الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكرامة مفهوم إنساني

سامر أبوالقاسم

2012 / 8 / 7
حقوق الانسان


عادة ما يقترن مفهوم الكرامة لدى العديد من المتأسلمين في أن الإسلام جاء ليرفع من كرامة الإنسان، فكرم الله الإنسان منذ الخلق بالعقل وكفل له الرزق والطيبات، وحقق له الأفضلية على كثير من المخلوقات، ويستشهد على هذا بالآية: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).

والحال أن مفهوم الكرامة غير مرتبط لا بخلق ولا بنشأة، لا بحق إلهي ولا برعاية إلهية، بل الإشكال كامن في مدى توفق الكتل البشرية التي يجمعها عيش مشترك في مدار إقليمي ما من هذه الكرة الأرضية في أن تضمن لكافة أفرادها وجماعاتها كرامتهم الإنسانية، عبر التوفق في إقامة أسس ومقومات عيش مشترك مبني على الحرية والمساواة والتضامن والتسامح، دون أن يحس أي أحد من هذه الكتلة البشرية بالظلم والغبن، أو أن يشعر بفقدان كرامته جراء غياب العدالة الاجتماعية وليس العدالة الإلهية.

فالقضية إذا، سواء من حيث المبدأ أو من الناحية العملية، لا علاقة لها بالاعتقاد في وجود الله أو عدم وجوده، ولا صلة لها بقوة الإيمان أو ضعفه، ولا ارتباط لها بالإكثار من أعمال الجوارح أو التقليل منها أو إهمالها حتى، كما أن القضية لا علاقة لها بشهادة أو صلاة أو صيام أو زكاة أو حج، ولا بتصديق قلبي أو إقرار لساني أو عمل بالجوارح، إنما القضية على علاقة وطيدة بطرق وكيفيات تدبير وتسيير عيشنا المشترك، دون المساس بكرامة أي كان، ودون إقامة جواسيس وشرطة أخلاق على الناس، أو محاولة الانتصاب في موقع الوصاية على الدولة والمجتمع.

وعلى هذا الأساس، فمشكلتنا اليوم في الاتفاق على إعطاء مفهوم لهذا الاصطلاح، لا تكمن في مدى ما وصلت إليه البشرية من درجات السمو في ربط علاقتها بالإله، كل من موقع اعتقاده طبعا، بل هي على صلة وثيقة بمدى ما وصلنا إليه من مستويات الارتقاء في سلم جودة تدبير وتسيير أمور علاقاتنا. وهنا مربط الفرس.

فالمسلمون اليوم، لا هم وجدوا أجدادهم وآباءهم قد طوروا وقدموا طرق وأساليب عيشهم المشترك، حيث ظلوا غارقين في العديد من المشاكل المرتبطة بطبيعة ميلهم إلى البداوة والنفور من التمدن، واتجاههم نحو العِرْق والقبيلة والشرف والهروب من كل أشكال التعامل المبنية على الحرية والمساواة. ولا هم عقدوا العزم على الاستفادة من التراكمات الإيجابية التي حققتها الشعوب والأمم والحضارات الأخرى في إطار الدورات التاريخية للرغبة في تحسين عيش البشرية.

المدافعون من المسلمين اليوم على نظرية الحق الإلهي أو نظرية العناية الإلهية، ينسون أو يتناسون كلية أن الدين الإسلامي لم يضع نهائيا مقومات وأسس التخلص من نظام الرق والعبودية، وعمل على التعايش مع أسلوب استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وإلا لكان نظام الرق قد انتهى مع مجيء الإسلام.

وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى ترسيخ اعتقاد جازم لدى عدد كبير من المسلمين بأن الإسلام لا يقر بالمساواة، خاصة وأنهم يلتفون على الموضوع حين يستشهدون بالآية: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ليغضوا الطرف على الفوارق الاجتماعية الحاصلة، وليخفوا كل أشكال التفاضلات التي كانت موجودة آنذاك، والتي كانت تلعب أدوارا كبيرة في شقاء الإنسان، وهي التي قد تكون مفسرة للعديد من التغيرات والتحولات والثورات التي جرت على مر التاريخ.

لقد ساهم هذا كله في جعل عدد كبير من المسلمين مؤيدين للاسترقاق ومحبذين له، فليس الناس في اعتقادهم سواسية في الحقوق والواجبات، بل هم متمايزون، (فالعبد وما مَلَكَ هو مِلْكٌ لسيده) وينبغي في نظرهم أن يكون في البلد أحرار وعبيد، وهؤلاء العبيد غير جديرين بالمساهمة في إدارة الحكم، وفي انتخاب من يلي الأمر؛ لأنهم بطبيعتهم كالحيوانات، مهمتهم خدمة الأحرار يزرعون ويحصدون، ويعملون لمن يَمْلِكُونهم، وليس لهم أي حق من حقوق المواطنة.

فلو أن الإسلام حرم الرق بقرار حاسم وحكم شرعي قطعي الثبوت والدلالة، لاهتزت كل الأطروحات المعادية لثقافة حقوق الإنسان ومنظومتها القيمية، بل ولانهار بناء كافة التحليلات والتأويلات المحافظة عبر التاريخ، ولكنا اليوم في حل من هذا الثقل الثقافي والحضاري المتخلف، فجملة التعاليم التي بين أيدينا من القرآن والسنة تشهد بأن الإسلام لم يمنع الرق، ولم يعدم مصارفه كي يجعلها تجف بمنظور إنساني يضع الكرامة الإنسانية في صلب أي رأي أو موقف أو حكم شرعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص


.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة




.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر


.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ




.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا