الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك العربي بين ثقافتين متخاصمتين

محمد بوجنال

2012 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



بداية يعرف تايلور الثقافة بكونها ذلك" الكل المعقد الذي يحتوي المعرفة، المعتقدات، الفن، الأخلاق، الحقوق، العادات وباقي القدرات والعادات التي اكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع". انطلاقا من ذلك، فالثقافة في عالمنا العربي ثقافتان، لكل واحدة أنصارها وقدرات جاذبيتها؛ فمن جهة هناك الثقافة السلفية /الأصولية التي تدعي مشروعية الفهم والتفسير، وهناك من جهة أخرى الثقافة العقلانية/الحداثية التي تربط النمو والتنمية المجتمعية بالعقلانية. وبين الاثنتين توجد ، كما هو معروف، هوة بين تصورين للعالم العربي، تصورين لفئتين من الإنسانية لكل منهما تحديدها دلالة المكان والزمان واللغة بصدد مكونات بنية المجتمع العربي ويتقاطعان حول عدم الأمانة في وبخدمة قضاياه.
ومن المسلمات المعروفة أن الشخصية، أية شخصية، هي إفراز لبنية مجتمعية لها ثقافتها التي قد تكون سلبية ومعرقلة وقد تكون ايجابية وفعالة؛ وهذا أساسا يحدد بفعل أداتها التي هي في عالمنا العربي اللاعقلانية عند الكلام عن الثقافة السلفية/الأصولية، والعقلانية المتخلفة عند الكلام عن الثقافة العقلانية/الحداثية. ولا شك أن هذه المجتمعات البشرية التي نشدت وتنشد التقدم والتطور، وهذا ما يشهد به التاريخ، هي المجتمعات التي تبنت وتتبنى الثقافة العقلانية. وهذا يقتضي، وبالضرورة، حصول اعتماد الفلسفة كوجود وانتقالها من مستوى درجة وجود الصفر إلى مستوى درجة وجود أعلى باعتبارها القوة القادرة على تحرير العقل ومده بما يلزم لحصول النضج وتثريك أشكال الظلام والتخلف لإمكان قطف الثمار كما هو الشأن بالنسبة للفلاح إن هو زود الأرض بما تستحق طبيعتها وحاجياتها.وهذا يجبرنا، بصدد الثقافة العربية العقلانية على طرح السؤال: ما معنى الفلسفة؟ لاشك أن الجواب الشائع لذى عامة الشعوب العربية زمن الحراك وقبله يتحدد مصدره ومرجعيته في الثقافة السلفية/الأصولية؛ لدا فهو سؤال ليس جديرا بالطرح ما دام ينتمي، في نظر مكونات الشعوب العربية بفعل عدد من الأسباب، لثقافة تتميز بالكفر والإلحاد. ومن هنا نقول أن التأسيس للثقافة العقلانية الكفيلة وحدها لحماية الحراك العربي يقتضي خلق شروط ربط الإنسان العربي الراهن بقضايا الوجود للتمكن من محو علاقة اللامساواة بين عالم متعال وغامض يعتقد فيه وبه الإنسان العربي ويعتبره الأجدر شرعا، وعالم دنيوي لا يمكن وجود وفهم وتلبية حاجيات الإنسان العربي خارجه. إنه انتقال العقل من الإيمان بالعالم المتناهي الخاضع للخرافات والأساطير إلى العالم اللامتناهي الخاضع للقوانين والقواعد وهي المرحلة التي يصبح فيها الإنسان العربي مقتنعا بكونه هو مصدر الحقيقة وموضوعها؛ أو قل أنه بفعل الثقافة العقلانية تلك تختفي القيم الميتافيزيقية والمتعالية لقيم الثقافة السلفية/الأصولية التي شرعت باسم الدين للفصل بين الفئات أو الطبقات عن بعضها البعض بمنح بعضها الامتياز واحتكار الوصاية والأحقية في ممارسة وإصدار الأوامر الذين يقتضون شرعا خضوع وطاعة الغير. لذا نعتبر أن انتشار الثقافة العقلانية في العالم العربي، إن توفرت شروط ذلك، هو مؤشر بداية حصول تغيير تصور الإنسان العربي لواقعه الذي هو جزء من العالم في اتجاه الحذف التدريجي لأشكال التراتب الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبالتالي حصول تعريف جديد لطبيعة واجتماعية الإنسان العربي. فتحقيق المطالب المشروعة تلك لن يحصل إلا في ظل الابتعاد عن الثقافتين لصالح ثقافة إنتاجية وإبداعية لها منهاجيا القدرة على المقاربة الموضوعية للقضايا العربية والعالمية أو قل أنها العقلانية في صيرورتها التي هي هي جدلية العالمي والخصوصي في مستواها التجريدي والمتباينة حسب مستوى درجة الوجود المحدد؛ وهذا يعني أننا لسنا أمام العالم بقدر ما أننا أمام ترجمة العقل أو الثقافة للعالم حسب مستوى درجة الوجود الذي تكون الثقافة السلفية/الأصولية والعقلانية/الحداثية المتخلفة من أهم عوامل عرقلة معرفته والتفعيل فيه؛ وقد سبق لهيجل أن ميز بين ثقافتين: الواحدة منهما تعرقل ضبط دلالة الوجود، والثانية منهما ترى انه صيرورة أو قل يوجد في الزمن. ومن هنا القول بنوعية علاقة المجتمع العربي، مرحلة الحراك وقبله، بمفهوم الزمن الذي هيمن وما زال يهيمن عليه وفيه الزمن الميتافيزيقي على حساب الزمن البشري. ومن الواضح أن الزمن ذاك بمفهوميه اصطدم ببدايات زمن مختلف مرحلة"الحدث-المفاجأة" بداية العقد الثاني من القرن 21؛ حدث أدهش الثقافتين المتخاصمتين ليرسخ، مهما كانت النتائج، فكرة أن هناك تغير حدث وإن لم يكن حتى بنصف النسبة المطلوبة. هذا "الحدث-المفاجأة" الذي يسمى بالحراك أكد بنسبة ما، وإن كانت ما زالت دون المستوى المطلوب كما سبق القول نظرا لعدد من العوامل منها الفقر والأمية، أن الإنسان العربي ليس كما شاع عنه أنه إنسان ميتافيزيقي بقدر ما أنه،في حقيقته، إنسان تاريخي. إنها المرحلة التي تمرد فيها على الثقافتين مكتشفا أنه القوة القادرة على إحداث التغيير لذلك رفض اللامساواة التي لم يعد لها، كما كان في المراحل السابقة، ما يبرر مشروعية وجودها على مستوى الثقافتين وإن بمستويات متباينة. وبهذا تباينت المواقف بصدد " الحدث-المفاجأة" أو الحراك بين من أسس ودافع ويدافع عنه، ومن يصفق له، ومن يطالب بإدخال تعديلات عليه، ومن يعارضه، ومن يتفرج عليه بمعنى أننا أمام الموضوع وتفكك نقيضه.
لكن ضعف الثقافتين وتذبذبهما كان لهما التأثير في حفز الجماهير العربية على التكتل فيما بينها بفعل الشعور المشترك بين مختلف فئاته مهما اختلفت تراتبيتهم وطبقاتهم وديانتهم، بأشكال الاستبداد الذي يمارس عليهم. هكذا وجدنا بالشارع أو ساحة التحرير الأشخاص الغرباء عن بعضهم البعض في نقاش حاد، أو المعادين لبعضهم البعض يتصافحون. فلم يعد الإنسان العربي إنسانا منعزلا ومهددا كما أسست لذلك الثقافتين: السلفية/الأصولية والعقلانية الحداثية المتخلفة بقدر ما أنه أصبح جزء لا يتجزأ من الشعب وبالتالي فأي مس به هو مس واعتداء على الشعب؛ هذا علما بأن هذا الحراك لا يمكنه محو تقاليد وتصورات طبقة الكامبرادور بسرعة والإحلال الفعلي محلها لمبادئ المساواة التي ينادي بها. فكل ما يمكن للحراك ذاك، نظرا لتغلغل الثقافة السلفية/ الأصولية بتصوراتها الميتافيزيقية والخرافية، والثقافة العقلانية/الحداثية المتخلفة التي ادعت زيفا أن المجتمعات العربية قد قطعت أشواطا مهمة من النمو والتنمية، هو التقليص من حدة اللامساواة دون إلغائها؛ وبلغة أخرى يمكننا القول باستمرارية الثقافتين المتخاصمتين في محاولاتهما استيعاب واحتواء الحراك؛ لذا، فالجماهير استمرت في تقبل اللامساواة لكن بأشكال أخرى أصبحت منزلة ومثبتة بالدساتير؛ وهذه هي دلالة الديموقراطية التي ليست سوى شكلا من المساواة الخيالية التي تخفي اللامساواة الواقعية. ومن الواضح أن هذه المساواة الخيالية التي هي إفراز للثقافتين المتخاصمتين السابقتي الذكر لم تقم سوى بتبرير اللامساواة والسماح لها بالدخول من النافذة بعدما أخرجتها من الباب وبشكل وصفته بالمشروع. ولا شك أنه من الناحية النظرية، كلما تمكن شعب ما من التوفر على قيمة المساواة كلما أصبح بناء ومنتجا ومسئولا؛ وهذا ما تفتقر إليه المجتمعات العربية رغم حراكها بفعل تحذر البنية الرنسندنتالية لللامساواة أو قل بفعل تجدر ثقافة سلفية/أصولية عملت وتعمل على إلغاء الواقع،وثقافة عقلانية/حداثية متخلفة.
وهكذا يمكننا القول أنه داخل أكبر عدد من المواطنين العرب يوجد داع ومدافع عن اللامساواة أو قل أنه داخل شخصياتهم تسكن شخصيات بنعلي أو مبارك أوعبد الله صالح أو حاكم قطر أو...الخ أو هم جميعا. وعموما لم يتمكن الحراك العربي من التضييق على الثقافتين للحد من سلبيتهما بقدر ما أنه مكن الأولى من الاستئساد في الوقت الذي ازداد فيه بؤس الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح