الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجون في المغرب شبيهة بجهنم

محمد سعيدي

2012 / 8 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



يضطر البعض النوم في المرحاض. انعدام الحدود الدنيا فيما يخص التهوية واختلاط المدخنين بغير المدخنين ، مما يجعل الوضعية شبيهة بجهنم.
شبيهة بجهنم .. لم يقلها من يطلق عليهم العدميون و دعاة التيئيش وما إلى ذلك. هذا التشبيه أتى به تقرير اللجنة البرلمانية على إثر الزيارة الاستطلاعية التي قامت بها لسجن عكاشة الدار البيضاء، يوم الخميس 24 ماي 2012. وأعضاء اللجنة محقون في ذلك، هم الذين قرأوا عن عذاب القبر وأهوال جهنم في الكتب التي تعج بها خزاناتنا، وناموا لحظات في قاعات البرلمان المريحة، وزاروا بعض الفنادق الفخمة ببلادنا، إن لم يدخلوا قصور بعض الملوك والرؤساء.. إنهم قادرون على إقامة المفارقة.
كان لابد من استشهادات وإضرابات بطولية (حالة عز الدين الرويسي)، والكثير من تضحيات العائلات والمناضلين، وكثير من النداأت والتقارير في القنوات الأجنبية والرسائل إلى القصر وإلى الدوائر الاخرى كي يتحرك البرلمان عبر لجنته لتفقد حقيقة على أرض الوطن إسمها السجن الموت البطيئ، ويوثق ما كان يعرفه الجميع منذ زمان.
من بين ما جاء في التقرير أن سجن عكاشة الذي يعد من أكبر السجون (7572 سجين أثناء ازيارة)، استغرق بناؤه 13 سنة (من 1979 إلى 1991)، وفي 2010 أي بعد 20 سنة كان لابد له من ترميم وتجديد، وأكثر من ذلك أن الجناح 4 الذي كان يضم قبل الزيارة 3200 سجين يوجد في حالة جد سيئة ومهدد بالانهيار.. ما أطال سنوات البناء، هل جودة الأشغال أم صعوبة الفطام عن حليب الميزانية؟.
وصفت اللجنة حالة الاكتضاض وغياب النظافة والأفرشة والأغطية والمراحيض بدون أبواب داخل الزنازن، والخلل العقلي عند بعض السجناء الناتج عن ظروف السجن والذي يعلمه الحراس. وأيضا الخلط بين الأحداث والراشدين وبين السجناء متفاوتي الجنح مما ينتج التعرض للاحتكاك والابتزاز والتحرش والاعتداء والغصب على ممارسة الجنس ( هذا كلام اللجنة)، وذكرت أن كل شخص لا يتوفر حتى على 1 متر مربع و20 سم في حين المقاييس الدولية تتطلب تسعة أمتار أو أكثر.
وجاء كذلك أن الحق في السلامة الجسدية غير مضمون مع المقاربة التأديبية والتعامل بالقسوة والشدة واستعمال التعذيب في حالة ارتكاب أية زلة هي الطاغية في السجون، وأن المنطق الغالب في السجن هو كل شيء مباح لمن يدفع أكثر ، وأن الرشوة وسلطة المال هي العملة السائدة حسب شهادات السجناء.. هذا إضافة إلى شبه غياب للحمام وسوء التغذية، حيث المعدل اليومي لتكلفة كل سجين يقل عن عشرة دراهم.
ما ذكر يدفع للتساؤل عن حالة 14 سجنا شيدت قبل منتصف الخمسينات، إذا كانت أجنحة هذا السجن الحديث البناء مهددة بالانهيار(انتهاء الأشغال في 1991)؟ وعن حالة باقي السجون خاصة النائية منها، إذا كانت هذه حالة سجن لا يبعد عن العاصمة إلا حوالي 100 كلم؟ وللعلم فإدارة السجن رتبت الكثير من الأمور قبل الزيارة حتى لا تطلع اللجنة على كل الحقائق.
أما السؤال الأكبر هو ماذا بعد التقرير؟
بنهاشم قام بترقية الموظفين المتهمين بارتكاب الجرائم داخل السجن، ومع ذلك خرج يهدد المخالفين من العاملين داخل مندوبيته، مما يبين أن السهام ربما تتجه إلى الذين لايسايرون المنهجية الإجرامية المتبعة داخل السجون كي يكونوا أكباش فداء، ولا يمكن انتظار العكس من خريجي مدارس الرصاص. أما بنكيران الوزير الأول الذي أصبحت المندوبية العامة للسجون مديرية تابعة له، وزعيم الحزب الأول وصديق المقاومة الفلسطينية وأنصار سلام الصهيوني، يبدو أنه مازال منشغلا بالبحث عن الفوائد الباطنية للزيادة في أسعار المحروقات أما ماظهر فلم يسعفه الحظ.
السجن فعلا آلة للقمع وإخضاع المجتمع للنظام القائم ولن يتخلى عنها، لكن هذا ليس مبررا لتأجيل معركة المعتقلين وخاصة السياسيين منهم من اجل تحسين أوضاعهم؛ فانتزاع أي مكاسب في هذا الباب ترفع معنوياتهم ومعنويات عائلاتهم ورفاقهم الذين ينتظرون دورهم كواحد من المصائر المحتملة. هذه المعركة ضد النظام تفضح حكومة الواجهة التي ما انفكت تردد أنها سيدة نفسها وتمتلك السلطة الفعلية، وكذا الأحزاب التي لم تمل من تكرار محاولة إقناع الناس أن إصلاحا قد حصل... هذه الأطراف هي شريكة فيما يقع الآن ويحاك ضد الشعب المغربي.
في ظل الظروف التي يعيشها المغرب، فالسجن عاجز تماما عن إنجاز حتى ما يضعه النظام من اهداف ك إعادة التربية ، وبالتالي خفض مستوى الجريمة. لأن هذه الأخيرة مرتبطة أولا بالوضع الاجتماعي الذي أنتجها، ولأن أجهزة النظام لا تقدم أي نموذج يحتدى ل إعادة التربية . فالمعتقل يتعرض للابتزاز لتقديم الرشاوي ابتداء من التحقيق داخل مخافر الشرطة الى المحاكمة و أثناء قضاء عقوبة السجن، فكيف يمكن محاربة الرشوة مثلا عبر هذه الاجهزة؟ واذا كان من ادعاءاتها انها تحارب مثلا السرقة والاعتدإات الجنسية، هي نفسها تمارسها، وهناك حكايات كثيرة ذات مصداقية عما يصاحب مطاردة المحتجين واقتحام البيوت واستنطاق المعتقلين وحراستهم داخل السجن. وهي نفسها التي يدعي النظام أنها لحماية المواطن من الاعتداأت الجسدية، وتمارس بصفة منهجية داخل مخافر الشرطة وداخل السجون ما يمكن تسميته بلغة قانونية بسيطة الضرب والجرح والمفضيان أحيانا إلى الموت . لكن القضاة الذين يرون آثار هذا التعذيب ويسمعون شهادات بعض المعتقلين، لايتجرؤون على فتح أي تحقيق، وعوض إطلاق السراح لوجود عيوب في المسطرة، فإنهم يزكون هذه الممارسة باعتمادهم فقط على المحاضر الموقعة تحت التعذيب، ولايملكون الوقت في غالب الاحيان حتى للاطلاع على باقي وثائق الملف. إنها إجمالا أجهزة متعفنة غير قادرة على إصلاح نفسها وغير قادرة على إصلاح بعضها البعض.
للاسف فوضع السجون المغربية كما هو الحال بالنسبة للاحداث والمواجهات التي شهدها المغرب مؤخرا لا يحتل المكانة اللائقة في الاعلام الدولي لأسباب متعددة، منها أن الدم البشري في شمال أفريقيا والشرق الأوسط أصبح رخيصا جدا وبعض القنوات لا تلتفت إليه إلا حين يكون بالآلاف…

محمد سعيدي
2012.08.01








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا