الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واشنطن والحوار مع حركات الإسلام السياسي المتشدد

شريف نسيم قلتة

2012 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والجدل لا ينقطع داخل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة، كذلك بين الكتاب والمفكرين ومراكز الأبحاث الأمريكية حول "الحوار مع حركات الإسلام السياسي" وخاصة فى المنطقة. وفى إطار ذلك تتنازع ثلاثة تيارات رئيسية داخل دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة حول هذا الشأن:

التيار الأول، وهو التيار المتشدد الرافض تماما لفكرة الحوار مع التيارات الإسلامية. ويرى هذا التيار أنه لا يوجد فرق بين إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين فجميعهم يتفقون على الأهداف وإن اختلفوا فى الوسائل والتكتيكات. فجميع حركات الإسلام السياسي بلا استثناء تريد فرض الشريعة الإسلامية، ولأتقبل بمبادئ وقيم الديمقراطية والتعددية بل تكتفى بتطبيق الديمقراطية الشكلية، ناهيك عن عدم احترم حقوق المرأة والأقليات. ولهذا فإن وجود أي جماعة إسلامية أو ذو مرجعية إسلامية على سدة الحكم فى أي دولة وخاصة فى المنطقة سيشكل تهديداً خطيراً للاستقرار بشكل عام والمصالح الأمريكية بشكل خاص. ويستدل هذا التيار بتجربة "الخميني" فى إيران، و"النميرى" فى السودان و"طالبان" فى أفغانستان.

التيار الثاني، وهو التيار المعتدل والمؤيد لفكرة الحوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة، على اساس أن صعود التيارات الإسلامية المعتدلة أصبح أمراً واقعيا لا مفر من التعاطي معه. ويرفض هذا التيار وضع جميع حركات الإسلام السياسي فى خانة واحدة حيث هناك حركات متطرفة تتبنى أفكار منغلقة متشددة ولا تقبل بقيم الديمقراطية والحداثة مثل "حركة طالبان". وحركات معتدلة تتبنى أفكار براجماتية وتقبل بقيم الديمقراطية والتعددية وتحترم حقوق الإنسان وتنبذ العنف والإرهاب بجميع اشكاله كما لديها رغبة شديد على الانفتاح على الغرب.. ومن ثم يحذر هذا التيار من خطورة استبعاد الحوار مع التيارات المعتدلة؛ لأن ذلك سوف يساهم فى زيادة العداء للولايات المتحدة . كما أن دعم حركات الإسلام السياسي المعتدلة سيساهم فى كبح جماح التيارات السلفية والجهادية المعادية للولايات المتحدة. ويستدل هذا التيار بالتجربة الأبرز والأنجح حتى الوقت الراهن وهى تجربة "حزب العدالة والتنمية" فى تركيا.

ويمكن القول أن التيار الأول هو التيار الذى رجحت كفته وبشدة خلال فترة الرئيس بوش "الأبن". ويكفى للتدليل على ذلك هو الرفض الأمريكي للفوز الذى حققته "حركة حماس" فى الانتخابات التشريعية عام 2006. رغم الضغوط الأمريكية الشديدة على السلطة الفلسطينية من أجل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

التيار الثالث، وهو التيار البراجماتى المؤيد لفتح حوار مع جميع الحركات الإسلامية بما فى ذلك المتشددة طالما ذلك سوف يحافظ على المصالح الأمريكية. وينطلق هذا التيار من عدة معطيات رئيسية قد فرضها الأمر الواقع لعل أهمها: 1- الفشل الأمريكي الذريع على مدار عقد كامل فى القضاء على حركات الإسلام السياسي المتشددة.. والمثال الأهم هنا "حركة طالبان" فبعد عقد كامل من التواجد الأمريكي فى أفغانستان فشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً فى القضاء على هذه الحركة، بل والأكثر من هذا فإن فطالبان الآن تسيطر على مناطق كاملة فى أفغانستان وتحظى بشعبية واسعة بين الأفغان على حساب حكومة "كرزاي" المنتخبة ديمقراطياً. 2- التصاعد الملحوظ لتيارات الإسلام السياسي بعد موجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، "الإخوان المسلمون والسلفيون" فى مصر و"حركة النهضة" فى تونس. وهى حركات تصنف وفقاً للتعريف الأمريكي بأنها حركات متشددة.

ومن هذا المنطلق فأن وجود حركات الإسلام السياسي بكافة توجهاتها سواء كانت معتدلة أو متشددة أصبح أمراً واقعياً لابد من التعاطي معه. فالسياسة الأمريكية العدائية ضد حركات الإسلام السياسي المتشددة ساهمت بشكل أو بأخر فى وزيادة التعاطف الشعبة تجاهها، ومن ثم رفعت من أسهمها على حساب الأنظمة التقليدية المدعومة من الولايات المتحدة بل وحتى على حساب النخب الليبرالية واليسارية والقومية وما حدث فى مصر وتونس خير دليل على ذلك.
ويؤكد هذا التيار أن جميع تيارات الإسلام السياسي بما فى ذلك المتطرفة لديها قدرا كبيراً من البراجماتية وتتفاوت بالطبع من تيار إلى الآخر. إلا أن لدى جميعهم قدرا من البراجماتية تجعلهم يتخلوا عن الكثير من الأفكار المتشددة والعنف أيضا؛ وذلك فى حال ضمان وصولهم إلى السلطة او بقائهم فيها خاصة إذا جاءوا عبر الوسائل الديمقراطية. أما فيما يتعلق بالموقف تجاه الولايات المتحدة الأمريكية فان وصول تلك التيارات إلى الحكم سوف تجعلهم أكثر انفتاحاً وأكثر رغبة للحوار مع الغرب والولايات لدعمهم خارجيا وداخلياً. لكن فى ظل توافر شرطين رئيسيين وهما: الشرط الأول، التخلي عن السياسة العدائية تجاه تلك الحركات والمبادرة بفتح الحوار معهم. فالكراهية الشديدة التي تكنها تلك الحركات تجاه الولايات المتحدة نتاج طبيعي لعدم الحوار وتشدد الموقف الأمريكي تجاه تلك الحركات. الشرط الثاني وهو الأهم، عدم التشدد والضغط على تلك الحركات وبخاصة الأكثر تشدداً. من أجل تبنى أجندة إصلاحات سياسية واجتماعية تتعارض مع التوجهات الأيديولوجية لهم وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

ومن هذا المنطلق فأن وجود تلك التيارات فى سدة الحكم مع الدعم الأمريكي الصريح لتلك الحركات والتي هي فى أشد الحاجة إليه لمنحها الشرعية الدولية، سوف يشكل ضمانة رئيسية للحفاظ على المصالح "الحقيقة" للولايات المتحدة وأهمها : تأمين إمدادات النفط- تحجيم نشاطات القاعدة، والأعمال العدائية ضد المصالح الأمريكية- الاستقرار فى أفغانستان والمنطقة بشكل عام - أمن إسرائيل .... إلخ، مقابل تخلى الولايات المتحدة عن المبادئ والقيم ( تحقيق الديمقراطية- حقوق المرأة والأقليات.. إلخ). والتي ليست إلا ذرائع تتذرع بها الولايات المتحدة من أجل التدخل فى شئون الدول. ويمكن القول أن هذا ما ارتاءت إليه إدارة الرئيس "أوباما". ومأ أدل على ذلك هو التحول الجذري الرهيب مع نهاية عام 2011 عندما بدأت الولايات المتحدة فى فتح حوار مع "حركة طالبان"، وهو تحول لم يتوقعه حتى أكثر المتفائلين بشأن الحوار الأمريكي مع الحركات الإسلامية المتشددة. هذا علاوة على الهرولة الأمريكية الواضحة تجاه "جماعة الإخوان المسلمين" فى مصر. برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون".

وأخيرا يمكن القول أن قيام الولايات المتحدة بالتعاون أو التحالف مع أنظمة أو حركات متشددة مقابل التخلي عن دعم الديمقراطية والترويج لاحترام حقوق الإنسان، هذا ليس بالجديد أو المستغرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فالسياسة الأمريكية تحكمها دائما المصالح والمصالح فقط حتى ولو على حساب القيم والمبادئ. وخير دليل على ذلك هو التحالف الأمريكي الوثيق مع كلا من النظامين السعودي والباكستاني فكلاهما نظامين متشددين ومستبدين ومع ذلك تعتمد عليهما الولايات المتحدة بشكل رئيسي فى تحقيق استراتيجيتها وأهدافها فى المنطقة. وبالمقابل يعتمد كلا النظامين وبشكل رئيسي على الولايات المتحدة فى دعم وتثبيت شرعيتها الداخلية والخارجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا