الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجن السوري الكبير للجميع

علي الحاج حسين

2005 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يستغرب المراقبون قدرة الحكومة السورية العجيبة بتحويل الأصدقاء التقليديين لخصوم، بل وأعداء ألداء مثل فرنسا التي اختلفت مع الولايات المتحدة حول الشروع بالحرب على نظام صدام، إلا أن السياسة السورية "الحكيمة" جمعت هذه الأطراف وجيشت أوربا والعالم ضدها بسرعة ملحوظة.
ومن المستغرب أيضا أن دعاة المصالح القومية العربية في البلدين ينعتون العلاقات السورية-اللبنانية بأنها ستراتيجية وذات خصوصية، فمنذ متى كانت العلاقات الستراتيجية تحتم انتشار جيش دولة في أراض الدولة الأخرى وتهيمن على كافة أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها؟ ألا يشبه هذا التصرف الاحتلال بالمفهوم الشائع أم هو الاحتلال بعينه؟
النظام السوري مدد للرئيس لحود وعدل الدستور اللبناني على غرار تعديل الدستور السوري بسويعات رغما عن إرادة اللبنانيين. وبدل نواب البرلمان اللبناني موقفهم حيال معارضتهم للتمديد بفضل الديلوماسية المقنعة التي قادها خليفة كنعان معهم، ولم يستثن الحريري.
بعد وضوح تصميم وعزم المجتمع الدولي حيال استعادة استقلال لبنان أهمل الحريري وغيره التهديدات السورية والضغوطات المباشرة وغير المباشرة. وزادوا على ذلك مطلبا صريحا يتمثل بمغادرة الجيش السوري أراض لبنان.
في هذا لا نسعى للتقليل من قيمة ما يدعيه وزراء وسفراء سوريا الذين هبوا كهبة رجل واحد لاستذكار ماض الحريري والعلاقات الطيبة التي يكنونها له من عواطف ومشاعر حسنة، ومنهم الجنرال حسن تركماني الذي اتهم ومن جديد الاستعمار والرجعية والصهيونية التي تآمرت على الرئيس الحريري تآمرها على منجزات الوحدة والحرية والإشتراكية التي تحققت للسوريين خصوصا وللعرب عموما، فاتهم العماد حسن تركماني وزير الدفاع السوري في تصريح خاص لصحيفة البيان الإماراتية، إسرائيل بأنها وراء جريمة اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق، وقال إنها "هي التي لا تريد للبنان أن يبقى مستقرا". ومن جديد الاستعمار والصهيونية والرجعية منديلا لغسل الأيادي. فهل يعقل الاستخفاف بعقول الناس طيلة هذه السنين وبهذه الطريقة نفسها..!
ومن جديد يطلع علينا النظام بخطابه الرث الذي طالما سوقه وتسول عليه المصداقية لعقود، سوى أنه اليوم فقد كل وجوه المصداقية لكثرة تكراره وتكررت النكسات حتى وصل الشعب والوطن للقاع ولم يعد بالإمكان أن يسقط النظام القائم أدنى مما سقط، وصار خطابه مدعاة للغثيان والقرف لدى حتى الصبية ورعاة النوق.
اجمع المختصون على أن وراء العملية جهاز استخبارات متمكن وبارع في عمليات كهذه، إذن وراء العملية دولة. فمن هي الدول التي لها مصلحة في اختفاء الحريري؟ ربما كثيرة، لكن لنستطلع أكثرها حظا. لأن النظام السوري له مصالح كثيرة: فهو حاقد على الحريري بسبب معارضته تغيير الدستور اللبناني بإملاءات سورية للتمديد للحود، أيد القرار 1559 ولأن اغتياله قد يشعل حربا أهلية في لبنان تؤجل انسحاب الجيش السوري.
ولم يتورع المجرمون من تلفيق العملية لفاعل مجهول، إذ تبنت مجموعة مجهولة أسسها متسكع مقتل الحريري. هل البلاهة تدعونا للقول أن الفاعل ليس أقل من دولة أم الأمر واضح...!

منذ ما يزيد على أربعة عقود يتأجل الحل الداخلي بحجة أن الخطر المداهم من الخارج أشد وأدهى، ومهمة التصدى والصمود من الأولويات الوطنية والمصلحة القومية تقتضي شد الأحزمة ريثما يتم التحرير الذي هو قاب قوسين أو أدنى. وتم بسهولة تبرير كم الأفواه وزج أصحاب الرأي في السجون ممن نادوا بحل أزمة الوضع الداخلي وتقديمه على مناهضة الاستعمار والصهيونية والرجعية، مما استدعى استشراع قوانين صورية تبرر اعتقال ليس من لا يمجد شخص القائد الفرد فحسب، بل ولكل من لا يؤله رسم ستالين سوريا الذي رحل وخلف ستالينا صغيرا يسير على خطى أبيه، والذي بدوره برر مرارا وتكرارا أن هذا الكعك ليس إلا من ذاك العجين، ورغم أن العديد من المعارضين السوريين الذين قدموا بالأمس ضحايا ونكل بهم شر تنكيل يصرون على دس رؤوسهم في بين الركام لئلا يروا كيف يتبع الحبل الدلو ويراهنون على فقاعات الصابون المسماة بالإصلاح الإقتصادي تارة والإداري تارة أخرى، ثم يعود ويشطب كل الإصلاحات بحجة أن الهجمة الإمبريالية على الوطن تشتد وتهدد كل منجزات الثورة. هذه المعارضة نالت بجدارة لقب النبالة من البعث "معارضة شريفة"، تلقفت الشص وبقيت تدور في إطار رسمه لها ويضعها قبالة ما لم يدجن أو يصنع بقوالب بعثية من المعارضين السوريين، أي أراد لها أن تكون في مواجهة أي حل لا يلده البعث العقيم، فطال الانتظار وقعد الوليد مكان التليد وهذه المرة أيضا باسم الحفاظ على مكتسبات الثورة.
السؤال الذي يطرح تفسه ويتردد على ألسنة وأقلام الكثيرين: من تخدم منجزات الثورة هذه يا ترى؟ الثورة تخدم من! إن كانت لخير وتقدم ورفاهية الشعب والوطن فلا يختلف اليوم اثنان على أن الوطن في أسوأ حال ولم يتقدم قيد أنملة على أية من الأصعدة. وبمقدور أية دولة مجاورة وبأقل الخسائر أن تجتاح سوريا من القنيطرة إلى القامشلي أو العكس دون ان ينفخ عليها أي مدفع سوري صديء حتى فقاعة صابون. من جانب آخر نال الصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي بالتسلح الصفعة تلو الأخرى سواء في عين الصاحب أو الطائرات الإسرائيلية التي تقوم بطلعات تفقدية فوق قصر الرئاسة في اللاذقية وغيرها دون اعتراض. أما في لبنان لقد برهن قادة هذا الجيش الذي تم تحويله من وسيلة دفاعية ومحط اعتزاز وفخر السوريين إلى عصابة تهريب وسلب ونهب وفي أحسن الحالات مزارعي ومنتجي المخدرات على أرض لبنان.
لا يشك أحد ان منجزات الثورة لم تصب في صالح المواطن الذي تدنى مستواه ليس المعاشي، بل والصحي والتعليمي وصار في الدرك الأسفل في قائمة مواطني الدول الفقيرة والمتخلفة على كافة الصعد، ناهيك عن احتواء السجون خيرة المثقفين السوريين وتركت يد الأجهزة الأمنية تعيث في البلاد فسادا وللحاشية والبطانة والمنتفعين حرية التصرف بقوت العباد. لقد تحولت السجون لمقرات حشد العلماء والمثقفين وصارت المعتقلات تضاهي أكبر الجامعات باحتضانها للمتنورين والأصوات المنادية بالحرية وكسر القيود. إن تضمنت السيرة الذاتية للفرد في الدول المتحضرة اعتقالا قصيرا أو حبسا طويلا مدعاة للخجل والتكتم، صار السجن في سوريا مدرسة تكتظ بالأساتذة والفقهاء من شتى الاختصاصات ويباهي الخريجون بعضهم بعضا بعدد سنوات الحرية في زنازين سوريا المنفردة والجماعية. بلا شك ليست هذه هي الثورة ولا منجزاتها المنظرة التي علينا أن نحافظ عليها برمش العين؟
طلع السيد عبد الحليم خدام في محاضرة في جامعة خليجية بمقولة جريئة نسبيا وهي أن الاشتراكية على مدى أربعين سنة أفقرت الشعب وفشلت في إدارة اقتصاد البلد وبالتالي تزمع القيادة الشابة الملهمة بتجريب نوع جديد من الحكم في سوريا. هذا دون أن يكلف نفسه وسع التفكير بأن البلد ربما يكون قادرا على اتباع أساليب مجربة وتطبق في كل بلدان العالم كل وفق خصوصيته ولا داعي لأن "نكتشف المياه الساخنة" من جديد. أي بوسع الشعب اختيار من يقوده بعد كارثة البعث، الذي لم يفشل في إدارة البلاد فحسب بل ودمر كل مقدراتها، واليوم تجذرت المشكلة وإزالة آثار البعث تزداد كلفة كل يوم والتي سيدفعها المواطن السوري أضعافا مضاعفة.
إذن أليس للشعب السوري الذي تبين له كما تبين للسيد الخدام فشل النظام الإشتراكي الحق بالمشاركة في رسم خطوط حياته العريضة على الأقل؟
أليس الانتخابات الحرة والديمقراطية حق مصون للإنسان بعيدا عن النتائج المسخ 99% لصالح الثورة وقادة منجزاتها؟
ألم يكن درس صدام وبعثه العراقي مفهوما لدى رفاقه في البعث السوري؟
من المستفيد من الثورة ولماذا يجب أن يستمر الحفاظ على منجزاتها؟
ليس غير.
بلا شك لم يعد ممكنا الاستمرار بالضحك على الذقون ولم تعد السجون قادرة على كتم الأنفاس بعد أن تحولت سوريا كلها لسجن كبير. لابد وان السوريون سيتذكرون البعث ورموزه كواحدة من أحلك حلقات تاريخ البلد سوادا، سيما وأن كل المؤشرات تدل أن الحيف طال الجميع وتحققت اليوم موضوعة أن السجين لا يدافع عن سجنه مهما كبر أو صغر، والعبد يحتقر أغلاله المذهبة وليس لديه ما يضحي به سوى قيوده، إذ فر الحرس الخاص لصدام قبل جياع العراق والراغبين بالخلاص منه.
___________________
* مغترب سوري – بلغاريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل-دكتور هو- يعود بعد ستين عاما في نسخة جديدة مع بطل روان


.. عالم مغربي يكشف الأسباب وراء حرمانه من تتويج مستحق بجائزة نو




.. مقابل وقف اجتياح رفح.. واشنطن تعرض تحديد -موقع قادة حماس-


.. الخروج من شمال غزة.. فلسطينيون يتحدثون عن -رحلة الرعب-




.. فرنسا.. سياسيون وناشطون بمسيرة ليلية تندد باستمرار الحرب على