الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكوين الظاهرة الروائية إعادة النشأة وهيمنة التفسير الايديولوجي 1-2 .

حسن مجاد

2012 / 8 / 9
الادب والفن


ترى كيف يمكن ان نتخيل حجم الإرث الروائي في كلاسيكياته المؤسسة لتقاليد الفن، وهو يعمل عبر فاعلية المخيال السردي على تصوير الحياة الأوربية وصعود الطبقة البرجوازية، كيف ساهمت الرواية في تقديم رؤية للعالم من شرفات القاع، وهو ما أقصى البعد الفانتازي والغرائبي الذي كان متحكما في البناء الملحمي، هل جاءت الرواية مفتتحا للإعلان عن موت الملحمة أو بالأحرى موت الإله وموت صراعات الآلهة لتحل محلها صراعات القوى والإنسان ضد الواقع وطبقاته ومنعرجاته ؟!، هل الرواية هي فن الإنسان والمجتمع بامتياز تعبيرا عن أفق تغيير أو مسار حركة أو هموم فرد، من هنا يمكن لنا ان نطل على اتجاهات تفسيرية للعالم الروائي في ضوء الرؤية الايديولوجية في مسارات تكوينها الاولى بدءا من ماركس ومابعده وصولا الى لوكاتش ولوسيان غولدمان وميخائيل باختين، الا ان النزعة الشكلانية التي سادت في اوربا في منتصف القرن العشرين جعلت من التفسير الايدبولوجي إرثا لا يكشف عن جماليات التعبير بقدر ما يكشف عن اتجاهات تفسير النشأة وتمثلات الواقع.

ينبغي لنا ونحن في بدايات الأسئلة ونثارها ان نلملم خيوطا قد لا تكون منسجمة في اول البدء ونعيد قراءة المفاهيم في ضوء بيئة النشوء المعرفي، ومن هنا فان اللبس الذي يكمن في تحديد دلالة مصطلح الاشكالية لم يكن وليد البيئة الغربية بل هو نتيجة تلقي عربي انتج اساءة فهم تتعلق بقدر التماثل الدلالي بين الإشكالية بحمولاتها المعرفية التوسيرية والمشكل في فقه اللغة وأصول الفقه في الموروث العربي.

إنَّ البنية الإشكالية بنية مركبة ولا يمكن تصور أحد أطرافها بمعزلٍ عن الآخر، ومن ثم، فإنَّ محاولة تأطيرها بوضعها داخل نسق مسبقٍ لا يكشف عن خصوصيتها داخل الخطاب النقدي، ومن هنا، فلا بُد من ضرورة التنبيه على الافتراق المعرفي بين الإشكالية والمشكل، إذ ليس من المبرّر جداً والمسوّغ علمياً توارد هذين المفهومين على نسقٍ واحدٍ كما حاولتْ النقدية العربية أنْ تضعَ تصوراً عنه في ضوء هذا المنحنى التوليفي؛ إذ إنَّ الأصول المعرفية والجذورَ التاريخية لهما مختلفة، فالإشكالية مصطلح ٌ كما يعرفها جابر عصفور في ملحق كتاب عصر البنيوية "أشاعه لوي ألتوسير، يشيرُ إلى العناصر البانية في مجال أيدلوجية لمواجهة مشكلات وتساؤلات يطرحها الزمن التاريخي، على نحو يتكشف عن إطار داخلي لبنية توحّد كل العناصر"، وهي على وفق هذا الجذر التاريخي والفهم النظري تشير إلى مجموعة من الأفكار التي قد تختلف فيما بينها، ولكنها تشكل وحدة فكرية تتيحُ للباحث أنْ يتناولها بوصفها قضيةً مستقلةً على حين يتجه مفهوم المشكل نحو دائرة فقه النصوص الأدبية والتاريخية في تعريفات الجرجاني "مالا ينال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب"، فالجذور التاريخية لمفهوم المشكل تختلف عن نظيرها الإشكالية. ومن هنا فان إشكاليات تكوين الظاهرة وتحليلها تكون معقدة بتعقد علاقاتها التاريخية، وبعيدا عن النزعة الشكلانية التي تحاول إلغاء السياق التاريخي لتكوين الظواهر لتنحو بعد ذلك إلى تحليل بناء النص، فان الأسئلة التي تتشكل في إطار هذا التصور لا تنجو من التاريخ نفسه، إذ هل يمكن ان نتصور تكوين الظاهرة بعيدا عن سياق تاريخي يشكل لحظة بدئها وانتهائها ؟!، وهل يمكن لنا ان نزيحها عنه لنبحث عن علاقات تكوينها وأنظمة بنائها ودلالاته، وهل تعد الظاهرة نسيجا منسجما تحدد به عناصر تشكلها تاريخيا أم ان الإحالة الاجتماعية التي تتكئ عليها لا تجعلها كذلك، ومن هنا تتوسع دائرة التباين في الرؤى تبعا لاختلاف الطبقات الاجتماعية التي تشكل رؤيتها للعالم، وتبقى المساحة الكبرى مشغولة برؤية مهيمنة تقصي الرؤى المحايثة وتلغيها، أو تشكلها على ضوء تصوراتها.

أصبح من الممكن تاريخيا ان نتحدث بلباقة عن نشوء الرواية في أزقة المدينة، السؤال الذي يمكن ان يثار هو إلى أي مدى تخطت الرواية المعالم الطوبوغرافية للمدينة، بمعنى ان التحولات التي لحقتها لم تكن وليدة تحول آلي، من هنا ارتبطت عودة المثقف روائيا مساوقا مع خراب المدينة احتلالا كما في بغداد مثلا، أو اقتلاعا لذاكرة كما في أورشليم القدس، قضية التخطي بكل الأحوال قد تبدو افتراضية لان المدينة ستتحول بطبيعة الأمر من وصفها خلفية لتنامي أحداث ما في مجرى معين إلى بعد مركزي لا يمكن تجاوزه إلى الحد الذي يمكن عد المكان بطلا، المدينة ليست مكانا فحسب بل مجموعة من علاقات مركبة لوجه حضاري قد تركت وراءها القرى والأرياف على ضفافها الشاسعة والضيقة معا على حد سواء، إلا إنا لا يمكن ان نتجاوز نمو المدن على مستوى الإسكان بفعل الهجرات والنزوح، وهنا ما يشكل معها هجرة مفاهيم وتبدل قيم لا تلحظ بوقت على المدى القصير بل تبق رهينة ما يطرأ عليها من تغيرات حادة، لنا في ذلك تجارب مهمة على مستوى الرواية الغربية والعربية، قد لا تؤرخ بأهالي دبلن وباريس ولا تنتهي بالقاهرة المحفوظية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين