الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى ناجي العلي

سميح مسعود

2012 / 8 / 3
الادب والفن


كانت مدينة ملاهي الكويت في ذلك اليوم الربيعي مكتظة بالأطفال والأهالي ، تزهو بألعابها، وتنبعث من اقسامها العديدة موسيقي عالية ... توقفت مع أولادي الثلاثة في قسم لعبة "الإنزلاق" المائي ... الإنزلاق فوق سطح الماء الجاري عبر قناة طويلة على درجة عالية من الارتفاع تتدفق منها أصوات المياه ، وهي تنحدر من عل كانحدار السيول الهادرة ... دخل أطفالي الثلاثة هذا القسم ، انضموا الى صف طويل من الاطفال بانتظار دورهم للصعود على سلم الى أعلى نقطة في القناة ... يتوالى عادة حشد الاطفال في هذا القسم ، تمتلئ القناة بهم ، ينزلقون فيها على إيقاع اصواتهم العالية ممزوجة بصوت جريان كميات ضخمة من المياه .

طالعت عن بعد أولاد ي وهم ينتظرون دورهم للصعود الى اعلى القناة ، وجدتهم يتجاذبون اطراف الحديث مع أطفال يقفون على مقربة منهم … في تلك اللحظة توقف بصري عند شخص كان يقف على مقربة مني ، عرفته لتكرار ظهور صورته في وسائل الاعلام العربية ،انه ناجي العلي ،الذي كنت احمل صورته في ذاكرتي لاعجابي بفنه ،ولتقديري الكبير لجرأته في التعبير عن مواقفه الوطنية... اقتربت منه و حييته فبادلني باحسن منها … انتقيت كلمات قلتها له تتناسب مع لقائي بفنان فلسطيني كبير ، عبرت له فيها عن إعجابي برسومه المليئة بالحرارة والصدق والمعاني الوطنية السامية .

هكذا تعرفت عليه بالمصادفة … تجاذبنا اطراف الحديث ، علمت منه انه يزور مع أولاده مدينة الملاهي بين الحين والحين في عطل نهاية الاسبوع … غمرني سرور كبير وهو يحدثني عن اهمية الالعاب في حياة الاطفال ، تابعت باهتمام كلماته عن اهمية إدخال السعادة في نفوس الأطفال … كانت كلماته متاّلفة من غير مغالاة مع فهم الفنان الحقيقي للحياة ، ينسجها من منوال محكم الأوصال، وتعبر عن مشاعر انسانية داخلية هادئة ،وعن قرب الاطفال من قلبه وأحاسيسه العميقة .

تطرقنا في حديثنا بحرارة وانفعال شديد الى أيام ما قبل النكبة في فلسطين ، أعلمني أنه نزح عن فلسطين عندما كان مثلي في العاشرة من عمره ، لديه ولدي الكثير من الذكريات عن أيام الطفولة في فلسطين ، تثير في النفوس البهجة والسعادة ، كان حديثنا عن أيام طفولتنا قبل النكبة على صورة واحدة، عبرنا بها عن لحظات عزيزة غالية تدفء القلوب .

أثرت انتباهه عندما سألته عن قريته الشجرة بالجليل الشمالي ، وهذا هو ما أردت ، حدثني عنها بشغف كبير ، وعاطفة عميقة … وجدتها قابعة في أعماق روحه ، وفي سياق حديثه سألني عن اسم بلدي ، أجبته ان حيفا هي مسقط رأسي ، وقريتي اسمها برقة ، تنحدر منها اسرتي وأهلي و جدودي .

عندما سمع اسم برقة قال لي وقد غلبته نشوة الفرح :
- اهم استاذ لي في مدرسة الشجرة من برقة اسمه حسين الدسوقي ، لم تستطع الأيام ان تمحوه من ذاكرتي ، انه ذكرى مهمة من ذكريات وعيي الأول من الحياة الدراسية في سنواتي الباكرة .

أجبته بحماس واضح :
انه استاذي ايضا ، علمني بعد النكبة في مدرسة برقة ،وهو من أقاربي ، أمه بنت عم والدي وأكن له تقديرا خاصا بين الاساتذة الذين علموني في صغري .

ذكرت له ان استاذنا المشترك كان يحدث طلبته كثيرا عن قرية الشجرة واهلها ، وعن معركتها التي استشهد فيها الشاعر الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود ، وكان يكرر على مسمع من الطلبة بنغمة واحدة لا تتبدل ، قصيدة الشاعر الشهيد الشهيرة " ساحمل روحي على راحتي "، استطاع بها أ ن يرسخ في نفوس وعقول طلابه قاعدة وطنية صلبة .

أسعدني كثيرا استشعار حياة ايامنا الماضية من ذكرى استاذ مشترك لنا …

للأسف لم اتمكن من ابلاغ استاذي حسين الدسوقي بأنه ساهم في تعليم واحد من اعظم رسامي الكاريكاتير في العالم … كان استاذي يعيش في برقة ، وانا اعيش خارج الوطن في منافي الشتات ، وعندما زرت برقة في عام 1995 لاول مرة بعد احتلالها ، كان استاذي قد فارق الحياة ...عدم اخباره عن تلميذه ناجي تثير في نفسي حتى الان قدرا كبيرا من الاضطراب .

قبل سنوات قليلة شعرت برغبة للكتابة عن الراحل الكبير ناجي ، ولا أدري لماذا وجدتني أكتب عن حنظلة ، الذي ابتدعه ناجي في رسومه ، وعبر تعبيرا كاملا عن الحقيقة الخالدة لناجي بعد استشهاده ورحيله … بحنظلة نحس بالأثر الذي تركه ناجي كفنان كبير ، وهو أثر يصعب على الباحث ادراك ابعاده وسبر أغواره لأنه الأعمق في تجربة ناجي الإبداعية .

نشرت مقالتي عن حنظلة في كتاب لي صدر مؤخرا بعنوان " رؤى وتأملات " ونشرتها ثانية في كتاب سيصدر هذه الايام بعنوان " نبضك ما زال فينا " بمناسبة مرور 25 عاما على رحيل فقيدنا الكبير ناجي ، يشارك فيه مجموعة كتاب وشعراء من محبيه .

نعم ، نبض ناجي ما زال فينا بعد مضي سنوات طويلة على رحيله ، لان ناجي يعبر عن دلالات وطنية ، مؤثراتها في رسومه باقية حتى الان ، وهذه معجزة فنية لا مثيل لها في مسيرة أي فنان اّخر ، ستتوالى إيحاءاتها في اذهان اجيال كثيرة قادمة الى ما لا نهاية ، ولن تنالها مخالب النسيان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
طارق قديـــس ( 2012 / 8 / 5 - 06:26 )
رائع يا دكتور سميح .. لقد صدقت فيما قلت وأبدعت

اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي