الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية وأكذوبة التمييع

سامر أبوالقاسم

2012 / 8 / 1
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تم الخوض مؤخرا في موضوع الحرية كثيرا، لكن النقاش الذي دار كان محشوا بالكثير من دَسَم البوليميك السياسي. حتى إن الأمر اختلط على الناس، ولم يعد الواحد منا مدركا لهذا اللغط الذي لا مستند له سواء في المرجعيات القديمة أو الحديثة، الدينية أو اللادينية...
لم يعد الواحد منا يدرك ما إذا كان التشبث بالمنظومة القيمية داخل المجتمع يعني بالضرورة الدخول في معمعان محاكمة الناس بنوايا ما سيقدمون عليه من خير أو شر الأفعال، وإنشاء شرطة للأخلاق ومحاكم للتفتيش، بغرض متابعة الناس ومراقبتهم والدخول في تفاصيل خصوصيات حياتهم الشخصية. والمؤكد أن في هذا تضييق على الناس وإحراج لهم سواء في الفضاءات العمومية أو الخاصة، وسلب خطير لحريتهم، وتعطيل كلي لإرادتهم، وحَجْر على الناس وذويهم، بحيث لا يستقيم الفهم على أن تكون مثل هذه المصادرة لحريات الناس صادرة عن عاقل فبالأحرى عن إله.
أمر النقاش حول الحرية لا يمكنه أن يستقيم باستمرار الأحزاب الدينية في تصديق الكذبة التي افتعلتها هي ذاتها، في وقت من الأوقات، بتواطؤ مع أنظمة حكم استبدادية، في العديد من أقطار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من أجل محاربة ما كانت تسميه "المد الشيوعي" آنذاك، وهي الكذبة التي انبنت على أن التيار الاشتراكي خصوصا، يدعو إلى كل ما من شأنه تمييع العلاقات الاجتماعية بين الناس، بحكم استلابهم من طرف الغرب وفكره وعاداته وأعرافه وممارساته.
فالنقاش حول الحرية، لم يكن في يوم من الأيام، نقاشا تنطلق فيه الأحزاب الدينية من تأصيل للمفهوم في عمق الرؤية التي يمكنها أن تصدر عن خلاصات واستنتاجات هامة لحجاج طويل وعريض متصل برواد الفكر الإسلامي فيما يخص إشكالية الجبر والاختيار، أو فيما يتعلق بإشكالية التعارض أو التكامل بين المشيئتين الإلهية والإنسانية...
بل كانت تنطلق دائما من المعادلة المبنية على أساس أنها كأحزاب دينية موقعها "الطبيعي" أو "العادي" هو دار الإسلام، في مقابل الموقع "الطبيعي" و "العادي" لتيار الحداثة والديمقراطية الذي هو دار الكفر، ولا يمكن أن تستقيم أية مواجهة إلا بكافة أسلحة الحرب المشروعة منها وغير المشروعة.
والجدير بالملاحظة، هو أن حبل الكذب قصير، فإن كانت مثل هذه الأكذوبات التاريخية قد فعلت فعلها في الناس البسطاء، وجعلتهم ينشغلون عن القضايا الجوهرية والمصيرية، على اعتبار أنهم تعاملوا مع الأحزاب الدينية وكأنها واسطة فيما بينهم وبين الإله، فإن تموقع بعض هذه الأحزاب في قلب التسيير الحكومي، وإخفاقها المرتقب على الاستمرار في الكذب، سيجعل الناس يعيدوا النظر في مثل هذه التفاهات التي كان يقصد بها إلهاء الناس من أجل بلوغ السلطة، وسيدركون بأن تديين السياسة أو تسييس الدين ليس هو الكفيل بحل المعضلات السياسية والاقتصادية والقانونية والمؤسساتية التي نتخبط فيها كمجتمع مغربي.
وهنا أتذكر بالتحديد أزهى الفترات التاريخية التي عشناها، وهي مرحلة الجامعة، كنا حينها طلبة بالجامعة المغربية، وخير ما زالت الذاكرة تحتفظ به ـ وقد تنفع أولي الألباب من هذه الأحزاب الدينية المتواجدة اليوم، والتي كانت مهمتها محاربتنا آنذاك إلى جانب السلطة بكافة أشكالها وأنواعها ـ هو أننا كنا، في تلك المرحلة العمرية والنفسية والعقلية، نعمل على فرز لجان لليقظة داخل الأحياء الجامعية، ومن بين أهم وظائفها كانت وظيفة محاربة الميوعة والدفاع عن الحرم الجامعي.
لذلك، وبدون مزايدات، ولمن يعتبر إن كان فعلا مدركا لمفهوم الاعتبار، الحرية كقيمة إنسانية، هي التعبير الأمثل عن تمكن الفرد من إمكانية اتخاذ قرار أو تحديد خيار من عدة إمكانيات موجودة، دون أي جبر أو ضغط خارجي، وهذا بالضبط ما يهمنا الدفاع والاستماتة في الدفاع عنه مُذْ كُنّا إلى الآن وإلى أن نعبد الطريق أمام أبنائنا ليتمثلوا هذا الفهم للحرية، الذي يعجز منتصرو الأحزاب الدينية على فهمه واستيعابه وتمثله في ممارساتهم وتصرفاتهم وسلوكاتهم اليومية، فيتحولوا بذلك إلى قنابل جنسية موقوتة، لا ترى في الحرية إلا مدلول المشاعة الجنسية.
ومفهوم الحرية يحيل بشكل عام على شرط التحكم الذاتي في معالجة موضوع أو قضية ما، وهو ما يتنافى كليا مع منطق الوصاية التي تعتزم الأحزاب الدينية فرضها على المجتمعات التي تحتل فيها مواقع التدبير والتسيير الحكومي، وهو ما سنكون له بالمرصاد، ولن يثنينا في ذلك أي تخويف أو ترهيب، بل على هؤلاء أن يدركوا أن حجم التضحيات التي يمكن أن نقدمه اليوم هو أكبر بكثير مما قدمناه في السابق في إطار محاربة الاستبداد.
والحرية بهذا المعنى، هي حالة التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه، سواء كانت هذه القيود مادية أو معنوية، أو كانت تسلطا استبداديا أو تسلطا دينيا. فالحرية بالنسبة لنا تشمل التخلص من العبودية أو التبعية المقيدة لشخص أو جماعة ما، كما تفيد التخلص من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض، أو التخلص من الإجبار والفرض بشكل عام.
لذلك، فنحن نتجه مع المجتمع الدولي، بهدف الحفاظ على هذه القيمة، إلى تكريس الحق في مجموعة من الحريات على أساس المساواة، وكذلك حماية الحياة الخاصة للإنسان. وسيدرك من كان أو لا يزال غافلا أن لقيمة الحرية مجموعة من المؤشرات الدالة عليها؛ من قبيل حرية التفكير والتعبير، وحرية المعتقد، وحرية الاجتماع والانتماء، وحرية الاختيار، وحرية التنقل، وحرية الزواج وتأسيس أسرة، وحريات أخرى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة