الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارهاصات النقد الأدبى الاجتماعى

ابراهيم حجاج

2012 / 7 / 29
الادب والفن


قسم الدراسات المسرحية بكلية الآداب جامعة الاسكندرية

إن العلاقة بين الأدب والحياة علاقة عضوية متبادلة تأثيرًا وتأثرًا مثل العلاقة بين العلم والحياة، وإذا كان العلم يغير أنماط الحياة على كل المستويات، فإن الأدب يقوم بنفس المهمة لأنه يؤثر فى وجدان الناس ويغير من نظرتهم إلى الحياة، وبالتالى سلوكهم فيها
ولا يمكن الفصل بين الفن والحياة؛ إذ أننا لو قمنا بهذه المهمة، فسنفصل الروح عن الجسد، ومن ثم تصير الروح شيئًا مجردًا لا نستطيع إدراكه واستيعابه، ويتحول الجسد إلى جثة هامدة لا حراك فيها
فالفن يتيح للإنسان إمكان تأمل واقعه ومصيره، وإلقاء نظرة نقدية على عيوبه وتناقضاته، فى محاولة لتغييره والوصول به إلى درجة من المثالية، ولهذا لم يكن الفن عامة والأدب خاصة بمعزل عن المجتمع.
ويمكن تتبع البدايات الأولى لفكرة العلاقة بين الأدب والمجتمع من المنظور الاجتماعى عند كل من "ابن خلدون"، و "فيكو" و"دو ستايل"، و"هيبوليت تين" على النحو الآتى:
1- ابن خلدون (1332 -1406م):
يربط "ابن خلدون" بين الأدب، والمجتمع، فيقول فى مقدمته فى الفصل المعنون "فى التعاون بين مراتب السيف والقلم فى الدول "أعلم أن السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة يستعين بها على أمره، إلا أنه الحاجة فى أول الدولة إلى السيف ما دام أهلها فى تمهيد أمرهم – أشد من الحاجة إلى القلم، لأن القلم فى هذه الحالة خادم فقط، منفذ للحكم السلطانى والسيف شريك فى المعونة، وكذلك فى آخر الدولة، حيث تضعف عصبيتها، ويقل أهلها بما ينالهم من الهرم، فيكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاهًا أو أكثر نعمة، وأسنى إقطاعًا، وأما فى وسط الدولة، فيستغنى صاحبها بعض الشئ عن السيف، لأنه قد تمهد أمره، ولم يبق همه إلا فى تحصيل ثمرات الملك من الجباية والضبط ومباهاة الدول، وتنفيذ الأحكام، والقلم هو المعين له فى ذلك، فتعظم الحاجة إلى تصريفه، فيكون أرباب القلم فى هذه الحالة أوسع جاهاً وأعلى مرتبة، وأعظم ثروة ونعمة، وأقرب من السلطان مجلسًا وأكثر إليه ترددًا.
ويعلق "صبرى حافظ"على المقتطف السابق بقوله: "إن "إبن خلدون" _ وهو عالم اجتماع ذو بصيرة نافذة وعقلية علمية منظمة _ يرى أن الأدب جزء من المؤسسة الاجتماعية والسياسية الشاملة، يزدهر بازدهارها، وينحط إلى مرتبة ثانوية عندما ينتابها الهرم، أو لاتتكامل لها مقومات التبلور والرسوخ".
ويرى الباحث أن "ابن خلدون" قد تطرق إلى علاقة الأدب بالمجتمع من خلال نظرة ضيقة أحادية الجانب تمثلت فى علاقة الأدب بالسلطة، أو بمعنى أدق بالحاكم، وهى علاقة وظيفية نفعية أكثر منها علاقة انعكاس تربط الأدب بالواقع الاجتماعى وتبحث فى مدى تأثر الأديب بمشاكل مجتمعه وقضاياه.
كما يخالف الباحث الرأى القائل بأن (الأدب يزدهر بازدهار الدولة وينحط بانحطاطها)، والدليل على ذلك أن كثيرًا من الفترات التاريخية، التى كانت تعانى فيها المجتمعات من تفكك سياسى، وتدهور اقتصادى، وترد اجتماعى شهدت ازدهارًا وتوهجًا أدبيًا وفنيًا، ولعل ذلك يتضح إذا ضربنا مثلا من تاريخنا العربى، "فالعصر العباسى الثانى الذى كان نموذجًا لتفكك الدولة، وانتقال مركزية السلطة من العرب إلى الأعاجم، ونشوء الدويلات وتفسخ المجتمع، كل تلك الظواهر السلبية هى التى اقترنت- على وجه التحديد- بنشوء كوكبة من كبار شعراء العربية وهم الذين يمثلون ذروة الإبداع الشعرى فى الثقافة العربية. وقد قدم "ماركس" تفسيرًا لهذه العلاقة العكسية، حيث رأى "أن العلاقة بين الأبنية الاجتماعية من ناحية والأبنية الثقافية والابداعية من ناحية أخرى ليست علاقة مباشرة وفورية، ولكنها تسفر عن نتائجها بإيقاع بطىء بمعنى أنه يمكن أن يكون هناك مظاهر لقوة الدولة، ويكون الأدب فى موقف ضعيف لأنه لم يستوعب بعض هذه المظاهر وعندما يبدأ فى استيعابها وتفاعله الداخلى للابتكار والابداع، يمكن أن تكون الدواعى التى أدت إلى ازدهار الدولة قد زالت أى أن العلاقة بين ازدهار الأدب وازدهار المؤسسات الاجتماعية والسياسية يتطلب فترات تأثير طويلة المدى، وبطيئة الايقاع.
ومع ذلك يمكن اعتبار مقولة "ابن خلدون" من ارهاصات النقد الاجتماعى، الذى يربط الأدب بالمجتمع، فى إطار العلاقة بين مكانة الأدب وقيمته من ناحية، ومراحل التطور السياسى للمجتمع من ناحية أخرى.
2- جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico (1668 -1774)
إذا كانت العلاقة بين الأدب والمجتمع قديمة قدم وعى الإنسان بأنه يبدع فنًا، فإن أقدم تناول مباشر حاول رسم بناء نظرى وفلسفى لهذه العلاقة يعود إلى المفكر الإيطالى "فيكو" فى كتابه "مبادئ العلم الجديد" (1725) الذى تضمن نظريته الفلسفية والحضارية المعروفة بنظرية الدورة التاريخية.
لقد حاول "فيكو" أن يبين العلاقة القائمة بين الإنتاج الأدبى والنسق الإجتماعى الذى يفرزه، مؤكدًا على أن كثيرًا من الأنواع الأدبية، ما كانت لتظهر لولا السياقات والشروط الاجتماعية المرتبطة بها، "فالملاحم بالنسبة إليه ارتبطت بالمجتمعات العشائرية، فى حين نجد أن الدراما قد نشأت مع ظهور المدينة – الدولة – حيث يمكن أن يتجمع جمهور من المشاهدين، لذلك كان فى كل المدن الإغريقية مسارح، فى حين ولدت الرواية مع ظهور المطبعة والورق الزهيد الثمن، وانتشار التعليم وغير ذلك من الظواهر المشابهة.
إن فكرة التناظر بين الأجناس الأدبية وأنماط العلاقات الاجتماعية السائدة لدى "فيكو" تنبع من رؤيته الواضحة لدور الإنسان فى خلق عالمه الاجتماعى وعلاقاته ومؤسساته ومن ثم فنونه الإبداعية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطبيعة الواقع الاجتماعى.
3- مدام دو ستايل Madam de Stael (1766- 1817):
قدمت مدام دى ستيل فى كتابها المشهور "عن ألمانيا" (1810) صورة جديدة مختلفة عن فكرتى "ابن خلدون" و "فيكو"، "عندما تناولت الفارق الجوهرى بين الشخصية الفرنسية بالصياغات اللامعة الرشيقة، والشخصية الألمانية المقدسة للعقلانية المهتمة بالموضوع ولو على حساب الشكل أو الصياغة، وناقشت مدى انعكاس هذه الفروق الشخصية على الأدب وعلاقة ذلك كله بالمناخ الجغرافى والإجتماعى.
فبعد أن كان عنصر الزمن أو المرحلة الحضارية العنصر المتغير لدى سلفيها، ثبتت هى عامل الزمن، وغيرت العامل الإجتماعى ، ومن هنا تناولت متغيرًا واحدًا بدلاً من متغيرين: الزمن والواقع الاجتماعى لدى سلفيها، وأبرزت تأثير هذا التغير على الأدب مما جعل لعملها أهمية كبيرة فى مجال استقصاء العلاقة بين الأدب والمجتمع.
"وجدير بالذكر أن مدام "دو ستايل" قد أضافت فى ثنايا حديثها عن العلاقة بين الأدب والمجتمع، مدى تأثير الدين والعلاقات والتقاليد، والقانون، فضلاً عن التأثيرات السياسية والاجتماعية على شكل ومضمون الأدب.


4- هيبوليت تين Hippolyte Taine (1828 - 1893):
لا شك فى أن أول معالجة حقيقية للعلاقة بين الأدب والمجتمع ترجع إلى الفيلسوف الفرنسى "تين"، إذ وسع آفاق الأفكار التى طرحت قبله فى هذا الميدان، مضيفًا إلى بعدى العصر والواقع الاجتماعى بعدًا جديدًا هو الجنس أو العرق، مكونًا بذلك ثالوثه المعروف بالبيئة والجنس واللحظة التاريخية.
"وقد بين "تين" أن هذه العناصر الثلاثة تسهم بدور كبير فى تشكيل الموهبة عند الأديب، ويعنى "الجنس" عند "تين" مجموعة العناصر الوراثية مضافًا إليها المزاج الإنفعالى والتفاعل المتبادل بين السمات الفيزيقية والنفسية، فضلاً عن الدوافع والرغبات الدفينة التى تلعب دورًا مهمًا فى صياغة الفعل الإنسانى وتطويره، وفيما يخص "البيئة" فإنها تشمل عنده كلاً من المناخ الجغرافى، والاجتماعى على السواء، أما مفهوم ه"الزمن" فيشمل كل ما نعرفه بروح العصر التى يصوغها الفعل الإنسانى والتراث، كما تعيها وتمارسها هذه اللحظة التاريخية.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر