الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صمام أمان القومية العربية مربوط بأيدي حماة الديار

تميم منصور

2012 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لا يخفى على أحد بأن سوريا دولة عسكرية ،تمتلك ترسانة من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية كي تتمكن من الدفاع عن نفسها،لأنها غالبا ما كانت محاطة بدول معادية لها ،فمذ قيام دولة إسرائيل لم تتوقف أعمالها العدوانية ضد سوريا،وهي لا تزال تحتل قطعة من أراضيها ،كذلك تركيا العضو في حلف الأطلسي وحليفة إسرائيل التقليدية لم تتوقف عن الإعلان عن نواياها التوسعية على حساب سوريا ، فلم تكتف بسلب لواء الإسكندرونة العربي السوري ، بل تطمعع دائما ً في مناطق سوريا القريبة من حدودها ، خاصة منطقة طرطوس ومنطقة بانياس وغيرها .
اما في الشرق والجنوب فان سوريا محاطة بدولتين عربيتين هما العراق والاردن لكن الأحداث أثبتت بأن هاتان الدولتان تحولتا أكثر من مرة إلى نقاط وقواعد تنطلق منها قوى معادية لسوريا ، فالعراق لا زال العوبة بأيدي واشنطن خاصة بعد وقوعه تحت الاحتلال منذ سنة2003 ، كذلك الاردن فإن واشنطن تستخدمه خنجراً تطعن به سوريا كلما أرادت ذلك.
هذه الأخطار وغيرها دفعت سوريا الدولة تخصيص نسبة كبيرة من ميزانيتها للدفاع، كما أنها منذ أن حصلت على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي عام 1946 وهي تفرض على أبنائها التجنيد الإلزامي لمدة سنتين هذا من شأنه جعلها تملك جيشاً كبيراً قدر عدد النظامي فيه 650 الف جندي وما يزيد عن مليونين من الاحتياط – هو الجيش العربي الوحيد الذي يطلق عليه جيش عقائدي ويعتزون بهذا الواقع - .
من بين التطورات التي أحدثها الرئيس بشار الأسد منذ توليه السلطة ، كانت النهوض باقتصاد بلاده حسب تقرير الأمم المتحدة ، فقد تضاعف الإنتاج القومي في البلاد ، فسوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي يوجد لديها إكتفاءاً ذاتياً في الكثير من الموارد المعيشية الضرورية والهامة ، كما ان فترة حكم بشار الأسد شهدت قفزة نوعية في حركة التصنيع المدني والعسكري ، وهذا بدوره وضع سوريا في المسار الصحيح ، تم ذلك رغم الحصار الذي فرض عليها منذ عشرات السنين من قبل امريكا وحلفائها والعديد من الأنظمة العربية الرجعية ، رغم هذا الحصار الشديد استطاعت سوريا بناء نفسها ، كما ان هذا الحصار لم يردعها عن الاستمرار بالوقوف وراء المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، ولو تخلت عن هذا المبدأ لاختلفت احولها كما هي عليه اليوم .
سوريا تقوم بذلك ليس لأنه يوجد لديها أطماعاً إقليمية أو اقتصادية عند أحد، انها تفعل ذلك لأن هذا هو معدن الشعب السوري و طبيعته القومية والوطنية .
آمن هذا الشعب دائماً بخيار العروبة كإطار وإجماع قومي وحدوي ، هذا الخيار متجذر في قلوب السوريين من مئات السنين ، لقد بدأه الخليفة عبد الملك من دمشق ، عندما أمر بتعريب دواوين الدولة الأموية كما أمر لأول مرة بصك النقود وجعلها عربية ، فبدأ التداول بالدنيار العربي بدلاً من النقد البيزنطي والفارسي .
في العصر الحديث يعود الفضل للسوريين بأنهم أول من نادى بوحدة عربية شاملة – من الشام الى يمن ومن مصر فتطوان – نعم لأول مرة أضاءت هذه الكلمات ظلمات التمزق والتفرقة ، أضاءها الشاعر السوري " فخري البارودي " رددها وراءه جميع أبناء سوريا الكبرى في عهدي الانتداب الفرنسي والبريطاني ، ولا زالوا حتى اليوم يرددونها .
انطلقت هذا النداءات من قلب الشام قبل أن ترى عيون الحمدين ومعهم حكام ليبيا وتونس الجدد ، قالها " البارودي " عندما كان عربان وأجلاف آل سعود لا زالوا حفاة عراه يمسكون بذيول الإبل كي ترشدهم على الطرق التي كانوا تائهين بها .
فضلت سوريا انتماءها القومي على انتمائها الإقليمي ، ولها الفضل في إيقاظ حركة القومية العربية من خلال الشعارات والثوابت التي تبنتها الأحزاب والحركات السياسية التي ظهرت على الساحة السياسية قبل الاستقلال ، في مقدمة هذه الأحزاب حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي ، يجب أن نعترف بان سوريا العرب سبقت مصر في هذا المجال ، فحزب الأخوان المسلمين وحزب الوفد والأحرار والدستوريين وحتى الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل لم يتحدث عن وحدة عربية ، لقد سارع الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بملء هذا الفراغ وبادر إلى فك أسر مصر من عزلتها القومية ، وقام بضخ دماء القومية العربية في عروق أبنائها حتى أصبحت في حقبة حكمه رائدة لهذه الأمة ، وقد قال الكاتب ناصر الدين النشاشيبي في احد كتبه أن جمال عبد الناصر استطاع أن يفرض العروبة على شعب مصر بحد السيف .
لكن كل هذا لم يمنع بأن تبقى سوريا هي السباقة في رؤيتها وتقديرها لأهمية الوحدة العربية على أسس قومية وطنية بعيدة عن الإقليمية والطائفية والعشائرية ، وما نشيدها الوطني الذي عرف منذ الاستقلال سوى شهادة على تاريخ سوريا العظيم ، هذا النشيد الذي كتبه الشاعر السوري " خليل مردم بيك " الذي ترمز كل كلمة من كلماته إلى وحدة العرب دون ذكر سوريا كما هو الأمر بالنسبة للأناشيد الوطنية في غالبية الدول العربية والغربية ، هذا النشيد لا يشير إلى سوريا وحدها بل يرمز إلى الإمبراطورية العربية زمن الوليد بن عبد الملك وفاتح الأندلس ويشير إلى هارون الرشيد في عصر العرب الذهبي .
لم يذكر هذا النشيد الرموز الوطنية السورية الحديثة ، أمثال يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي ومشيل عفلق وشكري القوتلي وخالد بكداش وغيرهم ، لم تحصر التطلعات الوطنية والقومية للشعب السوري في حدود سوريا فقط ، ولا حتى داخل حدود سوريا الكبرى ، هذا يعكس موقف الشعب السوري الذي يأبى إذلال النفوس في سوريا وفي كافة الأقطار العربية .
هذا الشعب لم يتأخر في مد يد العون والدعم المعنوي والمادي قدر استطاعته لكل حراك شعبي وطني حدث داخل الأقطار العربية في السنين الماضية ، وقد أكد هذه الظاهرة الوطنية المميزة المؤلف " عبد الوهاب الكيالي " في كتابه (تاريخ فلسطين الحديث) يشير الكيالي بأن القنصل البريطاني في مدينة دمشق بعث بتقارير عام 1882 إلى لندن ابلغ حكومته من خلالها عن تجاوب وتضامن العرب في سوريا وفلسطين مع ثورة أحمد عرابي التي قامت في مصر في تلك السنة للتخلص من النفوذ الأجنبي وللتخلص من نير الاحتلال العثماني ، أشار القنصل في تقريره إلى الهياج الشعبي الذي وقع في كل من دمشق والقدس ويافا تأيداً للثورة العرابية وإستنكاراً للتدخل البريطاني في مصر لإنقاذ حكم الخديوي ومنع المساس بهيبة السلطان عبد الحميد .
وفي سنة 1884 بعث القنصل نفسه بتقرير مشابه إلى حكومته وصف فيه ردة الفعل في كل من سوريا وفلسطين لدعم ثورة المهدي في السودان التي قامت لتخليص هذا البلد من الوصاية المصرية البريطانية ولنيل الاستقلال ، يشير القنصل بان هذا التضامن جاء رغم أن العرب في كل من سوريا وفلسطين لم يؤمنوا بالجانب السلفي الديني المتزمت من حركة المهدي ، بل جاء هذا التضامن لأن هذه الحركة التي قادها المهدي لمصلحة الشعب العربي في السودان الذي تربطه مع الشعب السوري روابط قومية .
هذه صفحة واحدة من صفحات تاريخ سوريا المشرق ، لكن بسبب دورها الريادي هذا لم تتوقف محاولات أعدائها من النيل من الشعب السوري لثنيه عن مواقفة الراسخة ، المؤامرة التي تحاك اليوم ضد سوريا لتدمير وحدتها واقتصادها ومصادرة عروبة شعبها هي من أخطر المؤامرات التي واجهتها سوريا حتى الآن ، لأن أعداءها يعتبرون معركتهم ضدها حاسمة ، لأنها صمام الأمان الذي يمنع تنفيذ مؤامراتهم ، إننا على يقين بأن مصير هذه المؤامرة هو الفشل لأن الجيش السوري أعد لمعارك اكبر وأكثر شراسة من المعركة التي يخوضها ، فهو يسحق كل يوم المئات من مرتزقة الحريري واردوغان والعبدلين والحمدين وغيرهم ، حقاً أنهم حماة الديار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟


.. مسؤولون أميركيون: إسرائيل عقبة أمام مستقبل المنطقة.. فهل تُغ




.. الردع النووي ضد روسيا والصين.. الناتو ينشر رؤوسا مدمرة | #مل


.. الحجاج يواصلون رمي الجمرات وسط حر شديد | #رادار




.. شبكات | 20 لصا.. شاهد عملية سطو هوليوودية على محل مجوهرات في