأخر في بناء واعمــار المحافظات وانقاذها من التخلف ثــم بسبب الاخفاق في حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية التي تتطلبها مصلحة الوطن عموما وهي تلك التي تأتي دائماً على لسان كافة ابناء الشعب عنـد شكاواهم اليومية . فالعجالة في اختيار الفيدرالية ، سواء بالنسبة الى البصرة او الانبار اوصلاح الدين ( مثلاً) ، وفقا لكل الدلائل ، هي بمثابة الهروب من الواقع المأساوي الذي هــم فيه والذي طال عمره !!! وسعيا منها لتطوير حياة جماهير تلك المحافظات . وكأن الهروب الى الفيدرالية هو الحل ! في حين ان المحافظات وقياداتها هي من نفس النسيج العام وهـي غير جاهزة لمثل هذا النوع الجديد من الادارة . وبعبارة اخرى ان اجهزة المحافظة لا تستطيع عمل شيء مـــا لسكانها بقواها الخاصة !!بمجرد انها اتخذت لنفسها اسم الفيدرالية . فهذه امامنا فيدرالية الاقليم ، التي تعطينا صورة للفيدرالية التي جرى تـأسـيسـها بعجالة . فهل علاقة الاقليم بالعراق ــ الوطن الام ــ هي علاقة حضارية ؟ هل ان سياسة فيدرالية الاقليم تهدف الى تقوية العراق ؟؟ انها اصبحت سببا لخبط المياه واحداث الفرقة بين ابناء الشعب العراقي وتهديدا لوحدته . مع ان الشعب الكردي غير مذنب بهذا الارتباك . المأساة ان مفاهيم الفيدرالية اختلطت بالتعصب القومي لدى بعض المتشددين فاخذوا يضعون لانفسهم مشاريع من وراء ارادة الشعب هناك !!! .
نـعــم ...يجب الاعتراف بانه من المشاكل الكبرى التي تنهك المواطنين في كافة المحافظات كذلك ان الدوائر الرسمية فيها محددة بالروتين وان القوانين السائدة اما موروثة من عهد الدكتاتورية او انها لا تتماشى مع العصر . وفوق هذا وذاك ان المحافظات ذاتها تواجه الاهمال من جانب الوزارات في اغلب الحالات . وبالتالي لم تستطع الدوائر المسؤولـة تنفيذ برامجها حتى المرسومة منها وما يجب انجازه خدمةً للتنمية والبناء . ولذا فلا عجب ان يحتج و يعتصم ابناء المحافظات التي تعجز عن انجاز طموحاتها الرامية الى تحسين مستوى حياة جماهيرها ولذا فهي تبدأ تفتش عن مهرب من الواقع الـمــر !! حتى رأوا هذا المهرب في شخص الفيدرالية على امل بان النظام المذكور سوف يفك اسرهم ويخفف معاناتهـم خلال ادارتهم لشئون محافظاتهم . اذن ما دفعهم الى هذا المهرب هي الحكومة الفاشلة في ادارة شئون الدولة .
اما بخصوص النظام الفيدرالي ـــ فلا يصح ان يختلف اثـنـان بخصوص الجوهر التقدمي له او بالنسبة لاتخاذه كشكل من اشكال التنظيم الحكومي . ولكن الامـــر وما فيه ان هذا النظام له ظروفه وشروطه وله ضروراته وحتى وقت انشائه . واذا ما حـلـت الضرورة فـيصبح اقرار تأسيس الفيدرالية شيء واجب التنفيذ ولا يجوز الامتناع عنه ، ولكن في ضوء ما تقدم حصراً . ان هذا النظام يتطلب نشـاطات ادارية وايديولوجية ومعرفية لدى كوادر ومسؤولي الدوائر الرسمية ذات العلاقة لغرض تأمين سلامة تنفيذ البرامج الخاصة بالمحافظة الفيـدرالية ، وقبل كل شيء " ينبغي ان يبنى هذا النظام تحت سقف من التخطيط الاقتصادي الشامل ــ المركزي والمقـترن بنشاط علمي مبدع واسـع النطاق من قبل الدوائر الرسمية ذاتها مع استعمال الضبط اثناء تنفيذ ذلك التخطيط المـركزي على الارض ". وهذا الشرط يتطلبه ليس فقط النظام الفيدرالي بل وحتى اي تخطيط يخص الاقتصاد الوطني .
اما التسرع في تأسيس الفيدراليات يدفعنا الى اعلان الحذر كل الحذر من انعزال المحافظات "الفيدرالية " عن بعضها او انعزالها مجتمعة عن الـمـركـز . ان ارتباط المحافظات في مجالات التخطيط الاقتصادي والاجتماعي يعتبر واجبا اداريا وذلك لضمان تسلسل الاولويات في المشاريع والتنسيق بينها في اطار المجموع الكلي لكافة المحافظات العراقية بما فيها محافظات الاقليم . ان هذا مبدأ تفرضه ضرورة التكامل الانتاجي و تقسيم العمل والتعاون المشترك بينها .
هذا واننا نعيش بين دول العالم وليس في جزيرة مجهولة الجغرافية والتاريخ . فقبل كل شيء ان الافكار الفيدرالية وتطبيقاتها نشأت بـدايـة لتوحيد دول كانت غير مترابطة الاجزاء . وتحققت عمليات الوحدة ربما على اساس قومي او حسب اللغة اوالموقع الجغرافي المشترك او لاغراض سياسية او دفاعية ...الخ وامــا لاعتبارات اخرى . ولم يذكر التاريخ ان دولة واحدة موحدة اصلاً ومؤلفة من شعب واحد (ولوكانت ذات قوميات وطوائف دينية متعددة ) ثم بعد ذلك تفرقت الى فيـدراليات . اللهم الا اذا حدث التفرق تحت ظروف حربية اوسياسية قاهرة . المبدأ العام هوالتوحـد بين الامم والمناطق الجغرافية المتجاورة وبنفس الوقت ذات نسب و قرابة وطنيـة او تقليدية موروثة من الزمن الكولونيالي . ففي ذلك قوة للبلاد . وقد قدم لنا الاتحاد السوفياتي مثالاً عمليا على وحدة جمهورياته الخمس عشرة . تلك التي كانت تحت الـنـفـوذ القيصري . اما جمهورية روسيا الاتحادية فـتـظـم حتى الان عدداً من الجمهوريات و المناطق الفيدرالية . والامثال الاخرى كثيرة نجدها في اميركا وفـرنسا وسويسرا وكندا ودول اوربية عديدة . ونتمنى ان يكون العراق فيدراليا متطورا عند اكتمال الشروط الموجبة . ويجب ان نعيد الى الذاكرة هنا ان ( غرباتشوف ) عندما قام بتنفيذ برنامجه التخريبي الرامي الى اسقاط دولته بدأ بجملة اجراءات مشبوهة ومنها ان ادعى انه يريد ان يعطي للشعوب السوفيتية " اشتراكية " اكثر و" ديمقراطية " اكثر ولذا قرر تفكيك الجمهوريات والمناطق الفيدرالية وعزلها عن بعضها . وهكذا تم اسقاط اكبر دولة في العالم . هذا هو الالتفاف على جوهر شعار " تقرير المصير " حسب الطريقة الصهيونية المستمدة من اراء اولئك السياسيين المشبوهين الساكنين حينذاك في المهجر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر . وهكذا ان الالتفاف على شعار " حق " تقرير المصير يراد منه تخريب الوطن لمصلحة خارجية على الاغلب .
اذن التحول الى النظام الفيدرالي في ظروف كالتي عليها العراق اليـوم ليس بالبساطة التي يتصورها بعض السياسيين . واذا اخذنا بنظر الاعتبار الاراء التي نسمعها بخصوص النظام المذكور وكأن المشاكل القائمة امام المحافظات هي فقط هذا التهميش المفروض من قبل المركز !! وان المبالغ المخصصة لهذه المحافظة او تلك قليلة ولا تكفي لسد حاجاتها او ان الوزارة الفلانية لم تطلق المبالغ المقررة... الخ من الصور التي لا تدل على التنظيم الاداري المطلوب فلا يجوز اعتبار تحقيق طموحاتها سـيتم عند الهروب الى نظام يريد انصاره مقدما ً عزله عن التخطيط المركزي ، بل يجب النضال السياسي من اجل اجبار الحكومة على التقيد بالادارة الحازمة بكل الوسائل المتاحة وطنياً !! .
وهنا ، نرى بالعين المجردة ان الشيء الضائع هي الحلقة المركزية في ادارة الاقتصاد . الحلقة التي ينبغي ان تكون نصب عين الدولة ومجلس الوزراء بالذات !!. هو التخطيط الافتصادي المركزي وتنسيق بنوده مع قيادات المحافظات واعـتـبـار ذلك من مسؤوليات وزارة التخطيط حصراً ، باعتبارها المسؤولة عن رسم المشاريع ( صغيرها وكبيرها بالاشتراك مع الاجهزة المعنية في المحافظات ) وبعد التنسيـق النهائي مع وزارة المالية والبنك المركزي . حيث تحدد التخصيصات الكلية والسنوية وايداع المبالغ في البنك رسميا للمحافظات . ثم اعتبار الخطة الاقتصادية هذه قانونا تحت المسؤولية المباشـرة لمجلس الوزراء ولا يجوز خرقه . واية حالة طارئة قد تؤدي الى ( انحراف ) الخطة ينبغي النظر فيها رسمياً وتحديد الجهات المسؤولة عن ذلك . وفي نهاية كل سنة مالية .تقدم المحافظات ( وحـكـومة الاقليـم ) كشفاً حسابيا ً للمركز عند استلام الخطة الجديدة .
ولنا عودة لاكـمـال هذا الموضوع
الدكتور عبد الزهرة العيفاري موسكو 29/7/2012



.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة