الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى الاولى لتحرير طرابلس.. فرح يخالطه الحزن

محمد عبعوب

2012 / 8 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تطل علينا اليوم الذكرى الأولى لتحرير مدينة طرابلس التي تصادف يوم 20 رمضان، من قبضة الطاغية معمر القذافي الذي طواه النسيان، ولم يترك في ذاكرتنا سوى ذكريات المآسي والألم الذي جرعه لنا طيلة فترة حكمه البغيض..

تطل هذه الذكرى العزيزة على النفوس وتبعث في فينا فرحة غامرة لكنها مضمخة بالألم والحزن.. فرحة بإزاحة كابوس جثم على قلوبنا لأكثر من 40 عاما، فرحة بتنفسنا نسائم الحرية التي صادرها منا هذا الطاغية وتحت شعارات رنانة جوفاء عن حرية وهمية ينتهي من يطالب بتجسيدها على ارض الواقع الى غياهب السجون، هذا إذا لم تزهق روحه في واحدة من أعراس الموت التي كان ينظمها شراذم القتلة من أعضاء اللجان الثورية لكل مطالب بالحرية كلما تعطش قائدهم للدم واللحم البشري.. فرحة باكتشافنا للوطن الذي اسمه ليبيا والذي غيبه الطاغية ونفاه من وعينا ليتموضع بدل عنه شخصه المقرف في وعي كل الليبيين ضحايا آلة التضليل الجبارة التي سلطها على عقولهم.. فرحة باستعادتنا لصوتنا الحر الذي ظل طيلة هذه الحقبة المظلمة حبيس صدورنا حتى تكاد تنفجر من هول ما تكتمه، وكان الانفجار العام لها يوم 17 فبراير من العام الفائت..

هذه الفرحة الغامرة يخالطها وفي لحظات متقطعة حزن ومرارة .. حزن على الذين غادرونا وهم يصنعون لنا فجر هذا اليوم بدمائهم وقدموا أرواحهم سخية لنعيش نحن هذا اليوم الذي طالما حلموا به مثلنا واختارهم الله ليخلودا في نعيم جنته الدائم ويغنيهم عن هشم الدنيا الزائل.. مرارة لا تطاق والم يعتصر النفوس لتبديدنا لهذه التضحيات وعبثنا المقصود وغير المقصود بدماء هؤلاء الشهداء والجرحى الذين قدموا تضحياتهم الجمة من أجل بناء ليبيا الجديدة، ليبيا دولة القانون والحريات والعدل والمساواة، ليبيا لكل الليبيين.. فإذا بنا نحولها إلى بؤر للصراعات القبلية والجهوية والاسرية وندفع بها حثيثا إلى مرحلة الصوملة والأفغنة، ولأسباب تافهة جدا لا تستحق حتى الوقوف عندها او التعاطي معها..

وأنا اتنقل بين حروف لوحة المفاتيح لأفضي لكم أصدقائي وقرائي الأعزاء بما يعتمل في نفسي في هذا اليوم العزيز على نفسي من مشاعر مختلطة، تفيض عيوني بالدموع وأنا أتذكر تلك الشهور الست من الثورة ونحن نواجه الموت في طرابلس ونترقب في كل لحظة كتائب الموت وفرق التصفية لتقتحم بيوتنا وتجهز علينا، بعد أن جاهرنا بالصوت العالي في شوارع طرابلس منذ مساء 20 فبراير بانحيازنا للثورة ورفضنا للبقاء في ظلام جماهيرية القذافي التعيسة ووثقنا هذا الرفض بمقالات على صفحات الفضاء الافتراضي وعلى حوائط شوارعنا..

تصيبني قشعريرة ورغبة في الثأر من شرذمة اللجان الثورية الذين أطلقوا علينا وابلا من الرصاص عندما خرجنا من مسجد النصر بعد صلاة العشاء ليلة 20 رمضان بمنطقة الدريبي ونحن نكبر انتصارا للثورة ، وأتذكر ذلك القاتل المأفون الذي كان يحاول قتلي وزميل آخر عندما احتمينا بباب أحد البيوت الملاصقة للمسجد، وعندما لم يتمكن من إصابتنا اقترب ليواجهنا مباشرة مشهرا رشاشه الكلاشنكوف في وجهنا ويأمرنا بالتوجه الى سيارة الاعتقال، ولأني كنت ادرك مصير من يعتقل قررت المغامر والفرار الى داخل المسجد، فما كان منه إلا أن رماني بخمس إطلاقات مزقت إحداها كف يدي الشمال وأخرى بنطلوني وثالثة حذائي الصيفي.. ولم يتمكن من اقتحام المسجد الذي كان البعض يقيم فيه صلاة التراويح، ما كتب الي النجاة تلك الليلة والعودة الى البيت بعد أن اعتقد أنني فارقت الحياة, حيث عدت الى البيت سالكا شوارع داخلية، ليتولى الجيران معالجة جرحي، لكن الرعب لم يفارقني تلك الليلة من قيام جيران لي مسلحين ومؤيدين للطاغية بالقبض علي وتسليمي الى كتائب الطاغية التي كانت تلك الليلة تمارس آخر فصول مسرحيات القتل الجماعي لكل من تحول حولهم شبهة الولاء للثورة بعد تأكد لديهم زوال ظلام سيدهم عن سماء ليبيا..

تسيح دموعي وأنا أتذكر في هذا اليوم تلك الجلسات والحوارات التي نعقدها في الشارع العام وفي مكاتب اصدقاء كان يجمعني بهم الانحياز والانتماء للثورة والرهان على نجاحها رغم ضوضاء وهذيان ابواق الطاغية وتهديد شراذمه التي كانت تقرأ الثورة في عيوننا لكنها لم تعرف كيفية القبض عليها ووأدها.. تلك الحوارات التي أسست لتوبة الكثيرين وإعادتهم الى الطريق الصحيح قبل فوات الأوان وأكدت لهم زيف دعاية القذافي وبطلان كل وعوده وخواء كل تهديداته..

يتدفق الدمع حارًا من عيني اليوم وأنا أتذكر تلك الليالي من القلق والرعب الذي أُداريه عن اسرتي وحتى اصدقائي خوفا على إبني البكر الذي اختار حمل السلاح والقتال كطريق للثورة على الطغيان، وغادرنا فجر أحد ايام شهر يونيو 2011 ليلتحق بالثوار في الجبل الغربي متسللا رفقة ابن عمتي، ولم نعرف عنه شيئا سوى في مرات نادرة، حتى قابلته بعد تحرير طرابلس ضمن مفرزة للثوار دخلت المدينة ليلة 20 رمضان الماضي، وكان ذلك عيد ميلاده الحقيقي بالنسبة لي.. كما لازلت أتذكر ساعات السهد الطويلة -خاصة بعد أن يهدأ ضجيج النهار- وأنا أطارد طيفه ، وأحاول أن ارسم صورة له في خيالي؛ أحيانا كمقاتل تبعث فيا نشوة النصر، وأخرى كشهيد تبعث فيا الحزن، وثالثة كمشرد في الفيافي تطارده كتائب الموت في وديان الجبل تفجر قلقا ورعبا يجتاحني ويدفعني لمغادرة فراشي والبدء في حوار مسموع مع نفسي لأبعد عنها هذه الهواجس.. كما لن أنسى تلك الإجابات المتهربة على اسئلة بعض الأقارب والأصدقاء عن ابني الذي لم يعد يشاهد بالحي، وما إذا كان قد التحق بالجبهة في الجبل، وهو ما كنت أخفيه خوفا عليه وخوفا على نفسي وبقية الاسرة من تسرب نبأ التحاقه بالثوار الى الأجهزة الأمنية التي أدرجتني على لائحة المطلوبين الممنوعين من مغادرة البلاد بسبب كتاباتي وموقفي المعلن من الثورة، والذي كانت تؤجل عقوبته الى حين فراغها من سحق الثورة، إذ عقوبة الثورة في ليبيا في ظل الطغيان كانت تشمل المخالف واقاربه الى الدرجة الرابعة فما بالك بمن يحمل السلاح ضد النظام او يكتب لكشف مفاسده ويدعوا للثورة ضده.

هذا يوم للفرح الذي يخالطه الحزن .. لكنه قطعا وبكل ذكرياته المريرة التي قد يغيب بعضها عني في هذه اللحظات، لن يكون إلا يوما للاحتفاء والبهجة باندحار الظلام وبزوغ النور رغم ما تبقى من غبش ظلام خلفه الطاغية في سمائنا التي سيعمها الضوء ونور الحرية، عندما نتخلص من أنانيتنا ورؤيتنا القاصرة للأمور ونتحلى بنكران الذات ونترجم انتماءنا لليبيا عمليا من خلال احترامنا لتضحيات شهدائنا وآدائنا لواجباتنا نحو الوطن بسخاء وكرم يحاكي كرم الشهداء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجرذان صارت لهم ثورة بفضل ليفي
علي علم الدين ( 2012 / 8 / 9 - 19:23 )
الى متى هذا التزوير ياجرذان الناتو في زمن القذافي وصل اقصى عدد للمعتقلين 1200 شخص من هولاء الوهابية اما الان في سجون مليشيات الجرذان اكثر من 25 الف والتعذيب حدث والاحرج واخره قدر الزيت الكبير الذي يحرقون فيه اهالي تاغور الابطال سرقوا ارضهم واغتصبوا نسائعم وقتلوا شبابهم .ثورة ليفي ستبقى عار في تاريخ الشعب الليبي ويكفي ان 65 بالمائة قاطع الانتخابات وهذا يعني ان الجرذان لايملكون شرعية التأئسيس وانهم فرضوا بقوة السلاح .وكيف تخرج من جامع وتتحالف مع ليفي الذي كان يدير غرفة العمليات


2 - الى علي
محمد عبعوب - ليبيا ( 2012 / 8 / 13 - 19:08 )
تعلم القراءة، وتعرف على اسماء المدن، قبل أن تتعلم الحقائق.. 1200 هم من أزهق أرواحهم سيدك في ساعات معدودة في معتقل ابوسليم وبغض النظر عن توجههم السياسي فهم بشر ورهن الاعتقال كان يمكن محاكمتهم أمام محاكم بدل إبادتهم بوحشية وإجرام قل نظيره اليوم في العالم.. ما تشهده ليبيا اليوم من تجاوزات ندينها وتدينها كل الشرائع هو نتاج لثقافة العنف والقهر والتسلط والتهميش التي مارسها ورسخها نبيك في عقول الليبيين على مدة اربعة عقود.. ليبيا التي ننشدها ونتمنى ان تحضرها انت هي ليبيا الحرية والسلام والامن للجميع ، ليبيا القانون والمساواة..اما نسبة الاقتراع اعتقد أنك قرأت الرقم بالمقلوب!!! تعلم القراءة حتى يكون لنقدك معنى..

اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟