الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(لنسميها (ديمقراطية التوافقات

هشام عقراوي

2005 / 2 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حبذا لو تدرك القوى العراقية في مجلس الحكم سابقا و الحاكمة الان والتي ستحكم العراق بعد ايام، أنهم حكموا بالاعدام على العملية الديمقراطية في العراق وعلى قوانينها و أنظمتها، عندما قرروا أن يكون أختيار الرئيس و نوابه الاثنين و بالتالي الحكومة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان العراقي البالغ 275 شخصا. هذا الشكل من الديمقراطية قريب من (ديمقراطية) معمر القذافي التي سماها بالديمقراطية الشعبية و يقصد بها أن يحكم الجميع في نفس الوقت.
عمليا تعني ديمقراطية القذافي الدكتاتورية و هي بعيدة كل البعد عن بديهيات الممارسة الديمقراطية. فأبسط القوانين الديمقراطية في كل الدول هي الصراع و التنافس السلمي بين الاغلبية السياسية الحاكمة وبين الاقلية المعارضة مع مراعات حقوق الاقلية و الاقليات الاثنية.
يقصد بالاغلبية 50+1 من مجموع أعضاء البرلمان. عدم السماح بتوفر هذه الفرصة للاحزاب السياسية و للمواطنين تعني بكل بساطة الوقوف ضد الديمقراطية الفعلية. قد يكون تغيير بنود الدستور أو تبني فقرة جديدة فيه تحتاج الى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان أو الى موافقة دورتين برلمانيتين، و لكن تنصيب الحكومات تجري عادة بموافقة الاغلبية.
وضع العراقيل أمام الممارسة الديمقراطية الحقيقية تحت ذرائع واهية و شعارات أو مفاهيم براقه، دليل على عدم نضوج الوضع السياسي و دليل على خنق الحريات الديمقراطية. وهو بصريح العبارة عدم موافقة على مبدأ الحكومة و المعارضة و على مبدأ تداول السلطة المعمول به في كل الدول المتحضرة و الديمقراطيه.
مبدأ التوافق الذي تصر علية القوى السياسية العراقية، تلجأ اليها بعض الاحزاب و الدول عندما لا يتمكن أي حزب لوحده من الحصول على 50+1% من مجموع الاصوات في البرلمان. عندها و من أجل ضمان تلك النسبة اللازمة، تضطر الى الاتفاق مع بعض الاحزاب الاخرى و هي على الاغلب ألاحزاب القريبة منها فكرا و نهجا.
وبسبب عدم تمكن الكثير من الاحزاب السياسية في الكثير من الدول على الحصول على الاغلبية البرلمانية، نرى تكوّن تكتلات سياسية في الكثير من الدول. ومن كثرة تكرار التحالفات بين الاحزاب السياسية فأن تلك التكتلات السياسية تتحول الى تقليد سياسي في العديد من البلدان.
فهناك مثلا تكتل الاحزاب اليسارية وقد تضم أحزابا شيوعية و أشتراكية و ديمقراطية و هناك تكتلات الاحزاب اليمينية و فيها تنضم أحزاب برجوازية و رأسمالية و دينية و حتى ليبرالية و غيرها. و قد تلتقي هذه الكتل تحت مسميات أخرى و بصيغ أخرى تختلف باختلاف الدول و شكل النظام الديمقراطي المعتمد في الدولة.
في القليل من الاحيان تضطر الاحزاب السياسية الى تشكيل حكومات تضم كافة الاحزاب الرئيسة أو ما تسمى حكومة أئتلافية من أحزاب الحكومة و المعارضة. هذه الانواع من الحكومات تتشكل في أغلب الاحيان في حالات الحرب و تعرض الدولة الى الخطر. ما يميز هذه الاتفاقات هي محدودية الزمان و المكان و الدوافع
فور تشكيل حكومة الوحدة الوطنية (الائتلافيه الشاملة) تنتهي العملية الديمقراطية في ذلك البلد، مع أن الحكومة تشكلت بأرادة الشعب وبالاختيار و ليس الاكراه، لسبب بسيط الا و هو أنتهاء نهج الاغلبية و الاقلية السياسية فيها و أنتهاء المعارضة و دورها المراقب و المشكك لعمل الحكومة. لأن فيها الغاء مقصود لتناقضات موجودة أصلا في المجتمع.
العملية الديمقراطية تعني وحدة المتناقضات و صراع الاضداد. عندما ينتهي التضاد داخل البرلمان تشيخ الديمقراطية وتموت او تولد ميتة. في المجتمعات الديمقراطية تتصارع الحكومة و المعارضة على نفس المنبر و من خلال نفس المنبر. و الجميع يمتلكون نفس الفرص في ايصال صوتهم الى الشعب. و الشعب لدية كامل الحرية في الاختيار. حذف أية مرحلة من هذه المراحل و أزالة أي قانون من هذه القوانين يعني أعدام الديمقراطية.
فعندما يقال بأن الديمقراطيه حكم الشعب، تعني في طياتها أعطاء الشعب الحرية في أختيار الاحزاب و المنظمات و الاشخاص الذين يمثلونهم. و فور أختيار الشعب لممثليهم تنتقل العملية الديمقراطية الى المرحلة الثانية، وهي تنفيذ مطالب الشعب التي قد تكون متعارضة في الكثير من الاحيان. فكما الشعب موحد و يعيش على نفس الارض و في نفس الوقت يتكون من طبقات ذات مصالح متعارضة و مشتركة في بعض الاحيان، بنفس الطريقة يجب أن ينعكس ذلك التوافق و التعارض داخل البرلمان ايضا.
ينبغي على العراقيين الانتهاء من مرحلة التشكيك بالمشاعر العامة و الانتقال الى مرحلة اسمى، ألا و هي بناء الديمقراطية. من الضروري أن يصل الجميع الى حقيقة أساسية، ألا و هي محبة الجميع للوطن. لا ندري الى متى سيشكك العراقيون الشعوب العراقية في محبتهم لوطنهم!!!! الاعتراف بالديمقراطية هو الاخر يجب أن يصبح أمرا بديهيا بالنسبة لجميع العراقييين. المثير للجدل في الديمقراطية هو شكله و قوانينة و تطبيقاتة العملية و ليس المبدأ.
فالرأسمالي و العامل، و الاقطاعي و الفلاح، و رئيس العشيرة و أبنها، و المعلم و الطالب و المرأة و الرجل، و العربي الشيعي و السني و الكردي الشعي و السني و التركماني الشعيي و السني و الاشوري و الكلداني و الارمني و السرياني و الكلدواشوري و الصابئي و اليزيدي و المسيحي و المسلم، كلهم يحبون وطنهم و يؤمنون بصيغة أو أخرى بأديانهم. كذلك كل الاحزاب السياسية في العراق لابل حتى الدكتاتور كان يؤمن قولا بالديمقراطية كنظام حكم وكمفردة و الاختلاف هو في طريقة التطبيق وفي شكله. هذه نستطيع تسميتها بالمبادئ المشتركة لكل العراقيين. و عليهم أتفاق شبه تام.
عندما يتحدث العراقيون عن حبهم للعراق وعن الديمقراطية و حتى عن خروج القوات الاجنبية، فالجميع أولنقل 90% منهم متفقون. و مبدأ التوافق العام ينطبق على هذه المبادئ بشكل كبير. لذا فأن مبدأ التوافق يجب أن يطبق فقط عندما تتعرض هذه المبادئ للخطر و ليس في الظروف الاعتيادية.
الديمقراطية تبنى على أساسين: أولهما حماية الوطن و المبادئ المشتركة التي تطرقنا اليها و من ثم حماية مصالح فئات و طبقات المجتمع المختلفة. الصراع الاول خارجي في أكثر الاحيان، أما الثاني فهو داخلي.
لبناء الوطن و تأمين مستقبل بقاءه موحدا، من الضروري أن تلجأ الاحزاب الى مبدأ التوافق، اي أن يوافق الجميع على ذلك الوطن و ذلك النظام السياسي و الاداري. و لكن لأدامة أستمرار ذلك الوطن و تأمين تطورة سياسيا و اقتصاديا و أجتماعيا، يجب الابتعاد عن نظام التوافق بصيغة أتفاق الجميع على التفاصيل الصغيرة داخل المجتمع. لأن ذلك ضرب من الخيال و شئ مستحيل. اي يجب أن تأخذ الديمقراطية مجراها الطبيعي داخل العراق و أن لا تستمر مرحلة التوافقات الى ما بعد كتابة الدستور و أختيار النظام السياسي و الاداري في العراق.
ولأن العراق بلد ذو قوميات وأديان و طوائف متعدده، لذا فمن الضروري الاتفاق أولا ضمن مبدأ التوافق على شكل الحكم و الدولة، أي العمل بمدأ و قانون أخر ألا وهو مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها و حق المجموعات البشرية في أختيار شكل الحكم الذي يرغبون فيه.
من الصعب أن يوافق العراقيون على الديمقراطية البسيطة و عدم موافقتهم على نتائج اية عملية أنتخابية هي التي دفعتهم الى قبول و فرض قانون موافقة ثلثي أعضاء المجلس الوطني على رئيس الدولة و الحكومة. وأذا كان تشكيل الحكومة بالاتفاق و التوافق فلماذا جرت الانتخابات اصلا!!!
قد تكون صيغة الثلثين و بالتالي التوافق مهمة في هذه المرحلة العصيبة من تأريخ العراق السياسي، ولكنها أن أستمرت الى ما بعد مرحلة وضع الدستور و تصديقة فأنها ستؤدي الى موت الديمقراطية و سوف لن يكون هناك جدوى للانتخابات البرلمانية. و لكنة في نفس الوقت يؤدي الى الاستقطاب الطائفي و القومي داخل العراق.
فمثلا كي يضمن الشعية الاغلبية البرلمانية لابد لهم أن يتحدوا وأن يأتلفوا كشيعة و كمجموعة دينية طائفية (كما حصل الان). هذا سيؤدي الى تأخر في عملية الانتماء السياسي و الاقتصادي للافراد. و الكرد و السنة العرب سوف لن يتمكنوا من استلام السلطة، لأنهم لا يستطيعون الحصول على النسبة المطلوبة.
الابقاء على مبدأ التوافقات السياسية و نسبة الثلثين بعيدة كل البعد عن الديمقراطية الفعلية. فهل ستؤسس دولة ديمقراطية على اسس متينة تستند على المشاعر العامة و المصالح المشتركة، تعطى فيها صلاحية التصرف في الخصوصيات للاقاليم الفدرالية و تترك فيها المسائل المتفق عليها للحكومة و الدولة و العراق كوطن؟؟ أم ستستمر الاطراف العراقية على تهربها من الديمقراطية و تستمر على نهجها التوافقي المعادي للمبادئ الديمقراطية؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ