الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التغيير ضرورة تأريخية لاحياء العقول

سامي بن بلعيد

2012 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


ما من ادنى شك حول عملية التطور الحضاري لاي أُمّة إلاّ ان يكون العقل هو القائد والموجه لتلك العمليه كما ان منظومة القيم الاخلاقيه هي المكملة لذلك الامر .

نحن العرب اغفلنا دور العقل على مدى ثمانية قرون من الزمن وبالتحديد منذ نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن الهجري مع انحراف الفكر الراشدي الذي كان يهتم بالانسان عقلاً وقلب وذهب في طريق العقلية الشيئية التي تجسدت في شخصية الانسان العربي عبر القرون الطويله التي تخللتها موجات استعماريه مستبده او دكتاتورين محليين اكثر استبداد من المستعمرين وسار بنا الامر هكذا حتى وصلنا الى مرحلة الجمود التي أنتجت طابع الحكومات الريعية المستبدة المتقمصه بالدين او بالديمقراطيات الزائفة

عبر مراحل المعاناة الطويله تجمد دور العقل الفاعل الذي ينتج المعرفه وبرز دور العقل العاطفي المنفعل واصبح العقل المحايد مختزل من واقع الانسان العربي نظراً لكثر الهزائم النفسيه التي تعرّض لها الانسان العربي فتحول الامر كله الى معاناة نفسيه تقودها العاطفه بشده فأصبحت النظره الى الاشياء طبقاً وما تشتهيه النفوس وبدون اي شراكه عقليه

ولنا ان نأخذ العبرة من الثوراة العربيه بعد الحرب العالمية الثانية التي راح فيها الكثير من الشهداء ولتلك الثورات غنّت الشعوب وكتب لها المفكرون والباحثون والادباء وشاركت فيها اغلب قوى الشعب ولكن للاسف الشديد ان تلك الثورات لم تأتي ثمارها بل على العكس زادت من حجم المشاكل والتعقيدات في اطار البنية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعوب وانتهت بسؤال مهم ظل يحير المفكرين والعلماء لحتى مرحلة ما قبل قيام الثورات السلميةوالسؤال هو :

لماذا تتحرك الشعوب العربية عكس حركة التطور الحضاري العالمي ؟ ولماذا اصبحت الهوّة كبيرة بيننا وبين بلدان العالم المتمدن ؟

فالاجابة كما يقول المفكر الكبير (مالك بن نبي) انها تكمن في كينونة الانسان العربي ( ذاته) ولم يعد عند الانسان العربي قدره على رؤية ذاته لانة اصبح عاطفي انفعالي وتابع لاهواء نفسه الامارة بالسوء إلاّ ما رحم ربك ,فلم يعد للعقل الواعي اي دور ملحوظ في ادارة الحياة وذلك اكسبه خلل عام اضاع من خلاله حلقات التكوين الثقافي العام للامة واصبح متعصب لنفسه او لقبيلته او لحزبه او لمجموعته أو لزعيمه .... الخ

فتشكلت اسس الافكار على قواعد الصراع واصبحت كل فئه تعتبر نفسها الاقدر على ادارة البلاد وتضن إنّه لا يصلح الوطن إلاّ اذا ظل تحت ادارتها فدخل عامل الاقصاء للآخر وتحول الامر برمّته الى الى ثقافة صراع وتآكُل تنتحر بها الشعوب من الداخل


فأصبح الانسان على ضوء كل ذلك عقليه ماديه ترى الاشياء ولا ترى نفسها , فسقطت قيمة الانسان من الحسابات العامة للبناء ودخلت المشاريع السياسية وقطعت الجميع شر تقطيع

لان السياسية تعني بناء عالم المصالح سوى في اطار البلد او مع العالم المحيط اي ان الفكر السياسي يعني ماده اما الفكر الذي يهتم في بناء الانسان فهو الثقافة بمفهومها الشامل لكل امّة فهذا الفكر تم تغييبه وهنا كانت الكارثه واصبح الانسان العربي خارج اطار ساحته الحقيقيه فمهما قامت الثورات ومهما تحرّكت الشعوب على مختلف الاتجاهات لن تفلح في تحقيق الرفاهية التي تنشدها .

فالانسان هو مصدر الرفاهيه والرفاهيه تبدأ في العقل كما يقول المثل الانجليزي , فكيف يتسنى للانسان التعاطي مع مشروع سياسي اشتراكي او رأسمالي او اسلامي وهو في حالة ضياع فكري او حالة جمود ان لم تكن غيبوبة فالعقل العربي لم يعد بمقدوره ان ينتج معرفه بقدر ما اصبح مثل الطبق يحمل المعلومات عن طريق حفظ آلي لتراثه الديني وتأريخه الماضي او عن طريق تقليد الآخرين ونقل افكارهم دون تبيئه او تمحيص .

لقد اصبح في علم المؤكد ان الانسان العربي لا يستطع ان يبني دولة مدنيه إلاّ عبر المرور بثورة تغيير تجبر العربي على الوقوف امام ذاته ليبدأ بالتغيير العام حتى يصل الى اعماق شخصيته ويعيد اكتشاف نفسه ويصل بها الى حالة سلام مع ذاته كطريق للوصول الى حالة سلام مع الآخر

اي ان ثورات ألتغيير أصبحت ضرورة تأريخية حتمية فالثورة بسلميتها اصبحت بمثابت المصفاة للعقل والروح وهي التي ستعيد بناء الانسان حتى ترتقي بوعيه الى درجة انه يستطيع رؤية الحياة كما هي بدون الوان او اضواء ويكتشف هويته الجامعه التي من خلالها يرى نفسه وشعبه وامته وعالمه الانساني الرحب

فاذا ما تحقق الحلم وانتصرت الثورات السلمية وحققت اهدافها تجاه الانسان سيكون الامر مغاير تماماً اي اننا سنكون امام انسان قادر على التعاطي مع الافكار على مختلف اصنافها أكانت دينيه او فكريه او سياسيه .... الخ وسيكون خليه فاعله وليس عاطله وسيصبح شريك مؤثر على مستوى عالمه

واختتم بمثال من الواقع وابدأ بالجنوب اليمني سابقاً عندما تعاطى الانسان الجنوبي تلك الافكار الاشتراكية في مرحله ضعفه وقل معرفته وتفكك عراه فلم ينجح بل كانت تلك الافكار وبالاً عليه رغم انها لم تكن وبالاً على شعوب اوروبا , ولا يقتصر الامر في الجنوب اليمني سابقاً بل كل الوطن العربي بأتجاهاته الرأسمالية او الاسلامية او غيرها فلم تنجح دوله عربيه في بناء نظام مدني متكامل سوى كانت دول فقيره او غنية اي على اعتبار ان الخلل الموجود هو خلل حضاري في ذات الانسان العربي الذي اصبح فاقد القدرة على التعاطي مع الاشياء وغير قادر على مواجهة الازمات .

فالثورات السلمية هي المخرج الوحيد للانسان العربي وهي القادرة على ايصاله الى سواحل النجاة والقادرة على قلب طاولة الافكار والمفاهيم والقيم والقادرة على تفكيك كل المفاهيم البالية واعادت البناء الثقافي بشكل منهجي يوجه زوايا الفكر نحو اتجاهاتها الحقيقية , ومن المؤكّد إن التغيير لم يكن بين عشيةٌ وضحاها لان طبيعة الموروث الذي سبّب الخلل للعقل العربي قد كان عبارة عن حصيلةٌ تأريخية لقرون طويلة من الزمن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا امه ضحكت من
بلبل عبد النهد ( 2012 / 8 / 8 - 10:40 )
الثورات العربيه اتت بحكام ملتحون في تونس وفي مصر وفي المغرب ونحن ننتظر سوريا اي انها عوض ان تسير بنا الى الامام اعادتنا الى الوراء العربي المسلم مصاب بالغرور والكبرياء الفارغة فانظروا مثلا الى السعودية التي شاركت في الاعاب الاولامبيه هي وحدها من ترتدي الحجاب فما الذي حققته بحجابها الديني هذا لاشئ بل الشئ الوحيد الذي حققته هو ان المشرفين على تنظيم هذه الاعاب اكتشفوا انهم ارتكبوا خطئا بقبول هذه المشاركة بهذا الزي التمييزي العنصري الذي يريد المسلمون ان يقولوا للعالم انهم بحق خير امة اخرجت للناس وفي الواقم هم ادنى الناس ففي هذه الالعاب لم يكن المتتبعون ينظرون الى عورات المشاركات بقدر ما كانوا ينظرون الى براعتهم في الادار واحرازهم على التائج المشرفة لبلدانهم يا امة ضحكت من جهلها الامم


2 - يا ليله عالحجاب
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 9 - 01:43 )
ما نرمي اليه في موضوعنا يتعلق بضرورة التغيير الثقافي القيمي الاجتماعي السياسي الفكري من اجل تحرير كل العقول ودون تمييز عرقي او ديني او غيره من اجل الارتقاء بالجميع والتمكن من بناء اساس حضاري مدني جامع ليتمكن الناس من ترك متارسهم الفكرية الضيقة والمتكلسة وينطلقون من مربعات الضيق والتكبيل نحو مساحات الحرية الواسعة ورحاب الفكر الانساني المشرق والرشيد
أما في حال واحد يتعلق بالحجاب وعمل من منها مشكلة المشاكل وآخر يتعلق بحكاية دخول الحمام وخروجه وثالث في اقصى اليمين ورابع في اقصى اليسار وكل واحد عامل من الحبة قُبه
ففي حال الاستمرار على نفس الحالة سيكون الضياع بانتظار الجميع
يجب ان نترك عالم الصغائر وننتقل الى العالم الكبير والمتحرك
وتفكر بعقلية وطن


3 - أين مقلك إلى نوال السعداوي ؟
مريم نجمه ( 2012 / 8 / 9 - 10:52 )
الكاتب سامي بن بلعيد المحترم

أحببت أن أعلق على مقالك 1/ 3 / بعنوان إلى نوال السعداوي .... 2012
لم أجد المقال على صفحتك ؟
وإن كان مقالك اليوم ليس له علاقة بالموضوع فقط لتسجيل الملاحظة .
هناك مئات النساء العربيات تستحقن جوائز نوبل للسلام وأولهن المرأة الفلسطينية , وأولهن الدكتورة نوال السعداوي ( رئيسة مصر ) الديمقراطية - كما سمّيتها منذ عام 2008 في مقال لي على الحوار - أما بالنسبة للمرأة اليمنية مع إحترامي لها واشتراكها في الثورة اليمنية لكن الجائزة لها هناك أهداف أخرى وعلامة إستفهام كبيرة !؟
أعذرني أستاذ سامي على المداخلة سأشرح أكثر في المستقبل مع الشكر للأسئلة المثارة ,
تحياتي


4 - تحية الحريّة للأُستاذة الفاضلة مريم نجمه
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 9 - 23:57 )
أولاً مرحباً بك في صفحتي الذي نوّرت بحضورك
بالنسبة الى مقالي
الى نوال السعداوي
موجود على صفحتي وهو رقم 16على الموقع الفرعي

عموماً كُنت أتمنى أن أسمع رأيك في هذا الموضوع لأني أعتبره ذات أهمية
بالنسبة الى ما أشرتي اليه عن جائزة نوبل فأنا أتفق معك إن هناك الكثير من النساء العربيات ممن يستحقها بجدارة ولا غُبار على ذلك
أنا حاولت أن اذهب الى بعيد وطرقة على القشرة لعلي أجد ما أشتفيه من الإجابات المُمكنة ولكنني لم أعثر ... وقُلت لنفسي السكوت هو من علامات الرضاء على الموضوع

أنا ممن يحب الابداع للمرأة والرجل
باداء جمالي منهجي علمي يحتفظ بمكان المبدع في المقدمة , ولا أقصد في مقدمة الاهل والاصحاب والمؤيدين ... أي أن الهدف من صناعة المعرفة وتحريك العقول والاندفاع نحو عالم الحريّة والمدنيّة يرتبط بقاعدة التكامل الحضاري التي تؤسس لبناء عقل مجتمعي عام نرى من خلال نوافذه صورة الوطن الجميل
فلم يكن قصدي في موضوع : الى نوال السعداوي
هو التباهي بالمرأة اليمنية أمام نظيراتها العربيات
ولا الغرض التباهي بالسيدة توكل كرمان
ولكن الغرض هو محاولة الوصول الى إستنتاجات تسعفني بمعرفة الدور الحقيقي


5 - تَكْمِلَه
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 10 - 00:26 )
للمرأة العربية على ساحتها العربية وعلى مستوى الساحة العالميّة , وهل هناك أساسات منهجيّة علميّة متّفق عليها ؟
هل المرأة العربية هي التّصف المكمل والاهم في حياتنا ؟
يصنع الحياة والاستقرار والتكامل العائلي والاجتماعي

أم إنها نقيض للرّجل وند عنيد يزعزع الحياة والاستقرار الاجتماعي ويضاعف حجم
المعاناة التي لا حدود لها ؟
فأنا ما زِلت مُصر على ان المرأة اليمنيّة
هي صاحبة الصوت والدور والعمل الايجابي المُميّز والذي أستوعب ثورات الربيع وماذا تعنيه وناهض أعتى نظام إستبدادي عربي مع آلة حرب كبيرة ومتخلّفة ولا أقصد بكلامي هذا إلغاء أو استنقاص من دور المرأة العربيّة في الاقطار الربيعية ألأُخرى

أخيراً هل هناك قواعد عامة الهدف منها رفعة الشعوب فوق الافراد والاحزاب والجماعات؟
كل الاحترام والتقدير لمقامك العالي

اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط