الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نار بروميثيوس لن تنطفئ أبدا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 2 / 16
حقوق الانسان


كفاح الإنسان الأبدي مدعوما بالفكر و المعرفة في سبيل الإنعتاق من سجن المادية الميكانيكية و الأنانية و للولوج في حياة أكثر تحررا ، و أكثر قيمة و أكثر عقلانية سيستمر . وإن ّ النضال في سبيل الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان ، يعني فيما يعني النضال ضد السلطات الحاكمة ، و القيود المرئيّة و الخفيّة المكبِّلة للإنسان ، و التي تتجلى بأشكال وصور مختلفة.
و السلطة ، طالما تمثل طبقة أو شرائح متميّزة للمجتمع ، من طبيعتها الفساد و الانفساد والإفساد ، و إنّه حتّى الحكّام المنتخَبين من قبل الشعب تغرّر بهم مناصبهم و نفوذهم ، وهم بشر بأنفُس أمّارة بالسوء ، فلا يلبثون ينسون مسؤولياتهم تجاه الكلمة الحرة ، والعملية الديمقراطية ، و يتمادون في الطغيان حين لا يكون ثمة من رادع أخلاقي أو قانوني ّ. و قد علّمتنا التجارب التاريخية للإنسانية المتمدّنة أنّ الديمقراطية و حقوق الإنسان هما مفتاح العمل والتقدم.
الشخصيات التاريخية مثل سقراط و افلاطون و برونو و جروتيوس و فولتير و باين و جيفرسون و ثوريلد كانت و لا تزال أمثلتنا العليا في هذا الكفاح. وإن الوثيقة العظمى " ماغنا جارتا" ، واعلان الإستقلال ،و اعلان الحقوق، و اعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، و اتفاقية حقوق الطفل أمثلة على وثائق كتبها البشر تدريجيا كضروريات استلزمها التطور و التقدم الاجتماعي ، وهي دليل على ما يترجّاه الانسان و يتمناه من أن يخلق لنفسه والأجيال القادمة عالما اكثر عقلانية و بالتالي أفضل و أكثر أمنا و أمانا.
و نرى " بروميثيوس" مثالا رائعا لهذا الكفاح الأبدي ، وهو مكبَّل و مثبَّت إلى صخرة في القوقاز ، يعاقبه الإله
" زيوس" لقيامه بسرقة نار الآلهة ، و منحها للبشر . ففي الأساطير القديمة ثمة حلم بأن الإنسان سينجح يوما من أن يحرّر نفسه من سلطة القوى الجائرة ، و نيل حياة حرة و كريمة.
والحلم بحياة أفضل قديم قدم الإنسان نفسه. و وفق الميثولوجيا الاغريقية ، كان بروميثيوس هو خالق الإنسان من الطين. و إنّ الإله الأكبر " زيوس" شعر بتهديد الإنسان ، هذا الكائن الموهوب و المقدام ، ولكي يحول دون تطوره ، قام باخفاء النار عنه . فصعد " بروميثيوس " خلسة إلى الأولمب ، تناول بضعة جمرات ، وضعها في شقّ ساق نبات ، هابطا بالنار للبشر ، ليتمكنوا من صنع الطابوق و بناء البيوت ، فاستطاعوا بمساعدة النار استخدام أنواع المعادن ، و تربية الحيوانات ، و بناء السفن و القيام بعمليات الحساب و الكتابة.
ولولا هذه النار لما كان هذا التطور البشري الهائل ، وقد أدّى هذا بزيوس أن يجنّ و ينتفض غضبا . فأصدر أمرا بمعاقبة " بروميثيوس" لإقدامه على هذه الخدعة ، والخيانة العظمى و ذلك بتتثيبته على صخرة عالية في منطقة وعرة بعيدة و مهجورة في القوقاز. وقد تم تكليف " هيفايستوس" ، ربّ النار و فنّ الحدادة ، بتنفيذ هذه العقوبة، التي كان يتردد في تنفيذها ، بسبب الإحترام المتبادل بينه و بين بروميثيوس و البشر الآخرين. وإنّنا لنعلم خلال هذه الأسطورة كيف يجري تهرب من تنفيذ أوامر السلطات و الالتفاف على مقررات الآلهة من قبل البشر، مثلما يحدث في عصرنا .

و ثمة نسر يأتي يوميا ينهش كبد بروميثيوس المكبّل. و كل ليلة كان كبده ينمو من جديد ، وأن هذا التعذيب الفظيع استمر لآلاف السنين لكون بروميثيوس مثله مثل الآلهة يحوز على حياة أبدية .
و في مسرحية آيخولوس " بروميثيوس المكبّل" نسمع هذا الغول يصرخ من الألم :
أيّتها الفضاء المقدسة ، أيّتها الأنسام المجنّحة السريعة ،
يا منابع الأنهر، ويا أيتها البحار الواسعة التي تلتمعين بأمواجك ،
يا أرض، يا أمّنا، و يا عين العالم،
أيتها الشمس ، أناديكم:
انظروا كيف أعاني ، أنا الاله ، من ثأر الآلهة .
انظروا ! الجرح الذي أصابني و الذلّة التي أنا فيها من جراء المعاناة القاسية الأليمة التي تدوم لآلاف السنين.
لقد سمّرني السلطان المتوج حديثا على شعب الاولومب بحبال التحقير .
ويل ، ويل! صدري يزفر ثقيلا على هذه الحالة الشاذة.
متى ستزول هذه المعاناة التي فرضتها عليّ الأقدار ؟

لا يزال بروميثيوس يعيش بيننا ، و يعاني كما كان في الماضي السحيق ، ليس من آلهة الأولومب ، بل من قبل
" أربابنا" سلاطيننا في هذا الزمان.
إنّه حاضر في كل منّا كأمل و رجاء، و كتمرّد على السلاطين الجشعين و الحكام الفاسدين ، و إنه خالد خلود الكفاح في سبيل النور و العقل و المعنى.

كم بروميثيوس يعانون و يمنعون من الاتيان بالنور لمجتمعاتنا ؟ و كم بروميثيوس مُزّقت أكبادهم كعقوبة لهم من قبل آلهة العصر ، لقيامهم بسرقة النار ، أو محاولتهم لها؟
بروميثيوس ضروري للوجود البشري و الجمال ، و بدونه تنطفئ الأنوار في المجتمعات المتنورة ، و تبقى الظلمات مخيّمة على الربوع القفر ، و بدون بروميثيوس تتفسخ القيم الإنسانية وتنحط ّ ، و لن يعدو التطور البشري أبعد من رقصة حول العجل الذهبي ، و أداء فروض الطاعة للسلطان المستبد . و بدونه سنعود القهقرى إلى فترات الظلام ، و ستنزل الكوارث على البشر ، وهم فاقدين الأمل ، لا حول و لا قوة لهم في مواجهتها.
فلتشب نار بروميثيوس في كل كهف و في كل قبو مظلم ، بل في كل الأنحاء . هذه النار إنّما هي روح الإنسانية ، و قيمها الجمالية . و بدونها يغدو العلم و التكنولوجيا شّرا مستطيرا على البشر ، و موتا زؤاما . إنه بروميثيوس دائما ينبّهنا أن المعارف و العلوم مهما بلغت من الدقة و الاتساع ، بقيت جهالة في جهالة ما لم يكن الصلاح في لبّها و نواتها . و خير شاهد على ذلك في العلم الحديث كيف يستسلم بجملته إلى قوى الويل و الدمار الشامل و يمسي عبدا ذليلا للدولار و الدينار . و لو أنّ العلم قام على الصلاح و حبّ الخير للناس لما وجدنا عالما واحدا في خدمة مصنع لأسلحة كيمياوية و ذرية ، و لا في خدمة التصنيع الحربي لحكومة فاشستية ، أو دولة امبريالية . يحدث كل هذا في غفلة عن بروميثيوس الحاضر في كل إنسان خيّر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رشوا السياح بالمياه.. سكان برشلونة يتظاهرون ضد السياحة المفر


.. لحظة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لمتظاهر في تل أبيب




.. رئيس وزراء بريطانيا الجديد ينهي خطة لترحيل اللاجئين لرواندا


.. شهيدان بينهما موظف أونروا جراء قصف إسرائيلي قرب مخزن مساعدات




.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?