الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بأية حال عدت يا رمضان!

إكرام يوسف

2012 / 7 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لا أعتقد أن بشرًا سويًا يستطيع متابعة هذا الكم، غير الإنساني، من المسلسلات والبرامج التليفزيونية. ولا أظن ضيق الوقت سبب وحيدًا وراء إحجام الكثيرين عن الجلوس أمام الشاشة، في هذا الشهر الكريم، مثلما كان الأمر عندما كانت مائدة التليفزيون الرمضانية لاتزيد عن مسلسلين إلى جانب الفوازير وبرنامج أو اثنين للتسلية. وأغلب الظن، أنني ـ وغيري ـ أصبنا بشعور الصائم، عندما يجد نفسه أمام مائدة مكتظة بالطعام على نحو مبالغ فيه، فيشعر بالشبع وتزهد نفسه الأكل.
ولما كنت ممن لا يتهيبون إرهاب النخبة، ولا يقرون بأن الشك في وجود مؤامرة يخرج صاحبه من الملة، أو يتعارض مع الآداب العامة؛ فلا يحمر وجهي خجلا عندما أشير إلى دلائل مؤامرة على وعي المصريين. وتذكرت ما كنا ندرسه أيام الجامعة ـ في مادة الرأي العام والإعلام ـ عن سبل تغيير الوعي الجماهيري، ودفع الجمهور إلى تقبل، بل وتبني أفكار وسلوكيات جديدة على المجتمع، ربما كانت مرفوضة في السابق.
ومن بين وسائل تغيير الوعي الجمعي تدريجيًا إزاء فكرة مرفوضة: الإلحاح على بثها في وسائل الإعلام، مع التظاهر في بداية الأمر بعدم تقبلها. يتبع ذلك طرحها ـ بصورة تبدو عابرة ـ ضمن سياق فني أو إعلامي، مع اتخاذ موقف محايد منها. وبمرور الوقت، تستقر لدى الجميع صورة ذهنية تتعامل معها باعتبارها أمرا غير جيد، ولكن وجوده طبيعيًا، ولا مفر من التسليم به. ثم يقل تدريجيا استهجان الفكرة أو السلوك، مع طرحهما ضمن سياق كوميدي يدعو للضحك والاستخفاف، ويرتبط بالمتعة. وشيئا فشيئا يصبح الذهن الجمعي مهيأ لتقبل الفكرة وتبينها أيضًا.
تذكرت ذ لك، وأنا أشهد هذا العام عدة مسلسلات تلح على فكرة تعدد الزوجات، بأكثر من صورة. والملاحظ، أن القاسم المشترك بين هذه المسلسلات، وجود كوكبة من أحب الفنانين إلى قلوب الناس، وأكثرهم تأثيرا على عقولهم. وفي السابق، كانت المسلسلات المصرية ، متسقة مع ما في نفوس المصريين من استهجان زواج الرجل مرة ثانية على زوجته، واعتباره مفتريا وزئر نساء تحركه شهواته! كما كانت الزوجة الأولى تحظى ـ غالبا ـ بتعاطف الجميع، الذين يعتبرون الزوجة الثانية "خطافة رجالة"! وغالبا ما كان ينظر إلى الزواج الثاني على أنه "غلطة" يجب إخفاؤها، تكلف الزوج الكثير من المال والجهد العصبي إلى أن تنكشف الحقيقة في نهاية المسلسل، فيعترف بخطئه ويتوب عنه!
ثم بدأت قصص الزواج الثاني تأخذ منحى جديدًا، يدفع المشاهد إلى التعاطف مع زوج يعاني الأمرين مع الزوجة الأولى، إلى أن تصادفه إنسانة محبة حنون، كاملة الأوصاف تقريًبا، ليجد نفسه دون إرادة منه ومنها يقع في حب لا فكاك منه، ويتعاطف المشاهد هذه المرة مع البطل وحبيبته الجديدة!
ثم جاء مسلسل "الحاج متولي" ليطرح فكرة تعدد الزوجات، في صورة كوميدية لطيفة، دفعتنا إلى التعلق بالممثل وأبطاله وحلقاته المليئة بالمتعة والإثارة. وإذا بنا نسلم أذهاننا للفكرة تتسلل إليها بهدوء. ويستمر الإلحاح على الفكرة، مع إظهار صورة الزوج الطيب الذي يعدل بين زوجاته اللاتي تربطهن علاقة صداقة وتكافل، وكل منهن تحيا حياة رغدة تسيل لعاب فتيات كثيرات يتطلعن إلى من ينتشلهن من شظف العيش وحياة البؤس، وتتطلع أسرهن إلى التخلص من أعباء البنات وسترهن.
فهل من قبيل الصدفة أن يعتمد تمويل معظم المسلسلات المصرية، وأرباح منتجيها على رؤوس أموال قادمة من مجتمعات شقيقة ثرية، تعتبر تعدد الزوجات أمرا من صميم ثقافتها؟ وهل من قبيل الصدفة أن هذه المجتمعات بالذات تضع نصب عينيها، استخدام ثرواتها لفرض ثقافاتها وعاداتها على المصريين، والقضاء على الريادة الثقافية المصرية؛ التميز الوحيد الذي احتفظ به المصريون بعد تراجع أوضاعهم الاقتصادية ومكانتهم السياسية في عهد المخلوع؟ ومع الجهود المتواصلة لفرض ثقافة الأحادية الفكرية، وإلغاء الموروث الثقافي المصري ـ المتقبل للاختلاف الفكري والعقائدي، ضمن تعددية ثقافية ظلت سمة أساسية للشخصية المصرية عبر القرون ـ صار فرض ثقافة تعدد الزوجات هدفا أوليًا، في مجتمع يعاني فيه الشاب العادي الأمرين في سبيل الزواج من واحدة. ويواكب ذلك، الإلحاح إعلاميا ومجتمعيا على خيال الفتيات وأسرهن بمظاهر البذخ ورغد العيش التي ينعم بها من يقبلن الزواج من ثري، لديه بالفعل أكثر من زوجة. وهو ما يثير شكوكًا حول الهدف من طرح الفكرة التي لن يستفيد منها إلا الأثرياء ـ العرب والمصريين ـ الراغبين في المتعة على حساب شباب البلد المكافح وفتياته الفقيرات.
وبعيدا عن الجدل الفقهي والديني، حمال الأوجه، عن إحياء السنة النبوية الشريفة، والشروط اللازمة لتعدد الزوجات، ألا يبدو ملفتا للنظر أن أصحاب هذا الفكر لا يجدون وسيلة لبدء إحياء السنة النبوية الشريفة، سوى تعدد الزوجات؟
ويلفت النظر أيضا ـ في سياق التغيير الثقافي المفروض ـ تفشي ظاهرة إقحام ممثلين من دول شقيقة في المسلسلات المصرية مع الإصرار على تحدثهم بلهجات بلادهم، على نحو صارت المبالغة فيه تثير تساؤلات مشروعة. ولا يجادل أحد في وجوب التعاون الثقافي والفني بين الدول العربية الشقيقة، فهو إثراء للفن في بلادنا، بدأ منذ أكثر من مائة عام مع بداية السينما المصرية. كما أنه من الإجحاف، إنكار فضل عدد من النجوم والنجمات العرب على الحياة الفنية في مصر. إلا أن الظاهرة باتت مبالغا فيها، مع انتشار هذا العدد الكبير من الفنانين الأشقاء، على حساب فنانين مصريين أكثر كفاءة وموهبة. ويتردد أيضا أن أقحام هؤلاء الممثلين العرب على المسلسلات المصرية ـ وبعضهم لا يمثل تميزًا في مجاله ـ إذعان لرغبة أصحاب رؤوس الأموال والموزعين الخليجيين، الذين باتوا يشترطون أن ينطق الممثل الضيف بلهجته الأصلية ـ بعدما كانوا يتحدثون جميعا اللهجة المصرية في المسلسلات ـ إمعانا في سحب البساط من لهجة المصريين. وليس بعيدا عن ذلك انتشار المسلسلات التركية المدبلجة بلهجة شامية، أخذت مفرداتها تتداول على ألسنة جمهور من المصريين على سبيل التندر أولا، وشيئا فشيئا سوف تتسلل إلى مفردات لهجتهم لتستقر. وأنا هنا لا أتحدث من منطلق شوفيني؛ فربما يكون ذوبان اللهجات العربية في بعضها البعض أمرا طيبا، يتطور إلى توحيدها في لهجة واحدة تساعد أكثر على تقارب الشعوب. وربما كنت لأؤيد هذا النهج لو تم بشكل معلن وفي شفافية ومصارحة بالدور الذي يقوم به رأس المال العربي؛ بدلا من حالة التسلل والتوغل المثيرة للشكوك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البركة في الاسلمة
محمد بن عبد الله ( 2012 / 7 / 29 - 16:10 )
بدلا من اللف والدوران لماذا لا نعلنها صراحة: تعدد الزوجات عاد مرتبطا باعادة فتح مصر (كما قيل ) على يد الاخوان ونشر الاخلاق والعادات الاسلامية وعقيدة الولاء والبراء التي تدعو لمخالفة غير المسلمين والتركيز على كل ما يميز الاسلام...4 زوجات...ملكات اليمين...الحجاب ثم النقاب ...الصرافة الاسلامية

هيا كدة بالعند في غير المسلمين...إن أقرت الوثيقة العالمية لحقوق الانسان اطلاق حرية العقيدة نقدم حد الردة وللداعين إلى المحبة بين البشر نصدّر الكره في الله

هذه المفاهيم لم اخترعها أنا أو كافر غيري بل هي من مبادئ وأصول الشريعة المستقاة من كتاب العزيز الحكيم واجمع عليها علماء افنوا اعمارهم في دراسته (أقول هذه لألا ندخل في هذه اللعبة السخيفة البايخة قوي: هذا ليس من الاسلام الصحيح)

لنقلها صراحة بدون لف ودوران وتفسير وتبرير: الاسلام لم يعد يصلح للحياة السليمة في عصرنا هذا..نقطة على السطر


2 - شهر الشذوذ
محمد البدري ( 2012 / 7 / 29 - 16:12 )
لا اعرف حقيقة من الذي اطلق هذا الوصف المضلل علي شهر رمضان مضللا البشر بانه شهر كريم. فأي كرم في زيادة الشرة الاستهلاكي والضعف الانتاجي؟ أي كرم والبشر في حالة اعياء جراء الجوع والعطش ونجدهم مختبئين عن الحياة العامة للتحلق حول موائد طعام وشراب وكانهم لم يتذوقوا طعاما لعقود طويلة؟ أي كرم ولا نجد في سلوكهم العام سوي محاولات دائمة للسكون لعدم بذل طاقة او جهد يؤجج من الحالة الفسيولوجية المنهكة من اثر العطش والجوع؟ انه شهر يمتلأ بالشذوذ عن القواعد العامة التي تجعل البشر اسوياء.


3 - شهر الشذوذ 2
محمد البدري ( 2012 / 7 / 29 - 16:22 )
ولان الشذوذ هو القاعدة العامة المسكوت عنها والمتفق عليها ضمنا فان كل المظاهر الاخري تتبع نفس القاعدة من مسلسلات تليفزيونية غزيرة كلها تشذ ايضا عما يقال انه شهر تقوي؟ فلا التقوي حاضرة طوال اليوم وعلي مدي الشهر ولا التقوي يجري بثها عبر الاعلان والفن والمسلسلات. لكن الكذبة الاكبر التي عندما يياس المشايخ ومروجي الخرافة من اقناع البشر بالتقوي تكمن في القول بان الصوم يشعر الغني بان هناك فقير جوعان. اليست هذه نكتة سخيفة؟ فكم 1400 رمضان عليهم ان يمروا علي هذه الشعوب المضللة بالدين حتي يختفي الفقر منها؟ هناك مجتمعات لا تروج للتقوي الكاذبة أو الكرم الزائف ولا يوجد للدين فيها من اثر يذكر ونجد الفقر انحسر فيها الي ادني مستوياته والطبقية فيها والفارق بين الغني والفقير فيها ردمت بها فجوات تعتبر عورة حضارية بها بينما نحن ندعي بالكذب والتضليل أن رزقنا في السماء وما توعدون. فهل الثقافة العربية الاسلامية هي ضد الانسانية والتحضر


4 - السعوديه وخراب مصر
على سالم ( 2012 / 7 / 29 - 21:24 )
لاشك ان مصر المنكوبه الجعانه المتسوله لاتملك من امر نفسها شئ ,انه العصر الذهبى للمجرمه السعوديه وهى الان تحتل مصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا بسبب الجاز الهباب والريالات ,الواضح جدا ان مملكه الفجور تريد ان تجعل مصر بيت دعاره حلال ,وممارسه الجنس مع القاصرات وبعد ذلك القاؤهم فى الشارع لكى يحترفوا البغاء ,لقد تم بيع مصر للسعوديه على ايدى المجرم والافاق والخائن مبارك القبيح ,لقد مكن هذا اللقيط امراء السعوديه من مصر وباعها وتسلم المبلغ وهو مودع الان فى بنوك اوربا


5 - تعدد الزوجات قد يكون ضرورة
عبد الله اغونان ( 2012 / 7 / 30 - 17:16 )
اعتذر لك سيدتي
فانت امراةقد لاتتقبلين تعدد الزوجات لكني اخاطب فيك الفكر والمنطق البعيدين عن الذكورة والانوثة
الدين اباح التعدد عند الضرورة ونص على امرأةواحدة عند الخوف من عدم العدل او القدرة على النفقة
لكن الواقع الشخصي والعاطفي والجنسي بل والمادي يتدخل دائما باعتبارات تجعل التعدد مطلوباالمرأة الثانية ليس ضد التعدد امهات واخوات بل بنات يرين احيانا ان المخرج هو التعدد وهو احسن من الطلاق
في الاحصاء السكاني اخبرنا مكلفون ان عدد العانسات كثير
هناك زوجات يرفضن التعدد لكن يسمحن للرجل بالفساد مع الاسف
ازمة الزواج استفحلت ولعل التعدد المضبوط احد الحلول

اخر الافلام

.. متداول.. أجزاء من الرصيف الأميركي العائم تصل شاطئا في تل أبي


.. قطاع الطاقة الأوكراني.. هدف بديل تسعى روسيا لتكثيف استهدافه




.. أجزاء من الرصيف الأمريكي الذي نُصب قبالة غزة تظهر على شاطئ ت


.. حاملة طائرات أمريكية تصل إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في تدري




.. طلاب فرنسيون يحتجون من أجل غزة بمتحف اللوفر في فرنسا