الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات العراقية... منتصرون ومهزومون

خالد صبيح

2005 / 2 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رفعت احتفالية الابتهاج التي رافقت العملية الانتخابية التحدي عنوانا رئيسيا لها لمواجهة من عادى العملية الانتخابية وراهن على فشلها، ومن المؤكد ان إقبال المواطنين وحماسهم للمشاركة دلل على اهتمام ورغبة حقيقيين في تدشين مرحلة نقيضة وبديلة للمراحل والصيغ السياسية الرديئة التي رافقت الحياة السياسية في العراق على مدى تاريخه المعاصر. ولكن هل كانت تلك التظاهرة الابتهاجية هي تجسيد لهذه الدعوات المعلنة حقا أم إن لها نوايا وتعابير أخرى؟

بالتأكيد ستكون الإجابة على هذا التساؤل ،خارج إطار تعبير الفرح العفوي للمواطنين، هي النفي. لان الشوائب التي رافقت العملية الانتخابية، من تلاعبات وضغوط وتزوير وتحريض، دللت على إن هناك من كان يريد تحويل تلك الممارسة السياسية الحضارية إلى مناسبة ومدخل لخلق وتعزيز نفوذه وتقديم أجندته ورؤاه على حساب كل القيم المعلنة والمبتغاة من وراء هذه العملية، كالوحدة الوطنية وتأسيس دولة القانون والمواطن. ولم يخف عن العين المجردة، بهذا الصدد، التضمينات التي حوتها مهرجانية الابتهاج التي أرادت أن توصل رسائل وإيحاءات غير متسقة مع الطرح السياسي الرسمي المنادي، بإلحاح، على ثوابت وطنية وسياسية واجتماعية معترف بها من الجميع. فقد عبرت فعاليات الابتهاج ومارا فق العملية من ضجيج وكذلك نوع الهتاف والشعار الذي ارتفع بشكل محسوس،عن حس طائفي لدى الشيعة وقومي لدى الأكراد بشكل يجعله يتعارض مع الحس الوطني الذي ينظر للعراق وطنا شاملا. وقد تجسد هذا الشيء ببعض الممارسات المشينة التي رافقت العملية الانتخابية لاسيما من قبل القوميين الأكراد كاستفزازهم لبعض الناخبين من القوميات الأخرى وإلاصرار على تبريز الحضور الكردي في تفاصيل الفعالية الانتخابية، وصولا الى محاولة تكريس وإظهار ان الانتخابات، وليس فقط نتائجها، هي نصر للأكراد. فرفعوا بدلا من علم الوطن العراقي أعلام دولة مخفية في مجاهل النوايا ومتخفية وراء ادعاءات وشعارات الوحدة الوطنية. وعموم السلوك المقصودة والممارسات المقصودة أوحت بقوة بما يراد تصويره على أن ماجرى هو انتصار للأكراد على العرب بالدرجة الأولى من غير أن يبتعد عن توسع دائرة الصراع، الذي يخوضه، بتطرف، القوميون الأكراد المعادين للجميع، ليزج في دائرته قوميات الوطن الأخرى، كلدان وتركمان. كذلك لا تبتعد عن ذات الإيحاء مسيرات الفرح المبالغ فيها في شوارع المدن الكردية، بعد إعلان النتائج، ورفع صور مسؤولين حزبيين أكراد، في عودة لايام (القادة التاريخيين) سيئة الصيت معيدين بهذا لذاكرتنا ذكرياتها الطازجة بتمجيد الحكام وتاليه قادة بشر تعلق بهم شوائب الدم وشهوة السلطة. ولم يبتعد كثيرا الشيعة أو القوى الإسلامية من خلال مؤيديها وإعلامييها من إبراز ذات المضمون ولكن بشكل طائفي فصوروا الأمر ـ كثفت هذا الانطباع غالبية مداخلات فضائية الفيحاء ـ وكأنه نصر للشيعة على السنة أو الانكشاريين كما يطلقون عليهم. غير ان الاختلاف بين الشيعة والأكراد في طنين الابتهاج هو إن الاحتفالية الشيعية كانت خافتة ومظاهرها ابسط واقل ضوضاء وربما يعود هذا إلى أن الشيعة ليسوا دعاة فرح وابتهاج ويعبرون عادة عن مواقفهم (باللطم) وليس بالرقص. فغاب الابتهاج الشيعي عن الظهور من غير أن يغيب التشفي.

إذا أردنا أن نأخذ الأمور من زاوية نظر المبتهجين بنصرهم الانتخابي فإننا سنرى أنهم قد انتصروا فعلا. فطائفيو الشيعة انتصروا حقا على طائفيي السنة الذين طالما غيبوا الشيعة بدوافع طائفية عن نيل حقوق مواطنية وسياسية مشروعة. والقوميون العنصريون الأكراد انتصروا فعلا على الشوفينيين العرب الذين اضطهدوا بشدة أبناء القوميات الأخرى. ولكن دائرة الصراع هذه ليس لها في واقع الحال أي رابط أو وشيجة مع هموم الوطن ولا مع الشعارات المعلنة للقوى السياسية التي تدعي التمثيل لهؤلاء. وهذا الصراع هو في حقيقته صراع ديكة غير مثمر وسوف لن يفيد حتى أصحابه، بل انه، وهذا أكيد، سيضر بخيوط الروابط التي تنسج ثوب الوطنية العراقية. حيث سينمو، بلا شك ومن نفس الأرضية والمنطلق، هاجس الرد عند طائفيي السنة وشوفينيي العرب لهدم بهجة انتصار الخصوم ولخلق بهجة انتصارهم الخاص.، عندها سيكون الصراع الانتخابي صراعا لقوميين متعصبين ولطائفيين غلاة ولا يقدم للوطن وناسه سوى مرارات جديدة محتملة. وقد يجد هذا الصراع السياسي صدى اجتماعيا ينذر بمخاطر كبيرة. وبهذا سينتقل الصراع منحرفا عن شكله الإنساني والأخلاقي الذي يسعى لدفع عجلة بناء الدولة والمجتمع وتقدمهما، إلى دائرة التناحر والأحقاد.

وهي دائرة جهنمية ستورث مزيدا من الخراب بكل تاكيد، وحين يحل الخراب سوف لن يكون هناك من يقدر على الابتهاج حينها.!
السويد
16-2-2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10 سنوات من الحرب.. أطفال اليمن، أجيال مهددة بالضياع!


.. ماكرون يقامر بانتخابات مبكرة... هل يتكرر سيناريو ديغول أم شي




.. فرنسا: متى حُلّت الجمعية الوطنية في تاريخ الجمهورية الخامسة


.. مجلس الحرب الإسرائيلي.. دوره ومهماته | #الظهيرة




.. هزة داخلية إسرائيلية.. وحراك أميركي لتحقيق الهدنة | #الظهيرة