الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث عن الرجل المناسب..

بن جبار محمد

2012 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


في جزائر منتصف الثمـانينيات رفـع شعــار بــراق يوحي بالحكمــة و لكــن لا يشير الى الجديــة ,في تلك الفترة الزمنية كـانت أطــراف من السلطــة متورطــة الى النخــاع مــع أطـــراف الفســاد في الداخــل و الخــارج بــل و تتقــاسم معــها الريع البترولي و مخـتلف مداخيل المتأتية من الفســاد و المصــادر غير المشروعة و الإجــرامية ..الشعــار هو (الرجل المناسب في المكــان المناسب ), في بدايته كــان شعار المؤتمــر الى أن تبنته السلطة – الحزب و بعدهــا رئيس الجمــهورية في خطــابه الموجه للأمة ,..ولايات الوطن تعج بالمنظرين و الشراح و المفسرين و أصحاب البصيرة و المناضلين في أقصى المناطق الصحراوية و الإعلاميين و الجــامعيين و الطلبة الكــل على طريقته يحــاولون فــك شفرة "الرجــل المناسب ..." رغم كــل ذلك الصخب إلا أن الشعب في غــالبيته العظمى لــم يكترث لهذه الحمــلة و لــم يعطيــها جــانبا من الإهتمام مــادام أن السلطة نفســها فــاقدة للشرعية و لا تمثــل إلا نفســها بــل كــان أحيانا يتنذر بهذه الشــعارات لأنه أكثر خبرة بالواقع المعاش , الواقع الإجتماعي و الإقتصــادي و البيروقراطي و السياسي فضــلا عن الفضــائح و الروائح الكــريهــة التي تفوح من الإدارة و الحزب على ســواء كالسلب و النهب و التعدي و الإختلاســات و الرشــاوى و التلاعب و التربح التي أصبحت العنــاوين الكبرى ليوميات الجزائري و مــاخفي كـان أعظم .
و نجــزم مما لا يدع مجـالا للشك منذ أن رفع ذلك الشــعار , زادت الأوضــاع سوءا و أضحت الكفاءة و النزاهة و نظــافة اليد عملة نـادرة و ليست معــيارا في إختيار الرجــل المنــاسب و إنمــا كــانت بمقتضى معايير أخــرى تمليهــا ظــروف الفســاد و التخــلف ..مما حدا أن نرى الإنحطــاط و الرداءة في الميادين في بلد له مقــومات التقدم و الرخــاء و الإبداع ...و بدأنــا نسمع لأول مــرة مصطلح " هجــرة الأدمغــة " تتداول في الصــالونـات بحذر و إحتشــام و أوهمتنــا السلطة بشــكل من الأشكــال أن هؤلاء لا يحبــون الوطــن و نتـاج غزو ثقــافي و البعض فضــل كلمة " هجــرة الكفــاءات " لمــا فيها من مفهــوم أوسع و أشمـــل .
و فعلا الجزائر عــانت من ويلات الفســاد و لا زالت تعــاني و عــانت من نزيف , اليــوم يأخذ اليوم مجــرى أكثــر مــأسوية , خيرة أبنــاء و شباب الوطــن و كفــاءتـــها فتــك بهــا اليأس لتجد نفــسهــا بين أحضــان عــالم الغرب و أروبا الغربية تحديدا .
عدم وجــود الرجل الجدير في الأمــاكن المهمة و غيرهــا مهدت لمــا هــو أسوء في الجزائــر بعد سلسلة متلاحقــة و متتابعة من التردي الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و التعليمي و الجامعي و مجموعة أخرى منفصلة من الإحباطــات و الإنهيارات و التقهقر و الجمــود لم تشهــد لها مثيلا الى أن وقع الفأس في الرأس وبــها تدخــل في دوامة عنف أستمرت أكثر من عشر سنوات تعداد ضحــاياهــا أكثر من 200 ألف ضحية و مشهد تدميري مرعب للممتلكــات نــاهيك عن الأضرار الإجتمــاعية و الإقتصــادية و الهيكلية لا نزال نتجرع مضــاعفــاتها .
كــان سؤال المدخــل و أنا أهم بكتابة هذه المقــالة أنــه كيف يمكــن لبلد مثل الجزائر قــدم للعالم ثورة مجيدة و مــواكب للشهداء وأصبحت مدرســة طلائعية في تــكوين و صنع رجــال عظــام أن تعيش هذا التردي و هذه الوضعية ..؟
الثــورة التحريرية الكبرى بقــدرت مــا حررت الوطــن من الإستعمــار الغاشم و بقــدرما حررت الإنســان الجزائري من العبوديــة فهي بالموازاة مدرسة حقيقية خــّرجت رجــالا غــرست فيهم روح التضحية و النضال و التفاني في العمــل و الحب و الإخــلاص للوطـــن .
في سياق كــلامنــا , كنت قد أطلعت قبل فتــرة وجيزة على وثيقة تــاريخية عمــرهــا مــا يقــارب 50 سنة أي بعد إستقلال الجزائر بخمســة أشــهـر و تحديدا يوم الأربعــاء 10 ينــاير 1963 ..هذه الوثيقة مكــتوبة على شــكــل عريضــة موجــهة الى الجــهــات المسؤولــة , يطــالب فيهــا مجــاهدي المنطقــة تعيين "فـــلان" من مدينة بعيدة , كــان رفيق الدرب و الكــفاح و قــد أظهــر كفــاءة في التسيير و الإدارة على أن يولى منصب الحــاكم في منطقتهم ...الخ رغــم أن "المنطقة" مــوغــلة في القبلية و العشــائرية سيئة السمعة منذ القدم و لا يمكــن لغريب عن أبنــاء المنطقة أن يبيت ليلة واحدة في تلك المناطق نــظرا للصراع القبلي المحتدم و العقلية المتحجــرة .. أنهيت الرســالة و أنــا مندهش كيف أن الثورة أختـــارت الكفاءة وعلمت القيم السامية دون أن تلتفت لأي إعتبار قبلي أو عشــائري أو على أساس المحــاباة أو من يدفع أكثــر .
بعد أيــام ستتشــكــل حــكومــة تنبثق من الأغلبية البرلمــانية مــا يتمنــاه الشعب الجــزائري هي الكفـــاءة و النزاهـــة في إختيـــار ولاة أمــورنــــا حتى تتجســـد المقــولة –الشعــار : الرجـــل المناسب حقـــا للمــكان المنـــاسب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه القاعدة لم تتخلف ابدا في سياساتنا.. و لكن
أحمد التاوتي ( 2012 / 8 / 5 - 01:32 )
تحياتي أخي محمد
الرجل المناسب كان دائما في المكان المناسب و بالوقت المناسب، و لكن بمنظار و بمنطق الجهة التي تعين و ليس بالضرورة بمنطق الكفاءة
أيضا، في السنوات الأولى للاستفلال كانت الكفاءة قليلة و مطلوبة من الجميع..، و عندما -ابتذل - التكوين و الاعداد للجميع بديمقراطية التعليم، و أنا لا ادين هذا بل أراه مكسبا جوهريا لنا، فان حليمة عادت الى عوائدها القديمة لنسقط في اعتبارات القرابة و الجهوية و العروشية من جديد
و الآن، و لعل تاخر تشكيل الحكومة يعود الى المفاوضات و المساومات و المزايدات الخاضعة لتلك المقاييس اياها
نرجو خيرا على كل حال
احتراماتي السحورية استاذي الكريم

اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟