الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الْإِحْتِرَاقُ البَطِيءُ

عبدالرحيم داودي

2012 / 8 / 5
الادب والفن


"من أنت ،أيتها الجميلة الرائعة؟ أتراك إلهة من الآلهة تجلت على هذه الأرض؟ أم لعلك مخلوق من تلك المخلوقات الإلهية التي تتبع كوفيرا، إله الغنى و الثراء؟ أم لعلك الأسورا الجنيات؟ أم من الناغا الأسطوريات؟ الحق أني لا أطيق البعد عنك بعد أن عرفت هذا الجمال الخارق."
_مقتطف من خطاب شانتنو ،ملحمة الهند الكبرى,المهابهاراتا_

تَنْسَرِبُ الحياة من يديه المرتجفتين،
تسابق الزمن الخائن،
إلى أقاصي المجهول المخبوء فيه،
إلى الرقعة القصية المهجورة،
ويحفر الصمت و الحزن أخاديدهما الغائرة.
على الرصيف المحاذِي لسكة القطار، وقف يتملى وجه حبيبته المخضب بالأسى، وهي تتأهب للرحيل، وفي قرارة نفسه المدفونة تتصارع أفكار لاهبة "يا إلهي ! لماذا هذا القدر اللئيم يخاتلنا و يقذف بنا إلى الفراغ الموحش؟!".
بين حرقة السؤال المربك، وأفق الغربة الهاربة ،لوّح لها بيده وزجاج القطار المغبش يفصل بينهما وكأنه هزة تكتونية جلجلت قعر البحر، فاصلة تعانق صفحتين قاريتين ،وبعد دقائق قليلة انطلق القطار كسهم مرق في الفضاء ثم اختفى.
ما قيمةُ الكلماتِ أمام الخسارات الفظيعة التي لا تعوض؟
مَا مَعْنى أن نفارق مَنْ نُحِبُ تَحت ضغط المجتمعِ؟
يلاشي تعاسته وهو يجتاز القبور المنسية،
عيونه تطفر دما،
وهو يردد قصيدته المبتلة بغصة الفراق،
من زبد البحر انبعثت ،
من اقيانوس الساحر صعدت ،تحت رهج الضوء, و أثباج الماء،
تعزف على فيثارة الحب أحلى الألحان ،
وصدى النغم المعزوف يغشى أثير الكون الممتد.
آه "بسيشه" أخرجيني من وحدتي الموحشة.
أخرج منديله المخملي من جيبه ،مسح مقلتيه من أثر الدموع المنسكبة ،ثم حث خطاه ناسيا أنه ينتمي إلى هذا العالم المليء بالصخب و العنف ، وارتد به شريط الذاكرة الى اللحظات التي قضاها بصحبة حبيبته التي تركته ينوس بين الزمن المخصي و الوصب الناهش . لم يجد من يواسيه في لحظة تشظيه ،فجلس على حافة حجرية وأخرج من محفظته البالية رواية "طوق الياسمين" و أخد يقرأ المقطع التالي:" كم اشتهي أن أراك . هل تدرين أن غيابك الآن يقتلني و أني كلما استعدت وجهك وسط هذا الفراغ شعرت بوحدتي أكثر .الدنيا ظالمة لم تتوقفي عن ترديدها حتى صارت حقيقة مثل الموت .أحيانا عندما نلعب مع الأقدار نفعل ذلك بسخرية وننسى أنها لا تنسى وأنها تأخد كل شئ بجدية وتفاجئنا في اقل اللحظات انتطارا."
على حواف المبهم والليل الراجف،
ند أنين خافت،
ند من أعماق الروح الخانعة،
اختلطت الكلمات وعم السواد،
اندغمت الحروف و اصطلمت في بعضها البعض،
عالم صوفي يرخي ظلاله الوارفة،
صار الكتاب بركة وصارت البركة كتابا.
أرجع الكتاب إلى محفظته ،نهض من الحافة الصخرية التي كان يجلس عليها ،نفض الغبار العالق بمؤخرته ،ثم انتشل من يده اليمنى خاتما فضيا مزخرفا باللون الأسود وطفق يقبله ،فقد وجد فيه ذكرى غالية تناغيه وتفض عنه خيبته القاتلة، أعاد خاتمه الفضي إلى مكانه وبعدها فتح محفظته مرة ثانية و أخد يفتش عن قلمه بين ركام المسودات التي كان قد كتبها. وهجس في نفسه:" الكتابة نزيف الروح" وأنا أريد أن أهرق كل دمي على أوراقي البيضاء ،فما فائدة الكتابة إن لم تجسد حالة انغمار الإنسان في الحياة الجائرة ؟؟ وفي غمرة الوحدة الرهيبة تفجرت في ذهنه قولة الشاعر عزت سراييّج" لم يسبق أن كتبتم رسالة عشق, أو فكرتم في الانتحار،فكيف، إذن تجرؤون على قول أنكم عشتم." فشرع يكتب رسالة إلى حبيبته.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روعة
طارق المنيظر ( 2012 / 8 / 5 - 15:41 )
ما اروعك يا رائع، كلمات تجسد صدقك ومشاعرك الجياشة في رونق أدبي أكثر من مبهر، مزيدا من العطاء والاخلاص ان شاء الله وفقكم الله، انار طريقكم، أكثر من أمثالكم دام عطائكم ،


2 - روعة
طارق المنيظر ( 2012 / 8 / 5 - 15:51 )
cest très magnifique mon ami, que tu soit tjrs créateur, bravo, jaime bcp, bonne continuation inchalah

اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي