الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنشطة الاقتصادية ليهود العراق

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2012 / 7 / 30
الادارة و الاقتصاد



لم تعد أنشطة يهود العراق الاقتصادية مقصورة على المجالات التقليدية بدءاً من القرن التاسع عشر, فقد عمل اليهود في مجالات كثيرة منها المهن اليدوية والصرافة وإنتاج الصابون والزيوت والحلويات والنبيذ والتجارة , فقد شهدت هذه الفترة ازدياد معدل هجرة اليهود إلى خارج العراق وخاصة إلى بلدان الشرق الأقصى التي عملوا فيها في مجال التجارة الداخلية والخارجية , من هذا فقد سيطر يهود بغداد بشكل مطلق على حركة التجارة مع الهند , كان لسياسة التنظيمات التي انتهجتها السلطة العثمانية تجاه غير المسلمين فأتاحت هذه السياسة لهم فرصة استغلال حالة الازدهار الاقتصادي بالعراق , وأتاح حرص اليهود على تعلم اللغات الأجنبية مثل ( التركية والفرنسية والانكليزية) من خلال مدارس الأليانس فرصة التوسع في أنشطتهم التجارية وتولي بعض المناصب القيادية في الدولة.
إن اشتغال اليهود وإطلاعهم الواسع على العلوم الحديثة أتاح لهم فرصة المساهمة في تطوير نظام البنوك ولا شك إن اتساع نطاق العمليات التجارية في العراق ساهم في إنعاش وتطوير أسواق المال التي أصبحت أبان الربع الأخير من القرن التاسع عشر تحت سيطرة اليهود وقد تأسس عام1880 في بغداد البنك العثماني الذي كان أول بنك حديث في العراق , ثم أقيمت بنوك أخرى كان معظم المشتغلين فيها من اليهود , لكن هذا النظام الحديث قد أضر باليهود الذين عملوا في مجال الصرافة , إلا أنه أتاح لهم فرصة التغيير من نظامهم التقليدي القديم في الصرافة إلى نظام حديث يواكب العصر وقتذاك, وفرصة إقامة بعض البنوك اليهودية التي كان منها (بنك زليخة ,وبنك كريدي , وبنك عبودي) , وهي البنوك التي أصبحت من أبرز المؤسسات المالية في العراق.
لكن بسبب سيطرت اليهود العراقيين على سوق المال في ظل العهد العثماني مما أدى غلى تعرضهم إلى الاضطهاد من قبل الأتراك , وكان زعم الأتراك إن اليهود هم سبب انهيار قيمة العملة التركية , لكن بعد عام 1918 ودخول القوات البريطانية المحتلة للعراق فقد تولى الشخصية المعروفة في المجال المالي والاقتصادي من اليهودي العراقيين (ساسون حسقيل) منصب وزير المالية في حكومة الانتداب البريطاني في العراق ’ كما سيطر اليهود على ما يربوا على 90% من حركة الواردات وأعمال المقاولات وشغل منهم 50% حجم الوظائف الإدارية والحكومية والتدريس والطب والصيدلة والصحافة والمحاماة , ولعبوا دوراً بارزاً في الحياة الفنية والأدبية.
لكن بعد عام 1932 عملت الحكومة العراقية على تقليل عدد اليهود العاملين في الأجهزة الحكومية مما أضر موقف الحكومة هذا بصغار الموظفين والتجار من اليهود العراقيين ,أما كبار تجار اليهود فقد استمروا في مزاولة أعمالهم , لكن في أكتوبر عام1948 وبعد إعدام التاجر عدس في البصرة في شهر ديسمبر بسبب تهمة التجسس لصالح إسرائيل وصادرت جميع ممتلكاته, حرمت الحكومة العراقية اليهود من مزاولة حق الاستيراد والتصدير وهذا القرار قد أضر بالتجارة العراقية وخلق تدهور وأزمة اقتصادية خانقة في العراق.
يعد التعايش بين أبناء الطائفة اليهودية في العراق مع أبناء الديانات الأخرى بتآلف ووئام عكس ما حصل في إيران من ضغوطات تم ممارستها ضد يهود إيران مما تحول بعض يهودها إلى الديانة البهائية وكان ذلك في أواسط القرن التاسع عشر , فقد اعتنقت أعداد كبيرة من يهود إيران الإسلام .
كان هنالك عامل ديموغرافي لهجرة اليهود داخل بلدان الشرق وخارجها ولأسباب اقتصادية واجتماعية وللبحث عن مصادر الرزق الجديد , وقد هاجر يهود العراق في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر إلى الهند وبلدان الشرق الأقصى عندما أصبحت هذه البلدان تحت سيطرة القوى الأوروبية وبريطانيا على وجه الخصوص و فقد هاجر يهود بغداد وخاصة في عصر الحاكم العثماني المستبد داود باشا , ولكن هؤلاء المهاجرين بقيت على علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية في العراق وكانت اتصالاتهم الدينية مع الحاخام يوسف حاييم , الذي كان يعيش في بغداد للاستفسار منه عن بعض القضايا الفقهية.
كان يهود العراق في ظل تولي بلاد الرافدين الحكم العثماني ينعمون بالأمن والاستقرار لكن في كردستان العراق كانوا اليهود يتحملون الاضطهاد من قبل قادة القبائل الكردية حيث عاش يهود كردستان بأعداد ضئيلة وفي حالة تخلف ثقافي وتعليمي لاعتمادهم على مهنة الزراعة والعمل بأجور يومية أو الخياطة والحدادة والنجارة والصرافة والنقل النهري أو لدى رؤساء العشائر في كردستان وقد تمركزوا في مناطق العمادية وكفري وأربيل, وبسبب بعد سكن اليهود في كردستان عن المدينة مما أدى إلى عدم تنعمهم بالخدمات الطبية والتعليمية , مع العلم غن الأمراض والأوبئة المنتشرة والتي راح ضحيتها أعداد كبيرة من أبناء العراق ومنهم أبناء الطائفة اليهودية . أما في جنوب ووسط العراق فكان أعداد اليهود كبير حيث كانت السلطة ناجحة في الإمساك بزمام الأمور و وبسبب الاستقرار فمن الممكن إجراء تعداد سكاني لليهود بالرغم من ازدياد أعداد النسل , وهي إحدى السمات المميزة للطوائف اليهودية عن سائر البلاد التي يعيشون فيها بسبب ظاهرة التمدن, فقد حرص اليهود على العيش في إطار طوائف مركزية في العاصمة بغداد والحلة والبصرة نظراً لاتجاهات التمدن.

ظاهرة التمدن:
لقد شهد العراق في النصف الأول من القرن العشرين تزايداً ملحوظاً في تعداد اليهود المقيمين في مراكز المدن التجارية(بغداد والبصرة) فاظهر التعداد السكاني الأول الذي أجري في العراق عام1920 إن تعداد يهود العراق يقدر ب(87) ألف يهودي وأظهر أيضاً إن (50300) يهودي يقيمون في بغداد وإن(7000) يقيمون في البصرة وفي عام 1947 وصل تعداد يهود العراق إلى (118000) نسمة , فكان تعداد يهود بغداد يقدر ب(77500) نسمة وتعداد يهود البصرة يقدر ب(10500) نسمة و وقد ازداد تعداد اليهود بشكل ملحوظ في مدينتي بغداد والبصرة عن سائر المحافظات ,بسبب الواقع الاقتصادي لكلا المدينتين بسبب تمركز الجهات الحكومية والإدارية , لكن في مدينة الديوانية وصل تعداد اليهود عام1930 إلى ( 6000) نسمة بينما وصل تعدادهم في نفس المدينة في عام 1947 إلى (809) نسمة وفي مدينة العمار قدر عددهم ب(3000) نسمة عام1920 لكن وصل تعدادهم عام 1947 إلى (2145) نسمة ,و كانت الزيادة بسبب هجرة داخلية ليهود كردستان إلى مناطق وسط وجنوب العراق بسبب قوة الجذب الاقتصادي لمدينتي بغداد والبصرة , إذ أصبح للعامل الاقتصادي دوراً في حركة الهجرة تجاه يهود العراق , كما شهدت مدينة الموصل حالة هجرة ضخمة من القرى إلى هذه المدينة , فقد أصبح تعداد يهود الموصل عام1906 ب(3300) يهودي وقد أصبح تعدادهم عام1946 ب ( 8200) يهودي إذا ما قورن بتعداد سكان العراق لتلك الفترة ب(2500000) نسمة , وقد عمل القلة من يهود الموصل في مجال التجارة الدولية لأن مدينة الموصل كانت تسيطر على الطريق التجاري البري الممتد من حلب إلى إيران والهند , ثم تضاءلت أهمية مدينة الموصل بعد افتتاح قناة السويس.
العمل ضمن أجهزة الدولة: ص50 المصدر العامل الاقتصادي
تقلد اليهود العديد من المناصب المهمة فكان معظمهم من رجال الاقتصاد والأطباء فمنهم في العصر الأموي حسداي بن شبروط وشموئيل حناجيد في غرناطة والأخوة إبراهيم وصيد بن سهل التوستاري لدى الخلفاء الفاطميين , وشغل شيخ الطائفة اليهودية منصب كبير الصرافين أبان حكم المماليك في العراق ( 1750-1831) وتوليه بيت المال إضافة إلى الإشراف على الشؤون المالية بسبب خبراتهم في هذا المجال.
فقد فرضت الدولة العثمانية سيطرتها على المنطقة , وبدأت بتطبيق سياسة الإصلاحات ومنها إصدار (خط همايوني) عام1856 الذي أعتبر بموجبه ( إن كل رعايا دولتنا العلية بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية سيعملون في الدولة , بما يتماشى مع قدراتهم وكفاءاتهم ), فقد تم تمثيل أبناء الأقليات الدينية في المجالس التي تشكلت وفق هذه الإصلاحات , فتقلد في العراق ومنها ( البصرة –الموصل- بغداد) العديد من المناصب العامة في الجهات الحكومية والمجالس المحلية , مما أتاح لهم الانسجام والاندماج في المؤسسات الحكومية , وهذا ما حدث أبان قيام ثورة تركيا الفتاة , فكان هدف الثورة الاهتمام بالنظم على أسس عثمانية تركية دون الاهتمام بالعامل الديني , فقد برز في تلك الفترة مناحيم صالح دانيال (1846-1940) وساسون حسقيل اللذان أصبحا عضوين في مجلس النواب العثماني , وقد مثل مدينة الموصل يعقوب تسيمح وابنهُ داود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر
أحمد محمد عليوي ( 2012 / 8 / 3 - 12:42 )
السلام عليكم كيف الصحه يا مدرسي العزيز اود ان اقدم لكا خالص شكري على المواضيع الهادفه التي يستفيد منها الشاب واتمنا ان تكون مثل الموضيع التى تقدم من جهتكم توجد في جميع المواقع والمنتديات بدلامن مملوئه بكلم لا معناله


2 - احمد محمد عليوي
نبيل عبد الأمير الربيعي ( 2012 / 8 / 3 - 15:58 )
تحية طيبة وشكراً لمرورك

اخر الافلام

.. عام على الحرب في غزة: كارثة إنسانية وتدهور اقتصادي بعيد الأم


.. بروفايل | إبراهيم عويس.. اقتصادي لم تمنعه مناصبه من تقديم تح




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 4-10-2024 بالصاغة


.. وزير الاقتصاد اللبناني: خسائر البلاد جراء عدوان إسرائيل كبير




.. ليبيا.. أزمة محافظ جديد للبنك المركزي تنتهي والسلطات تستأنف