الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نشأت القصة القصيرة

نافذ الشاعر

2012 / 8 / 3
الادب والفن


الأصل في كتابة القصة هي الرواية الطويلة وليست القصة القصيرة، فكيف تم اكتشاف القصة القصيرة؟
لقد اكتشفت القصة القصيرة مصادفة كأي شيء في الكون نكتشفه عن طريق المصادفة، وذلك من خلال اختصار الراويات الطويلة، حيث يقوم أديب آخر، أو الأديب نفسه صاحب الرواية الطويلة، بكتابة روايته الطويلة بشكل مختصر ومختزل، ويحذف الكثير من العبارات والتعبيرات ويقتصر على المفاصل الرئيسة والعبارات المضيئة في الرواية، مع حذف كل الجمل الشارحة، أو التي كتبت لسد الفجوات فقط..
فلما قرأ الناس هذا المختصرات أعجبت الكثيرين، كما أعجبت بعض هواة الأدب فأصبحوا يقلدون هذه المختصرات، ويحذون حذوها في الأسلوب والتكثيف وبذلك نشأت القصة القصيرة، وهي تشبه إلى حد كبير من يستمع إلى أحد المقرئين للقرآن، أو أحد المطربين المفضلين من خلال "كاسيت"، يسير بأسرع من سرعته الحقيقية في جهاز التسجيل ، فيبدو الصوت أجمل أحيانا ويستسيغه بعض الناس، فيبدأون في تقليده وترسم خطاه وفق هذه السرعة الزائدة على الأصل.

ثم بعد ذلك بدأت القصة القصيرة تتمايز أكثر فأكثر، وبدأت تتضح معالمها وتوضع لها القواعد والضوابط والحدود، فنشأت أربعة أنواع رئيسية من القصة القصيرة هي: القصة التقليدية المسماة القصة القوس، Arc story التي تكون ذروتها في منتصفها ثم يقودنا المؤلف إلى الحل بالتدريج حتى النهاية. أو القصة المكونة من عدد من الذروات كسلسلة جبلية. أو قصة التجلي، Epiphany كما يسميها جيمس جويس، وهي التي تتبلور فيها الفكرة وتتضح في الصفحة أو الأسطر الأخيرة من القصة. والنوع الرابع القصة الحداثية التي تكون الفكرة مسيطرة من البداية للنهاية مفتوحة غالبا، دون ذروة أو تجل، ويطلق عليها flat story.

وهذه الأنواع الأربعة لابد أن تختزل في داخلها جوهر الدراما والخبرة الإنسانية عامة، فهي تركز على لحظة أو يوم، أو سنة، أو حياة كاملة.. تقدم من خلالها المواقف المتوترة أو الساخرة، المرحة أو المأساوية، البديهية أو المعقدة.. وكاتبها عن طريق التكثيف الدرامي والصدق الفني، والجدية والسخرية، يمكنه في زمن وجيز أن يثير القارئ ويمتع المتلقي.

وما يهم كاتب القصة حسب رأي تشيخوف "هل تشده القصة وتصدمه وتمتعه؟ وهل تبعث فيه شعورا بأنه خاض تجربة أكثر عمقا من تجاربه الخاصة؟"
فلا شيء يحدث في حياة الكاتب إلا ويمكن استخدامه في قصة، بل لا أحد من صديق أو عدو أو غريب يرد على وعي الكاتب إلا ويستحق الملاحظة والتفكير.. وهذه هي نقطة البداية، كما يقول الروائي"سومرست موم".
إن عين الكاتب ترى كل شيء بحالة اندهاش وتساؤل دائم، فليس من الضروري أن يبحث الكاتب عن موضوعه؛ فهو كالطفل، دائما في حالة من الحساسية سريعة التأثر بأي شيء. فأي شيء قد يجذب الكاتب ويمسك بخياله ويثير فيض سرده: عبارة سمعها صدفة، صدى حادثة وقعت في شارع، ذكرى ألحت عليه فجأة، رد فعل لحادثة وقعت.. الخ.
وسأضرب مثلا على أمثال هذه الحوادث من تجربتي الخاصة، فمثلا في هذا اليوم حدث معي هذا الموقف الصغير فنسجت من خلاله هذه القصة:

"أجلس على عتبة البيت؛ الهواء يهب منعشا يبعث النشاط في الجسم، أجلس على الكرسي الخشبي وأقرأ بتركيز.. أتعب من الجلوس على الكرسي وأحسس بسخونة الكرسي، أجلس على الأرض، على التراب الأصفر الناعم، أشعر بالراحة عند أول الجلوس، أبدأ في القراءة والتركيز، لكن ظهور نملة كبيرة من تحت المفرش الذي أجلس عليه أفسد هدوئي، تناولت فردة الشبشب الموضوع على شمالي، أهويت به على النملة بضربة شلت حركتها.
عدت للقراءة من جديد، وبعد سطرين أو ثلاثة ألقيت نظرة على النملة فبدأت تتحرك وتجر بصعوبة بالغة رجلها المكسورة المعلقة وراءها، فبدت كجندي جريح أصيب في معركة، ثم أصبح يقاوم الألم الرهيب ليصل ثكنته العسكرية، فشعرت بالندم.
بدأ عذاب الضمير يفسد علي هذه الجلسة المريحة والهواء المنعش الطري، وقبل أن أترك للندم وعذاب الضمير فرصة للتسلل إلى نفسي والاستحواذ علي مشاعري، أمسك بفردة الشبشب مرة أخرى، وأهوي به على النملة الجريحة حتى لم تعد تتحرك أو تجر رجلها المكسورة، فلما خمدت أنفاسها أهلت عليها التراب وعدت للقراءة من جديد.."

فهذه التجارب التي توقعناها وحدثت لنا أو أمام أعيننا، وتلك التي تبرق أمام خيالنا بغير توقع في حياتنا اليومية.. يمكن استخدامها في نسيج قصصي جميل، مهما كانت تجارب تافهة تمر على الكثير دون إثارة للانتباه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا