الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية أم أوليغاركية ؟

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2012 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


حدث الإحتلال في 2003 بإسم " تحرير العراق " ومرّت علينا عشرٌ عجاف في ظلّ نظام ضَلالٍ يدّعي بناء " الديمقراطية " . لطالما قلنا أن إحتلال العراق جاء ضمن حلقة من إجراءات فرض " النظام العالمي الجديد " الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ، وإنفرادها كقطب وحيد في فرض سياستها على العالم ، وكنوع جديد للإستعمار ، تحت واجهة بناء الديمقراطية في البلدان النامية على غرار الديمقراطية الأمريكية .

سبق أن حللنا " الديمقراطية الأمريكية " بأنها ليست الديمقراطية التي نفهمها من قراءاتنا عن نظام حكم الشعب من الشعب ، أو كما أعلنت مبادئُها في ثورة الشعب الفرنسي عام 1789 . أما الأوليغاركية فهي نظام الحكم الذي تكون فيه السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع . كان أفلاطون قد فصّل في تحليل أنظمة الحكم ، فأدرج مواصفات نظام الحكم أعلاه تحت إسم " الأوليغاركية " وليس " الديمقراطية " . وقد زاد أفلاطون على ذلك أن " الأوليغاركية تتصف بعدم إلتزامها بالقانون " أما أرسطو فقد وصف الأوليغاركية بأنها " تنتهي دائماً بحكم الطغيان " . وفي العصر الحديث تُعرّف ب " الحكومات التي تعتمد على النفوذ الأجنبي ، أو التي ليس لها رصيد جماهيري ، ولذلك فهي تستند إلى قاعدة ضيقة من أصحاب المال أو النفوذ الإجتماعي ، مثل الرأسماليين الكبار والقادة العسكريين ورؤساء الطوائف الدينية " .

قرأت مقالة السيد جاسم الحلفي ، حول تكريس البرلمان حق مصادرة حق الباقي الأقوى في قانون إنتخابات مجالس المحافظات ، رغم قرار المحكمة الإتحادية بعدم دستورية تعديل القانون المذكور . وقد تضمنت مقالة السيد الحلفي دراسة حسابية " مضنية " لتثبيت عدم أحقية سرقة أصوات الناخبين ، ومنحها إلى غير مستحقيها ، وتقنين هذا الإجراء بإضفاء الشرعية القانونية إليه . فبالرغم من الجهد الكبير الذي بُذل في إعداد تلك الجداول ، فإن المقالة لم تخرج إلى المستوى المأمول من كاتب يقع في الموقع السياسي الذي يشغله شخصياً . إذ جاءت المقالة سرداً حِرفيّاً ( مِهنيّاً ) أكثر من أن تكون مقالة سياسية .

تمركزت السلطة في العراق بعد الإحتلال بيد فئة صغيرة ؛ بكلام أوضح ، فقد رتّب المحتل الأمور بكل دقة ، قبل إعلان نيته في مغادرة العراق ، ولم يهمل وضع الضمانات الكافية لتحقيق مصالحه ، وسلّم الحكم إلى شلة تأتمر بأوامره التي يصدرها لها عبر " خيوط دبلوماسية معروفة " وأعلن بكل إطمئنان ، على لسان الرئيس أوباما " أننا غادرنا العراق وتركنا فيه نظاماً مستقراً وحكومة منتخبة من الشعب " .

الترتيبات التي وضعها المحتل ، قبل " إجلاء قواته " تتمثل في بناء نظام أوليغاركي بواجهة إسمها الديمقراطية ، تنحصر فيه السلطة بيد الشلة التي تأتمر بأمره ، في إطار نظام دستوري وقانوني تمّ تفصيله كي يضمن تحقيق ذلك . إن تشريع قانون إنتخابات مجلس النواب جرى بتواطؤ واضح بين جميع القوى السياسية " إياها " رغم تظاهرهم بالإختلاف بل بالعداوة فيما بينهم ، وكذا تجدد ذلك التواطؤ عند إصدار البرلمان قراره القاضي بتكريس مصادرة حق الباقي الأقوى . أنا لا أعتقد أن أحداً في أيّ من الكتل السياسية التي تمثل بمجموعها ( الشلة ) مؤهل أن يخطط لمثل هذه الإجراءات التي تجعل الدستور والقوانين طيعة لدرجة أن تضمن تحقيق إستيلاء الشلة على مقاليد الحكم لأجل غير محدود ، وضمان حرمان أية كتلة سياسية جديدة من تحقيق تقدم يمكن أن يؤثر في توازن القوى بين مكونات الشلة . إن دقة بناء النظام الحالي في العراق ، وبالشكل الموصوف أعلاه ، لا يمكن أن يكون من صنع يد ، أو نتاج عقل ، أحدٍ من المنتمين إلى الشلة . يحتاج باني مثل هذا النظام لأفق فكريّ فلسفي علمي ومعطيات ومستلزمات وأدوات تنفيذ غير متوفرة لدى هؤلاء ، ولو أنهم جزءٌ من أدوات التنفيذ التي لا غنى للباني عنهم . ولذلك نراهم كثيري الزيارات إلى مصادرهم للإستشارة والإستزادة من المعلومات التي تضمن حسن سيرهم في الخط المرسوم لهم .

لامني ، أحد الأخوان الأعزاء ، بأننا لا زلنا نعتمد الأسلوب العلمي ( الصراع الطبقي ) ، وحسب تعبيره " الذي وضعه ماركس ، وأكل الدهر عليه وشرب ، في تحليل الأوضاع السياسية في العراق . " ، ولكني أرى الأسلوب العلمي في تناول أي قضية هو الطريق الأسلم والأضمن للوصول إلى الحقائق ، وبالتأكيد أفضل من " الأسلوب الإعتباطي أو العاطفي " الشائع في أيامنا هذه . وبهذه المناسبة أتوجه بالسؤال " ما هي القوة القاهرة التي جعلت رؤساء الكتل السياسية المتنفذة في الساحة العراقية والمتظاهرة بالصراعات الحادة فيما بينها أن تتفق مجتمعة على توجيه نوابهم للتصويت على قانون إنتخابات مجلس النواب مرة وقانون إنتخابات مجالس المحافظات مجدداً ، خلافاً للدستور؟ لا شيئ غير ضمان إبعاد ممثلي الطبقات الإجتماعية الممثلة لصوت الشعب تمثيلاً حقيقياً ، وضمان عدم وصول أي قوة سياسية ممثلة لتلك الطبقات الإجتماعية إلى المنابر كي يُسمعَ منها صوت الشعب ؟ "

أليس هذا صراعاً طبقياً .
أليس ذلك دليلاً على أن الذي حدى بأولئك الرؤساء ، أو أوحي لهم ، أن يتفقوا في حين هم متخاصمون ، هو الصراع الطبقي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخلاف فيما بينهم هو مقدار ما يصب في ميزانيتهم من
طارق عيسى طه ( 2012 / 8 / 7 - 10:22 )
انهم يعرفون ان اي اقتراب من الديمقراطية الحقيقية يعرض مصالحهم للخطر لا يختلفون عن بعضهم البعض الا بمقدرا ما يصيبهم من الكعكة وخلافهم لا يمثل سوى الاطماع وزيادة حصصهم في استغلال مناصبهم


2 - الرأسماليه
بدري ( 2012 / 8 / 17 - 12:22 )
تعدد وتنوع استعمار الشعوب من قبل امريكا الممثلة لقمة الرأسماليه(فهل وصلت لآعلى مراحلها ) ؟
بالدرسة والتنظيم لاعتماد فائمة موحدة لكل التيارات الوطنية والنزيهه وادارة واعيه للحملة الانتخابيه مع حشد شعبي للتصويت لها يمكن ايصال ولو عدد قليل من ممثلي الطبقات الإجتماعية الممثلة لصوت الشعب تمثيلاً حقيقياً ، وضمان وصول قوة سياسية ممثلة لتلك الطبقات الإجتماعية إلى المنابر كي يُسمعَ منها صوت الشعب ؟
تحياتي أخ يلماز مع التقدير -



3 - توضيح للأخ بدري
ييلماز جاويد ( 2012 / 8 / 22 - 04:14 )
بعد التحية ، أود أن أقول أن أمنياتك ، وبالتبسيط الوارد في تعليقك، لا تتعدى كونها أحلام . والمشهد العراقي يعرض مسرحية الصراع الذي يدور بين الكتل المتنفذة وكأن حرباً شعواء قائمة بينهم ، ثم في نفس الوقت يتفقون و يصدرون توجيهاتهم إلى نواب كتلهم أن يصوتوا صوتاً واحدأً لتعديل قانون إنتخابات مجالس المحافظات ، بالرغم من مخالفته للدستور . وقد كان لهم نفس الموقف عند سن قانون الإنتخابات الذي أفرز مجلس الحالي . إنهم يسنون قانوناً يستحيل على أي نائب من الذين وصفتهم أن يصل إلى مجلس النواب . لقد كان في مجلس النواب السابق عضوين من الحزب الشيوعي ونواباً مثل أياد جمال الدين ومثال الآلوسي وغيرهم ، ولكن القانون الذي أجريت بموجبه الإنتخابات الأخيرة أصبح من المستحيل أن يفوز أي واحد منهم . لقد أصبح ( تزوير الإنتخابات ) قانونياً بموجب قانون الإنتخابات ذاته . أي أن الإنتخابات مزورة أصلاً قبل إجرائها ، فكيف يا ترى يفوز أحد من الذين وصفتهم، حتى يستطيع أن يؤثر؟ كانت لي مقالة بهذا الخصوص منشورة في الرابط يمكن الرجوع إليها وفيها التحليل الكامل لما ذكرت .


4 - لاتعليق
بدري ( 2012 / 8 / 29 - 18:33 )
ما دام رأي الكاتب(أود أن أقول أن أمنياتك ، وبالتبسيط الوارد في تعليقك، لا تتعدى كونهاأحلام )لا تعليق

اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح