الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف يبيع الإلاه بقطعة لحم في رمضان

رفيق عبد الكريم الخطابي

2012 / 8 / 1
كتابات ساخرة


تحذير هام :
هذه قصة واقعية للقراءة فقط بين آذان المغرب والفجر .
كانا صديقين بنفس الحي الشعبي وبنفس المدرسة الابتدائية التي أوت أبناء الكادحين ...افترقت بهم السبل لبعض الوقت إلى أن جمعتهم إحدى الغرف بالحي الجامعي لمدينة الدار البيضاء ...كان الأول ولنسمه حسن مناضلا في صفوف النقابة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب..فيما كان الثاني ولنسمه يوسف متذبذبا لا هو مع الفعل النضالي ولا هو ضده ...يصرخ دائما بالشعار والخطاب اللذين تود سماعهما منه لكنه لا يمارس إلا على أرضية مصالحه الشخصية الضيقة ، يوسف هذا شخصية غريبة جدا ، إن كان قاطنا في غرفة مع الظلاميين فهو مؤمن بالإسلام ومدافع عنه،غير أنه غير مؤدي لأركانه من صلاة وغيره لأنه غير مهيأ وغير مستقر نفسيا ، ذلك تبريره، وإن جاء سكنه مع القاعديين مثلا فهو مادي التحليل مازال مترددا في تبني الماركسية اللينينية ولا ضير عنده من إعلان إلحاده إن غلبته الحماسة لكنه يصوم رمضان تحت مبرر أن رمضان ليس طقسا دينيا ، بل هو عادة اجتماعية يجب الحفاظ عليها حتى من طرف الشيوعيين..ورغم كل هذه المواقف الحربائية المعروفة من الجميع إلا ان يوسف هذا كان محبوبا من الجميع ،وفي الكثير من الأحيان كان يوسف محط سخريتهم أيضا ، ربما تعاطفا مع فقره المدقع أو لاستسلامه لغيره دوما وانعدام موقف واضح في كل أمور حياته...دامت العشرة بين الصديقين على نفس المنوال كل واحد يعرف الآخر ويتعاملان على هذا الأساس ، إلى أن حل رمضان من تلك السنة ، كان الأول لا يمارس أ ي طقس ديني وبالتالي لم يكن يصوم رمضان ...فيما كان الثاني يصوم ولا يصلي ...إلا أن عدم توفر الأكل بالنهار فرض عليهما الجوع معا طيلة 15 يوما الأولى من رمضان ...إلى أن تعرف حسن على أحد الطلبة لم يكن بمقدوره الصيام لأنه مصاب بمرض السكري على ما أذكر ومنعه الأطباء من الصيام لذلك ، ويتوفر على شهادة طبية تثبت المرض لكي يخرجها إذا ضبطه حراس الله المتأسلمين اللذين كانوا يسيطرون على الموقع الجامعي آنذاك ...تعارف الصديقين الجديدين وتبين لحسن أن صديقه الجديد يعاني أكثر من الصائمين وأكثر من غير الصائمين بكثير ...فقد كان يجبر في كثير من الأحيان أن يتناول غذاءه في المرحاض وهو خائف أن يضبطه أحد الظلاميين وفي أحيان كثيرة كان يقطع مسافة طويلة مشيا على الأقدام حتى يجد مكانا خاليا لتناول غذائه وأدويته...لما تعارف الصديقين الجديدين حلت مشكلة عبد الله فقد أصبح بإمكانه تناول وجبة الغذاء بكل حرية وراحة بال داخل الغرفة التي يتواجد بها الجائعين دوما حسن ويوسف ..
مر اليوم الأول عاديا ..فقد جاء عبد الله إلى الغرفة على الساعة الثانية عشرة والنصف ووضع على المائدة قطعة لحم مشوي كبيرة ، وتفاحتين وموزة وبعض السلطات من الخضار ..تناول غذاءه فيما الآخرين نائمين أو يتظاهران بالنوم ويراقبان معا تلك الوجبة التي لم يشاهدا مثلها منذ زمن بعيد واللعاب يسيل من فميهما فوق سريريهما...خرج عبد الله وترك نصف غذاءه لحسن فوق المائدة لأنه يعلم أنه لا يمارس الصيام ...بمجرد خروجه استيقظ الجائعان معا وأخذا يراقبان بلهفة كبيرة الوجبة الدسمة...أخد حسن نصف قطعة اللحم وقضمها بسرعة فائقة مع نصف التفاحة وربع الموزة ونصف ما تبقى من الخضار ، ليبقى النصف لصديقه الصائم إلى حين حلول موعد الإفطار.
بعد تلك الوجبة الدسمة أشعل حسن سيجارته الرديئة جدا ،نوع كازا معروف لدى الطلبة المغاربة، وراح يدخن ويفكر فيما ينتظره من صراع ضد تجار الدين المتأسلمين ،و من مهام نضالية لتلك الليلة كما العادة ، حلقية النقاش والتنسيق مع باقي مناضلي الكليات الأخرى بالمدينة الجامعية...لم يكن يقطع حبل تفكيره سوى رؤية زميله يوسف يطوف حول مائدة الطعام وعيناه جاحظتان في قطعة اللحم المشوية ،لا يستطيع إخفاء لعابه..وما هي إلا لحظات حتى خرج يوسف بقراره التاريخي فصرخ مخاطبا صديقه: أنظر حسن سأقوم بأكل قطعة اللحم هذه ، وسوف أعيد صيام هذا اليوم فيما بعد ، إني لا أستطيع انتظار أدان المغرب.
وفعلا أتى يوسف في لحظات على كل الأكل وجلس بجانب صديقه يتبادلان النظرات قبل أن ينفجرا معا بالضحك...
مر الأسبوعان المتبقيان من الشهر الكريم ، مع أني لا اعرف شهرا بخيلا ، على هذا الحال ، ينتظران عبد الله في فراشهما حتى ينتهي من غذائه ، ويقومان بأكل ما تبقى ، باستثناء يوم الأحد وهو يوم عطلة ، حيث كانا يواجهان الجوع معا ، يجوع حسن ويصوم يوسف ، إلى حين أن يفتح المطعم الجامعي أبوابه عند الإفطار...
انتهت القصة وكل رمضان وحرية الاعتقاد بألف خير.
ملاحظة لا بد منها:
يوسف اليوم يعملل مستشارا تجاريا وعقاريا ، أي يقو م بأعمال السمسرة ومتابعة أعمال الضرائب والمحاسبة للبرجوازية ..إلخ , لا تفوته صلاة الجماعة بالمسجد ..وأظن أن المسجد يساعده في ربط الكثير من العلاقات العامة كما يسميها الانتهازيون وأسميها أنا علاقات النفاق الاجتماعي،هذه العلاقات الضرورية بالنسبة لطبيعة عمله,
أما حسن فهو الآن متزوج وله طفل ، لكنه يعاني بدوره معاناة شبيهة بمعاناة عبد الله ، حيث أنه لا يستطيع الأكل أمام أعضاء أسرته احتراما لجوعهم أو صيامهم ، برغم أنه لا يخفي عدم إيمانه بهذه المعتقدات الدينية ، وكذلك لأنه لا يريد ان يفرض على ابنه الصغير موقفا معينا دون اقتناع منه, لذلك تراه بعد عودته من العمل حريص على قضم أي ثمرة أو قطعة حلوى سريعا ودون أن ينتبه له أحدا.
وفي الأخير نعتذر من كل القراء الذين يجدون أنفسهم مشابهين لأحد شخصيات هذه القصة فهي وإن كانت واقعية فإن أي تشابه يعتبر مجرد صدفة، ثانيا نعتذر من كل قارئ يجد فيما كتب تطفلا على شكل أدبي راقي أي القصة من جانبنا، ونحن إذ نعلن أن هذه محاولة لنقل واقعة معينة لا ندعي أننا متمكنين ولو في الحدود الدنيا من تقنيات الأدب القصصي ،بل نحن متطفلون عليه هدفنا هو مضمون هذه القصة أو الحكاية ، ونعتذر إن كان الشكل رديئا ... تضامني مع الجائعين وتحياتي للمفطرين، وشهر مبارك للصائمين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطأ لغوي
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2012 / 7 / 31 - 23:19 )
عذرا لقد سقطت في خطأ في هذه الجملة-لما تعارف الصديقين الجديدين-تصحيح:لما تعارف الصديقان الجديدان..معذرة عن هذا الخطأ وعن أمثاله


2 - الازدواجية في البنى الاجتماعية
سعيد زارا ( 2012 / 8 / 1 - 04:25 )

الرفيق رفيق عبد الكريم الخطابي بعد التحية

ان هذه الواقعة التي سردتها يا رفيق هي متكررة في كل حواضر و قرى الدول الاسلامية و السبب يرجع في فشل حركة التحرر الوطني في القيام بمهامها كلية, فكان ان قامت بجزء منها دون اكمال المشروع الذي يهدف الى من كل بقايا اشكال الانتاج السابقة على الراسمالية قكانت طريقها ثالثة لا هي اشتراكية و لا هي راسمالية.

فكان نقد الدين متعثرا جدا في هذه الدول ذات البنى الاجتماعية الفصامية.

تحياتي


3 - الانتهازيه
عبد المطلب العلمي ( 2012 / 8 / 1 - 16:19 )
اشكر الرفيق رفيق على هذا السرد الجميل لواقعه حقيقيه تبرز صوره نمطيه موجوده في مجتمعاتنا سواء في المغرب او سوريا او مصر.
كما اود الاشاره الى ان تصرف يوسف انذاك و في الوقت الحاضر ،هو انتهازيه صرفه و لا دخل له بقناعات او غيرها .
و ليسمح لي الرفيق ،بتحيه الرفيق سعيد قائلا : اشتقنا الى مقالاتك و على الاخص السلسله التي بدأت تكتبها فاضحا اقتصاد الخدمات .
تحياتي و ودي للرفيقين.


4 - تحية للرفيق سعيد
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2012 / 8 / 1 - 23:32 )
سرتني كثيرا إطلالتك على المقال ،بل فرحت بها كثيرا ، بالفعل البنية الاجتماعية الكولونيالية تتعايش فيها عناصر من الانتاج الراسمالي جنبا إلى جنب مع عناصر سابقة عن الرأسمالية ويادتها هو ما يفسر هذه الازدواجية في طريقة التفكير والممارسة لدى الأفراد والجماعات...فشل حركة التحرر الوطني في إنجاز اي من مهامها أو بالتحديد فشل قيادتها البرجوازية وخيانتها لكل برنامج التحرر الوطني ساهما في تفاقم مثل هذه السلوكات...أيضا انحصار الفعل التقدمي عموما إن على المستوى الفكري أو السياسي وخصوصا فصيله الثوري وخيانة مجموعة من تعبيراته السياسية لكل شعاراتها ومبادئها وارتماؤها في أحضان تلك البرجوازيات كرس وساهم في تعميق مثل هذه الممارسات ...لا شك أن كنس أنظمة تستند إيديولوجيتها على كل ما هو ظلامي في تراثنا وعلى الدجل الديني والسياسي سيسهل الانتقال إلى مجتمع لا يحتاج فيه المرء إلى ارتداء قناع فكري لكل فصل من فصول السياسة...حكاية يوسف هذا نجدها ايضا متفشية في الحوار المتمدن كثيرا ..لننظر فقط إلى عدد اصحاب الثقافة ممن يصطفون خلف الديكتاتور ضد الظلامي والعكس كذلك وقد يتم هذا على أرضية نفس الفكر أو الادعاء..تحياتي


5 - تحية للحكيم
رفيق عبد الكريم الخطابي ( 2012 / 8 / 1 - 23:39 )
للرفيق المطلب الذي أنار مقالتنا ألف ألف تحية ...سرني تعليقك وعنوانه بالذات...بالفعل الانتهازية وإن كانت متفشية لدى الأفراد لا تمثل نفس الخطورة إن انتقلت إلى تنظيمات ..مثل هذه العناصر الانتهازية القوة الضاربة لأغلب التنظيمات التحريفية والانتهازية في مجتمعاتنا....أضم صوتي إلى صوت الرفيق المطلب حول ضرورة استكمال العمل المتميز الذي بداه الرفيق زارا حول قطاع الخدمات...تحياتي للرفيقين معا ..وعاشت البلشفية منارة للمبدئيين تنير طريق الكادحين


6 - الى الرفيق العزيز العلمي
سعيد زارا ( 2012 / 8 / 3 - 18:28 )

تحية بولشفية لرفيقي العلمي

اعرف انني تاخرت عن نشر مقالات السلسلة, و هذا راجع لقلة المراجع , فالموضوع يحتاج تدقيقا في تفاصيل معينة وخصوصا ما يتعلق بالارقام.

فمعذرة لرفاقي و للقراء الاعزاء.

لكنني على وشك ان اتم مقالة و كالات التامين.


مودتي

اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟