الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع يجتر الجيفة

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2012 / 8 / 4
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


هل يمكن أن تختصر لي ما تقوله الروايات التي صدرت حتى الآن عن مجتمعنا المحافظ والمتدين؟! لا أستطيع... لكني سأحاول.
يُحكى أن هناك أربعة شباب من مجتمعنا المحافظ والمتدين، سافروا وعندما استقروا في شقتهم السكنية في بلدٍ سياحي، صلُّوا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بحكم السفر، وكان أحدهم متأخراً في الوضوء فلم يدرك معهم الصلاة، وعندما انصرفوا قام مكانهم في طرف الصالة وكبَّر تكبيرة الإحرام، وفي أثناء صلاته سمعهم يتصلون بالقوَّاد، وعندما ذكروا أنهم ثلاثة، ويريدون ثلاث بائعات هوى، صرخ مسبحاً في وسط الصلاة، وعندما نظروا إليه في ركن الصالة، أشار لهم بأصابع يديه أنهم أربعة، كي لا ينسوه، وواصل صلاته دون أن يقطعها!!!.
هل تكفيك هذه الحكاية لتأخذ تصوراً عن مجتمعنا المتدين والمحافظ؟ أجاب السائل بقوله: هذه خيالات لا تمثل الواقع، ثم انصرف من عندي غاضباً... ليعود إليّ بعد أيام فيقول: ذهبت لأحد المجالس، وهناك شاب لم يتجاوز الحادية عشر من العمر، دخل ودَلَّة القهوة بيده اليمنى، ويناول الحضور فناجيلهم باليسار، لأفاجأ بتلك الهجمة الغير متوقعه من والد الشاب، وبقية الحضور، لهذا الخطأ الفظيع الذي اقترفه الشاب بحق الموجودين، وبحق التقاليد والأعراف القبلية والدينية عندما أسقاهم القهوة بشماله، وعندما أدرك الشاب هذا الجرم الحاصل في حق قيم مجتمعه، كرر اعتذاره، ووجهه يقطر عرقاً من الخجل، انصرفوا عن مهاجمته، مذكرينه بأن خطأه هذه المرة مغفور، لأنه جاهل بفداحته، وسيغفرون له هذه السقطة، ثم انصرفوا لأحاديثهم، ليبادر أحد رجال المجلس وهو يطلب من ابن عمه أن يحكي للحضور كيف استطاع بالكذب والرشوة أن ينهي إحدى المعاملات الخاصة بهم، فاسترسل ابن العم وهو يتفاخر بين رجالات المجلس بأساليبه في الكذب والتدليس بشكل مقزز يصوَّر لك كيف قد تحول هذا الشاب إلى كيس نفايات لكل صفات النفاق الظاهرة والباطنة، وبعد ذلك تفاجأ أكثر، ببقية الحضور وهم يشيرون لبعضهم بالإنصات، فكيف يتجاهلون من هو مضرب المثل في (قيم الرجولة وعلومها).
تُصِرُّ على الاستئذان من هذا المجلس، فتسمع الصرخات عن يمينك وشمالك، تدعوك للجلوس، فتضطر أن تستجيب، لينتقلوا إلى شتيمة إحدى الجنسيات، لأنها من أنجح الجنسيات في تحقيق عائد مادي سريع من عملها التجاري داخل البلد، لتفقأ أذنك بتحليلاتهم الحاسدة والمهزومة، ليكشفوا لك سر هذا النجاح في نظرهم، والعائد لجمال نساء هذه الجنسية، وأن رجال هذه الجنسية بالذات، مشهورين باستخدام نساءهم للحصول على عوائد مالية مجزية، هي سبب ثراءهم ونجاحهم المالي السريع، لتتقاطر أيضاً الحكايات المختلقة المؤيدة لمثل هذا الطرح، ليقطع حديثهم قول أحدهم: ( إلا على طارئ الحريم، ذكرتموني بكروت دعوة الزواج للذين لم تصلهم) لينتقلوا إلى موضوع الزواج وكيف أن أحد بني جلدتهم زوّج ابنته بمائة وخمسين ألف ريال، ليتذمر البعض من هذه المغالاة، فيوضح البعض الآخر أن عمرها ثلاثة عشر عاماً (وتستأهل)!!!، وعندما حاولت أن أوضح بشاعة هذا الزواج، حوقلوا من توضيحي، فظننتهم يؤيدون ما تصورته، لأسمع أحدهم يستدرك بعد الحوقلة بقوله: (يا أخي الزواج شرع الله، وبعدين من يلوم أبوها، لقد أخذ فيها فوق مائة وخمسين ألف)، لتسمع صرخات الحضور من هنا وهناك، تردد بصوت مكرر: (يلعن أبو من لامه، مائة وخمسين ألف مرَّة واحدة، بس تستأهل الموزة) ليضيف آخر موضحاً أكثر: ( يا رجَّال هذا أخذ ديتها ثلاثة أضعاف، وبعدين في الأول والتالي، هذا عار وستره بالزواج، وكسب مئة وخمسين ألف ريال، الدنيا حظوظ والله أعطاه.... حلال عليه) ليغمزك أحدهم بقوله: (بلاشي حسد) فتستعيد في ذاكرتك أوصافهم الكاذبة لإحدى الجنسيات التي تتكسب ببيع نساءها، فكيف بمن يبيع طفلته علناً وبسعر يستجلب الحسد في نظرهم.
تقرر جازماً أن هذا المجلس مقزز بما فيه الكفاية، فتقوم باحثاً عن صاحب الضيافة طلباً للاستئذان، فتضطر أن تنتقل لغرفة أخرى، مجاورة للمضافة الرئيسية، فترى مجلساً مختصراً فيه بعض الشباب تسألهم عن صاحب الدار، فيشيرون برؤوسهم أنه غير موجود، فتقرر أن تبقى معهم إلى حين عودته، لتستأذن في الخروج من منزله، ولتشكره على كرم الضيافة التي ذبح فيها ما يزيد عن أحد عشر رأساً من الخرفان السمينة، لكنك وأثناء قعودك تستمع لهؤلاء الشباب عرضاً: فإذا بهم مبهورين ومشدودين لأحدهم وهو يفاخر بمغامراته الجنسية في عالم الفتيات، فيقاطعه أحدهم وهو يتلمظ غيظاً على إعجاب المجموعة، ليحكي لهم عن مغامراته التي تجاوزت مغامرات صاحبه، فيبدأ باستعراض قدراته في الجمع بين ممارسة اللواط بأمثاله، وإغواء الفتيات، ليفجعك إعجاب المجموعة به، باستثناء شخص واحد بدأ يشكك في صدقيَّة المتحدث، فيداخل آخر: بأنه يعرف فلان وأنه فعلاً (يأكل الأخضر واليابس)، فتعود المجموعة الصغيرة إلى بطلها تستزيده من تجاربه الثريَّة في اللواط والزنا، وليضيف أحدهم: ( يا خي كأنك عايش في بريطانيا)، ليجيب بغضب: (ليش يا بو الشباب تحسبني شاذ، أو مركِّب أقراط في أذني، أنت نسيت من أنا.... احترم نفسك، وقدِّر الرجال) فيعود خجلاً من وصف صاحبه بأنه كمثليي بريطانيا، وأنه فعلاً لا يثمِّن الرجال.
عندها تقرر الخروج بلا استئذان من صاحب المنزل، الكريم جداً في ضيافته العامرة، لتفاجأ به عند باب المنزل وهو يصفع السائق، والسائق يكرر على صاحب المنزل: (خلاص بابا ما فيه مشكله) وعندما تتدخل لتهدءة صاحب المنزل، يرد عليك ويقول: ( تأخرنا عليه بالراتب شهرين، فصدَّق نفسه السوَّاق وبدأ يتمرد علينا)، فتذهب لا تلوي على شيء، صامتاً، خائفاً، تستعيد ذكرياتك إبَّان عملك في الغرب، فتتذكر زوجتك وهي تقود سيارتها من وإلى مدرسة الأطفال لتوصل أبناءها، وتتذكر صديقك ديفيد، وزوجته ماريا صديقة زوجتك، وكيف اجتمع أصدقاءهم جميعاً رجالاً ونساءً لمواساة ماريا في محاولة اغتصاب حصلت لها، وكيف أن المرأة المغتصبة في بلدك المحافظ المتدين، ستواجه مصير الطلاق، أو القتل تحت مبررات غسل العار، وفي أقل الحالات تسمع فحيحاً يقول: (اخسرها بنت الحرام... كانت مشتهية لكن مستحية) وليبق المغتصب طليقاً يبحث عن ضحية أخرى...
تتساءل بينك وبين نفسك ما السر في كل هذا، من (دلَّة القهوة وجريمة سكبها بالشمال) وصولاً إلى (اخسرها بنت الحرام... مستحية مشتهية)، مروراً بزواج ذات الثلاثة عشر ربيعاً؟!!؟!.
عندها لا يسعك إلا أن تتجه لأحد الكهول الحكماء في قريتك القديمة، فتحكي له بالتفصيل كل ما حصل أمام عينيك، ليصمت فترةً تجعلك تظن أنه عاد بذاكرته لسنين قديمة أكثر مما يجب، فتعود لتزكيه مذكراً إياه بوجودك، فتراه وهو يقول: (يا ولدي أيام كُنَّا نبيع ونشتري في العبيد، كانت هذي مشاكلهم، يكثر بينهم الكذب والتباهي الفارغ واللواط والنميمة وخصومات الشرف الكاذب، ثم استرسل وهو يضحك...... لكنهم يا ولدي أبداً أبداً ما يخطئون في الإمساك بالدلَّة وصب القهوة)... يعني يا والد إن هذه أخلاق العبيد وليست الأحرار؟!، وأن الحرية هي راعية الفضيلة الحقيقية، وأنكم كنتم تعيشون وفق مبادئ عليا لا يفهمها المستعبدون؟ فرد بهدوء مثير: لا يا ولدي، ما قصدت كل هذا، وخصوصاً كلماتك عن الحرية والفضيلة والمبادئ العليا والمستعبدين وغيرها من خرابيطك اللي تاخذها من الكتب... المسألة أعمق من هذا بكثير، فنحن لسنا مثل عبيدنا أبداً، ولكننا قريبين منهم.. أنسيت يا بني أن (العبيد على دين أسيادها) الفرق بيننا أن العبيد مشغولين بقهوة أسيادهم نهاراً، ولعن مؤخرات بعضهم ليلاً، ثم ضحك بقهقة باردة وقال: أما نحن فتستمني قلوبنا بقصائد الفخر نهاراً، ونبحث عن أعشاب وأدوية العِنَّة ليلاً... ثم عاد للضحك بقهقهة أكبر، وهو يتجه نحوي محاولاً تقبيل فمي، لأفيق من كابوسي المخيف.
إذاً كنت تحلم يا صديقي؟ نعم، وقد ذهبت لرجل يفسر الأحلام، وقصصت عليه هذا الحلم... فمسح على لحيته وقال: هذه كوابيس إذا جاءتك فاستعذ بالله منها ثم صاح في مجلسه (القهوة يا ولد) وعندما رأيت الدلَّة بيد ابنه قمت مذعوراً لا ألوي على شيء، هدأت من روع صديقي وقرأت في أذنه ((وطني علمني أقرأ كل الأشياء)) لمظفر النواب http://www.youtube.com/watch?v=U2LsPxR89bc كتعويذة ترقيه من أوهام الخصوصية المعاقة، بين أثرياءٍ مُستعبدين، وأحرارٍ مُكبَّلين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا