الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوصف و الدلالة قراءة في كتابات الأديب إدريس الجرماطي

محمد يوب

2012 / 8 / 4
الادب والفن


الوصف و الدلالة
قراءة في كتابات

عندما يريد القارئ المتتبع للإصدارات الجديدة قراءة عمل أدبي قراءة نقدية، يقف حائرا حول المنهج الذي يلائم هذا العمل أو ذاك، لأن طبيعة السرد القصصي/الروائي ومدى تأثيره على المتلقي هو الذي يفرض نفسه عليه،ويحثه على الوقوف مليا أمام الكلمات المفاتيح التي تغلب على هذا العمل والطابع العام الذي يغلب عليه،الشئ الذي يدفعه للاهتداء إلى الأدوات والآليات النقدية الممكنة التي تساعد على فك ألغاز وخفايا هذا النص القصصي/الروائي أو ذاك.
هذا ما عانيت منه في كتابات الأديب المغربي إدريس الجرماطي الذي ينوع في طريقة السرد بين القصة و الرواية،بين ضيق السرد القصصي ورحابة السرد الروائي وبين الضيق و الرحابة تتنوع أساليب البحث و التنقيب عن الأدبية التي تجعل من العمل الأدبي عملا أدبيا تميزه عن باقي الخطابات الأخرى.

فالأديب إدريس الجرماطي يجمع بين الكتابة القصصية و الكتابة الروائية من خلال أعماله الثلاثة (رقصة الجنازة *مجموعة قصصية) (رحلة في السراب*عمل خارج التصنيف يجمع بين القصة القصيرة و الرواية) (عيون الفجر الزرقاء *رواية).
ونحن كقراء نحتار في عملية الاختيار لأن كل عمل يمهدك للعمل الموالي لما يجمع بين هذه الأعمال الثلاثة من خيط ناظم/رابط يؤلف بينها سواء من حيث لغة الحكي أو من حيث الرؤية العامة التي تؤثر في الكاتب، و التي هي على العموم رؤية تهدف إلى خلق عالم منسجم مبني على القيم الأخلاقية و المثل العالية.
لكن وحدة الرؤية في هذه الكتابات الثلاث لا تعني الانسجام الممل، وإنما تعني التناغم المقلق المبني على الصراع و الجدل الذي تؤديه الشخصيات المتنوعة في فضاء الأعمال الأدبية بين الشخصيات العربية و الشخصيات الأجنبية.
وهذا الاختلاف في الرؤى وصداميتها يزداد صعوبة وتمردا على القارئ/الناقد لما تحمله من أوجه و رؤى متباعدة ومختلفة باختلاف وجهات نظر أصحابها،مما ينتج عنه صعوبة في اختيار آليات قراءتها،فيشعر القارئ وهو يقلب صفحاتها أن كل شخصية من شخصيات هذه الأعمال قد نفثت شيئا من روحها،وصبت فيها رؤيتها إلى العالم،انطلاقا من منظورها الخاص ومن زاوية قراءتها للعالم،لكن هذه الرؤى المتناقضة و المختلفة، لها نفس الهدف ونفس التوجه،وحينها يصبح الاختلاف و التناقض في الرؤى يخدم العمل الأدبي سواء أكان قصة أم رواية...

إنها رؤى ثاقبة إلى العالم،رؤى تتقاطع عموديا وأفقيا مع الطرح العام لكافة القراء و المثقفين الشغوفين بالسرد القصصي/الروائي ،وتعبر عن آلامهم و آمالهم بكل صدق وإحساس مرهف.و لهذه الطريقة في الكتابة أثر كبير في نفسية المتلقي/القارئ حيث إنه يصبح عنصرا مشاركا في عملية السرد القصصي،كما يصبح المتلقي هدفا عندما يستوعب المقصدية من العمل الأدبي ويتذوق دلالاته وحمولاته الفكرية،ومن تم يتحول إلى عنصر مشارك متورط في عملية السرد،وذلك من خلال قراءة ماوراء السطور،فلا تلبث عيناه تزيغان عن القراءة حتى يجد نفسه منغمسا في جوهرو أحداث هذه الأعمال الأدبية، فيتدخل في اقتراح مجموعة من الحلول الممكنة التي تعطي تفسيرا وتأويلا للأسئلة المطروحة،والإشكاليات التي تبقى معلقة وتحتاج إلى إجابات تقترب أو تبتعد من المشروع الفكري و المنهجي المخزون و الوعي الجمعي و الجماعي الذي يتقاسمه الأديب إدريس الجرماطي مع القراء/المتلقين.

صدق عبد الجبار النفري عندما قال كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى،فالجمل القصصية في كتابات إدريس الجرماطي تبدو قصيرة لكنها في حقيقة الأمر تختزل العالم وتقدمه واضحا بين أيدي القراء . فالمتمعن في كتاباته الأدبية يشعر بدلالات متعددة تحملها وتحلق بفكر القارئ بعيدا وتفسح له مجال الخيال وهذا هو الهدف من السرد القصصي الضيق الذي يعتمد على بلاغة الاختصار وقصر الجملة القصصية، إن الهدف منها هو إتاحة المجال للخيال الفردي للتحليق عاليا.

فالكتابة القصصية في النهاية عند الجرماطي توحي للقارئ وكأنه يصور مشهدا من مشاهد القص الحركي الذي يتابع مجريات الأحداث ونفسيات الأبطال،فنرى بأن البطل/المولود في رواية عيون الفجر الزرقاء يتحرك في فضاء الرواية بحرية تامة، يوزع الأدوار على الشخصيات المساعدة مع العلم أن من يقوم بتوزيع هذه الأدوار هو السارد نفسه،لأن زاوية الرؤية عنده هنا تتلاءم وزاوية الرؤية عند الشخصية المحورية(المولود) ،.
وهنا تظهر براعة اللغة عندما تنزاح وتصبح لغة صائتة تواكب تحركات الأبطال. فهناك حركية تنهض على مجموعة من الأفعال التي تتحرك من الماضي لتدخل إلى الحاضر لكي تبقى خالدة وقابلة للقراءة في أي مكان وزمان.

وبالرغم من تشظي المواقف و الرؤى الفكرية و الأديولوجية في كتابات الجرماطي،وبالرغم من بعض الانزياحات السردية التي تميل أحيانا إلى السريالية(رحلة في السراب) فإن وحدة السرد ساهمت في توحيد كل زوايا الاختلاف،فكتاباته تلتقي مع الكتابة التقليدية في احترامها لمقومات العمل الروائي،وخاصة في إدراج عناصر السرد التقليدية التي تركز على الزمان و المكان و الشخصيات و الحوار…..فكان السارد يذكر الأمكنة بأسمائها والأحداث تسير بطريقة كرونولوجية تحترم سيرورة/صيرورة الزمان.
و الشخصيات بدورها تتحرك بحرية في الفضاء الزمكاني،حيث نرى فالنتين يتحرك في فضاء رحلة في السراب بحرية، كما أنها تنهض و تتحرك وفي نهوضها وتحركها تتشكل الأحداث،ويتطور السرد كما تتطور العقدة في اتجاه البحث عن الحل المناسب و المخرج المنطقي لتأزم الأحداث وتعقدها.
والمعروف أن زمن الرواية زمنان ،زمن الوقائع وزمن القص،لكن في كتابات الجرماطي نرى زمنا ثالثا،يجمع بين الزمنين ،و هو الزمن النفسي،الذي يزداد شدة وارتخاء حسب شدة وارتخاء الأحداث،وفي أثناء القراءة نشعر بنفسيات الأبطال وهم يديرون دفة السرد القصصي/الروائي ويرقون بها درجات عبر سيرور/صيرورة الزمان.

كما أن طبيعة السرد في هذه الأعمال الثلاثة تحول المرئي إلى اللغة،فاللغة تنهض وتتحرك لتدفع المتلقي ليتصور الفضاء الذي تتحرك فيه الأحداث فنرى السارد يصف شخصية فالنتين والمولود و الشيخ من زوايا وأبعاد مختلفة،يصف نفسياتها و الأصوات المحيطة التي تحرك هذه النفسيات.
كما أن البطل يرتقي إلى درجة التمثيل حيث إن السارد يصور هذه الشخصيات من خلال اللغة وكأنها شخصيات ممثلة acteurs تؤدي الأدوار المنوطة بها، فالشخصيات/الممثلة تتحرك وتتحرك معها عين القارئ ومخيلته،تتحرك عبر الزمان و المكان،مع العلم أن هذين العنصرين لا يظهران جليا عبر اللغة،بل يخلقهما القارئ عبر لغة من نوع آخر هي لغة التخييل التي تفرزها عملية الوصف.
محمد يوب
04/08/12








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر وتحية
ادريس الجرماطي ( 2012 / 8 / 5 - 14:00 )
لي الشرف الكبير ان تحظى اعمالي بدراسة نقدية منكبار النقد المغربي على وزن استادي سي محمد يوب ولي الشرف ايضا ان اكون محظوظا بان تخط انامل الاساتدة الكبار دراساتهم على اعمالي ورغم ان كتاباتي ليست الا خربشات اولى واني لست في مساري الا كمن يحبو ويتعلم وطالما يسقط متمنيا ان يقف على طريق الابداع الذي هو مني وانا منه لانه ليس اختيار من الواحد بل اختارني واخترته وليس لي سلطان على نفسي امام ما اكتب ، تحية الكبار للكبار ـ تحية خاصة اليك سي محمد يوب ، لا تنسى ان الجنوب الي زياراتك مشتاق مرحبا استادي الغالية بك وبمن معك في وقت وآن ....تقبل حبنا لك


2 - قراءة قراءة
أسماء مهدي ( 2012 / 8 / 5 - 14:11 )
حقيقة .. كتابات الأستاذ ادريس الجرماطي تحتاج لأكثر من وقفة تأمل و خطاب حواري لكنها المرة الاولى التي اتحسس فيها خطى ثابتة لناقد محارب, محارب لأننا لن نستطيع إنكار ان هذا الكاتب يٌدخل المتلقي في معارك الفهم و البحث في مكنون الدلالات الغامضة ظاهرا و الحية الناطقة جوهرا و واقعا, فخياله روح تقية تخترق المرايا لتطرح عنها زيف الملامح و تظهرَ ما انزوى فيها و اعتٌبِر سرا على غير الانا المتمردة.... و اخيرا ... و بعيدا عن كل الاسقاطات النوعية و الظرفية... تبقى كتابات هذا الكاتب ساخرة من بطش و طيش الكراسي .. غاضبة من استسلام مفرط لحفاة فكر ... غيورة على حرمات الحس الانساني المسافر في بعد العدم
تحية شكر نقية للناقد الاستاذ محمد يوب و تحية طهر لمنعش فكر تعود الرتابة


3 - متألق دوما
سمر ( 2012 / 8 / 5 - 14:28 )
ادريس جرماطي نمودج للكاتب المتميز وقد قرأت له رقصة الجنازة وعيون الفجر الزرقاء حقا لديه تمييز ولغه خاصة لن يفهمها الا من يعشق الإبداع


4 - شكر وتتقدير وتوضيح
محمد امزيل ( 2012 / 8 / 5 - 15:45 )
في البداية تحية للجميع ورمضان مبارك كريم
الشكر للاستاذ والناقد محمد ايوب على محاولته فك لغز كتابات الادريس الجرماطي من خلال كتاباته ومن خلال المتلقي رغم صعوبة الموقف ، لاني كمتتبع وصديق لادريس الجرماطي ، وكانسان قريب منه جدا ، اعتبره محيطا من الصعب فك الغازه ، عرفته مند سنين ، وكل يوم اكتشف منه الجديد ، واعتبرته تلك الظاهرة التي تكلم عنها فرويد وغيره ، معبرا عن واقعه ومحيطه بشكل مستفز ومورط ( ط .مكسورة )، ويستحق بذلك التقدير واتمنى له كل التوفيق في مساره الادبي والمهني.
للتوضيح ، ومن خلال اعماله القصصية والروائية ومشاركاته في المنتديات واللقاءات الادبية ، وجلساته ، فادريس دائما مولع بالجمل المقتضبة والحاملة لكثير من الرسائل والتاويلات ، تجعل المتلقي يعاني الكثير في تشفيرها ، وبهذا اتمنى للمتلقي ان لا يكتفي بقراءة واحدة لاعمال ادريس ، املا في فهمه نسبيا .
اضافة الى هذا فاعمال ادريس في مجملها اعمال حية وحركية ، قابلة للتمثيل فوق الخشبة ، امر جعله لم يورط فقط القائ بل ايضا يقدم للمشرفين على الانتاجات السينمائية والدرامية اطباقا من الانتاج الادبي العالمي / محمد امزيل


5 - شكر وتتقدير وتوضيح
محمد امزيل ( 2012 / 8 / 5 - 15:49 )
في البداية تحية للجميع ورمضان مبارك كريم
الشكر للاستاذ والناقد محمد ايوب على محاولته فك لغز كتابات الادريس الجرماطي من خلال كتاباته ومن خلال المتلقي رغم صعوبة الموقف ، لاني كمتتبع وصديق لادريس الجرماطي ، وكانسان قريب منه جدا ، اعتبره محيطا من الصعب فك الغازه ، عرفته مند سنين ، وكل يوم اكتشف منه الجديد ، واعتبرته تلك الظاهرة التي تكلم عنها فرويد وغيره ، معبرا عن واقعه ومحيطه بشكل مستفز ومورط ( ط .مكسورة )، ويستحق بذلك التقدير واتمنى له كل التوفيق في مساره الادبي والمهني.
للتوضيح ، ومن خلال اعماله القصصية والروائية ومشاركاته في المنتديات واللقاءات الادبية ، وجلساته ، فادريس دائما مولع بالجمل المقتضبة والحاملة لكثير من الرسائل والتاويلات ، تجعل المتلقي يعاني الكثير في تشفيرها ، وبهذا اتمنى للمتلقي ان لا يكتفي بقراءة واحدة لاعمال ادريس ، املا في فهمه نسبيا .
اضافة الى هذا فاعمال ادريس في مجملها اعمال حية وحركية ، قابلة للتمثيل فوق الخشبة ، امر جعله لم يورط فقط القائ بل ايضا يقدم للمشرفين على الانتاجات السينمائية والدرامية اطباقا من الانتاج الادبي العالمي / محمد امزيل

اخر الافلام

.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام


.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد




.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش


.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??




.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??