الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد ليالى ألف ليلة وليلة ( الليلة الثانية بعد الألف )

محمد عزالدين
كاتب وباحث وشاعر وأديب مصري

(Mohammed Ezzdien)

2012 / 7 / 30
الادب والفن


" الف ليلة وليلة " من منا لم يسحره هذا الاسم ؟ وما أكثر من سحرتهم تلك الحكايات ! لقد بدأت - كما نعلم - بـ " شهريار " الملك الذى خال أن زوجته خانته فانتقم منها وقتلها وأقسم بعد ذلك بقتل كل نساء المملكة ، وجاءت " شهرزاد " لتسحره بعالمها الخاص وحسن قولها حتى أنها أنسته كل ما أقدم عليه .
وفى الحقيقة إن " شهرزاد " لم تسحر " شهريار " وحده فقط بل سحرتنا جميعا معه ، فقد انقضت حكاياتها الألف وانقضت معها لياليها ولم يفكر أحد منا قط بمصير " شهرزاد " بعد ذلك أو بأثر حكاياتها على " شهريار " وهل غيرته أم لا ، وتناسينا كل هذا تماما ورحنا نبحث عن " خاتم سليمان " و " مصباح علاء الدين " لتحقيق أحلامنا وتغيير واقعنا دون أن نشعر لحظة بمدى هذا السحر الذى سحرتنا به " شهرزاد " فى حكاياتها وأنستنا كل شىء عداها – الحكايات – لقد نقلتنا دون أن نشعر من الواقع المؤلم الذى نعيشه إلى دنيا السحر والجمال فأخذنا مغرقين فى الأوهام لا فى الأحلام .
لقد حلمنا كثيرا بتغيير واقعنا إلى الأفضل ، ولكن لم تتعدى حدود تحقيق أحلامنا مقولة " ياسلام لو كان معى مصباح علاء الدين لفعلت كذا وكذا وكذا ... " فرحنا نحلم بعالم المطلق فى دنيا النسبى بعالم اللامحدود فى دنيا المحدود ، وهكذا لايكون الحلم سوى بذرة وضعت فى غير تربتها . فأنى لها أن تثمر ؟!
لذا علينا أن ندرك أن حاجة الانسان إلى الأحلام لا لشىء إلا أن روحه تنشد الكمال الذى يدله على النقص فى عالمه ، وتصبو إلى الرقى الذى يدله على الانحطاط ، والنبل الذى الذى يدله على الخسة ، فيحرك فيه ذلك دواعى التغيير والتطوير وإعادة الخلق وهى أمور كلها تتجه إلى الواقع ولا تتحقق فيه الا من خلال تخطيط وفى تلك اللحظة فقط يتحول العالم إلى واقع ملموس ويخلق فى الواقع واقعا جديدا .

ولكن أى حلم هذا ... ؟

إنه الحلم الذى يحترم إمكانيات الواقع ، ويتأسس فى حدود هذه الإمكانيات بما لا يجاوز حدود الواقع ، وتظله مظلة من القيم تكفل له تحققا أخلاقيا فى أرض الواقع ، وأيضا إرادة لم تنفصل عن عالمها ولا تغترب عن طبيعتها بلجؤها إلى " خاتم سليمان " . إذن فإن ( العلم ، الأخلاق ، الإرادة ) لهى ركائز الحلم الذى يثرى الواقع وينميه ، وإن ( معرفة ، نسقا من قيم عليا ، قرار ) لهى ضوابط الحلم فى الواقع أو الحلم من أجل الواقع .
فإن اقتناع المرء بواقعه لهو رهن بقدرته على تغيير حلمه لتغيير واقعه ، يجب أن ندرك أنه لا يوجد " خاتم سليمان " لتحقيق أحلامنا ، وعلينا أن نستبدل تلك الأوهام بالإرادة القوية صاحبة القرار فلها من القوة مايفوق قوة مارد " مصباح علاء الدين " ملايين المرات ، ويكفى أنها حقيقة بينما المصباح وهم ، إذن فبأى شىء سنحقق أحلامنا ؟! وعلينا أن نختار .
فيارفاق لقد أضعنا فرصا كثيرة لتحقيق أحلامنا ، وتأخرنا أكثر فى تحقيق ما ينبغى تحقيقه من أحلام ، وأعتقد أن هذا التأخر راجع إلى طبيعة هذه الأحلام ومدى ارتباطها بالواقع – كما أوضحت سالفا – لقد أضعنا ليلتنا الأولى مغرقين فى الأوهام . فهل سنضيع الليلة الثانية مغرقين فى نفس الأوهام ؟! علينا أن ندرك ان هناك أمما سبقتنا ، وأمما ستسبقنا . ويبقى السؤال هل سنظل نحن كما نحن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انصتوا إلى هذا الأديب الشاب!
محمد عبد المجيد ( 2012 / 7 / 31 - 20:24 )
أخي الأديب محمد عز الدين،
في عالمنا العربي يولد السياسيون، ويتحزبوا فتلتقطهم وسائل الإعلام، ثم تتولى تلميعهم. ويتقدم الأدباء فلا نعرف عنهم إلا القليل، وذلك بعدما تتولى وسائل الإعلام القيام بعملية الترويج لكتاب أو مقال أو رواية أو ديوان.
مقالك جميل، وهو إشارة إلى من يهمه أمر الأدباء الشباب أن ضادنا تستطيع أن تقدم لهم تحليلات لواقع حياتنا دونما حاجة إلى آراء الحزبيين.
تحليلك جيد، واسقاطات ألف ليلة وليلة على واقعنا وأحلامنا لفصل الاثنين ينبيء بأننا أمام أديب له مستقبل واعد.
تمنياتي لكَ بالنجاح والتوفيق ، وأن تثري أفكارك عالمنا بقيمة الواقعية في ثوبها الأدبي الرفيع
مع محبتي
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو النرويج


2 - المنهجية في المقال
مجدي البنا ( 2012 / 7 / 31 - 20:36 )
سعدت جداً بما قرأت ..
وأكثر ما ميز الموضوع ( من وجهة نظري المتواضعة )بأن أستاذنا الأديب تسلل بهدوء المحترف من صيغة مقاله الأدبي إلي منهجية مقال علمي .. يوضح فيه الخطوات - المنطقية - التي يجب أن يتبعها ( راغب تحقيق الأحلام )...
..
كنت أعلم وعلى يقين بأنني .. سأقابل سطوراً وجب على الجميع .. الوقوف لها إحتراماً
تحياتي يا أستاذنا


3 - شكر وتقدير أستاذ محمد عبد المجيد
محمد عزالدين ( 2012 / 8 / 1 - 01:38 )
أتمنى أستاذى أن أكون عند حسن ظنك بى ، وأن أصبح يوما كما تنبأت لى ... شكرا لمرورك العطر


4 - شكر وتقدير أستاذ مجدى
محمد عزالدين ( 2012 / 8 / 1 - 01:41 )
شكرا لإطرائك الأكثر من رائع ، والذى نتمنى الايخيب رأيكم فينا فى يوم من الأيام ... محبتى واحترامى


5 - البساطة فى الاسلوب
ساندى عيد ( 2012 / 8 / 1 - 04:54 )
الأحلام قد تكون محاولة للهروب من الواقع ،أو تحقيق ما لم نستطع تحقيقه فى الواقع ،وكذلك قد تكون ورقة بيضاء أخطط عليها آمالى وأحلامى لما أريده أن يحدث ،أو الصورة التى أود أن أرى نفسى عليها ،ولكن علينا ألا ننسى حسن الظن بالله والعمل الجاد ومعرفة قدرتنا واستغلال كل شئ يساعدنا فى الوصول إلى ما نريد ،أنا أرى أن الاحلام هى بداية المستقبل والنجاح فهى تعد أول سطر فى تاريخ الإنسان الغير المكتوب الذى تبدأ كتابته مع أول خطوة يخطوها الإنسان فى مشواره ولذلك لمن يريد العمل والنجاح .


6 - إبداع وابتكار
محمود الشريف ( 2012 / 8 / 1 - 11:48 )
مقال رائع رائع ، ما أجمل التعبير باللغة العربية الفصحى السهلة !
سلمت يداك - أستاذ محمد - حقًا هذا ما ألمسه فيك، شخصية مبدعة تحب الابتكار والإبداع ، وأظن ظنًا أشبه بيقين أن هذا الكلام لم يأتِ من فراغ، إنما نتيجة تأمل وإبداع لا يقدر عليه إلا أمثالك من المبدعين، سعدت كثيرا بقراءة هذا المقال، وأتمنى لكم التوفيق والسداد ...

اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس