الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قتل ايماما ؟؟

اميرة بيت شموئيل

2012 / 8 / 9
الادب والفن


- ايتها المنكوبة، لم أكد اشعر بالراحة في بزوغ شمس اخيك الى الدنيا، حتى انقلبت انت ، عذابا اكبر من كل عذاباتي.. ايتها المنكوبة، لماذا خلقتك الاقدار في حياتي ؟ لم اكن عاهرة لتؤدبني .. لم اكن ظالمة لتأنبني .. ولم اكن سعيدة لتتعسني. يا الهي، اية جريمة اقترفت لتقرر امتحاني بهذا العذاب.. ما بالك لا ترحم عذاباتي وتقف الى جانبي؟ ايماما، ايتها الظالة، ما اقبح هذا الغباء الذي غلف جمالك بوقاحته.. لقد جعل منك ومنا اضحوكة الناس.. اية اقدار جاءت به الى حياتنا؟؟ اية عيون دفعته الينا؟؟ ايماما، يا ذاتي الجريجة، ماذا حل بعقلك؟ اين ذهب ذكاءه؟؟ لقد كنت الاولى دائما بين صديقاتك . أية تعيسة حسدتك عليه؟؟

اسرعت زريفة الى اقفال عينيها لترسم النوم على وجهها، عندما شاهدت ابنتها النائمة تتحرك الى جانبها وتضع يدها اليسرى على صدرها . سمعتها تتحدث بصوت خافت:
- اتتحدثين مع نفسك يا بلهاء؟!!
تعجبت زريفة من سؤال ابنتها لان الحديث اصلا لم يكن مسموعا . فتحت عينيها الدامعة وسألتها:
- كيف عرفت باني اتحدث مع نفسي يا ايماما؟
- ايتها البلهاء، الا تعرفي بأني اسمع صراخاتك دائما؟ هيا نامي وكفاك ثرثرة في منتصف الليل.

في الصباح ، استيقضت زريفة وايماما على صوت الاب الغاضب:
- الى اية ساعة ستنامين ايتها البقرة.. ألم أقل لك ان الدكتور سيصل في الساعة العاشرة؟ لم يبقى على وصوله الا ساعتان.. اسرعي الى المطبخ وحضري الفطار قبل ان يأتي.
اسرعت الام تغادر الغرفة تحت لعنات الزوج وسخرية ايماما
- اسرعي يا زريفة قبل ان تنال منك صواريخ ارض جو. اسرعي، فالعدو من امامك ونحن من وراءك والله يقف ضدك.

- لاتنسي ان ترتبي ابنتك المجنونة وغرفتها قبل ان يدخل اليها الدكتور.. انها فرصتنا الاخيرة ، بعد ان فوتت علينا الفرص السابقة.. اذا فشلت هذه المرة، فسارسلك معها الى مستشفى المجانين.
بسماعها لهذة العبارات، وثبت ايماما تقفز على سريرها بسعادة، كاتمة انفاس الضحكة على شفاهها. قفزت على الارض وتوجهت الى دولاب الملابس. فتحته وانتقت منه عدد من الملابس المختلفة الالوات واخذت تلبسها الواحدة بعد الاخرة فوق البيجامة. واخيرا توجهت الى مخزن اخر واخرجت منه ملابس داخلية ولبستها فوق البقية، قبل ان تدخل اليها امها.
- ايتها المجنونة، سيقتلك ابوك اذا شاهدك على هذه الشاكلة.. اخلعي من عليك هذا الغباء قبل ان يدخل علينا.
- بل انت المجنونة، اريد ان أفاجئ حبيبي الدكتور بهذه الملابس.. فلماذا تغارين مني؟
- الم يكفيني جنونك، حتى تقذفيني بشتائمك القبيحة وتطالي علي بلسانك؟ ايتها الوقحة، ساعلمك الادب. سركيس،، سركيس، تعال وانظر الى ابنتك.
اسرعت ايماما الى خلع كل ما عليها من ملابس ووقفت عارية أمام أمها لتمنع دخول الأب الى الغرفة.
- ماذا حدث، هل عادت الى فضائحها مرة اخرى؟ ساقتها هذه المرة.
اسرعت زريفة تغلق الباب ، مشيرة الى ايماما بالسكوت لدرء الخطر عنها.
- لا تدخل .. لا تدخل. صوتك كان كافيا لاعادة عقلها الى مكانه.
عادت الام تساعد ابنتها، المرتعشة خوفا، على وضع ملابس مناسبة عليها، الى ان انتهت وتركتها لتعود الى غرفة الانتظار.
اختلت ايماما مع نفسها، واخذت تنظر الى نفسها في المرآة وتحاول تمثيل الحركات الغريبة على وجهها وجسدها، استقبالا للقادم الغريب، الذي سيأتي ليكشف اسباب جنونها. اسرعت الى باب الغرفة تختلس النظرات، عندما سمعت دقات على الباب الخارجي وشاهدته يدخل الى غرفة الاستقبال.. شاب في مقتبل العمر، جميل، خجول النظرة والخطوة.
اغلقت الباب وراءها وعادت الى مرآتها لتحدث نفسها:
- ايها الدكتاتوري الصغير، ساعلمك كيف تحترم ايماما هذه المرة ايضا.. ساخدعك وارسلك انت ايضا الى الجحيم، بعد ان ازرع الموت في اوصالك الى الابد.
اسرعت الى سريرها وتصنعت الهدوء، عندما احست باقتراب اقدام من باب غرفتها. فتحت امها الباب ودعت الدكتور وابيها واخيهاالى الغرفة.
- تفضل يادكتور تفضل. هذه هي ايماما.. ايماما ، قومي وسلمي على الدكتور سامي.
رفعت ايماما عينيها المكحلتين بخجل الاطفال الى الدكتور ثم خفضتهما بسرعة قائلة:
- اهلا يا دكتور.
- اهلا بك يا ايماما.
نظر الدكتور الى الوالدين والابن وقال لهم:
- ارجوكم اتركونا لوحدنا
- ولكن يا دكتور، انها مجنونة وقد تؤذيك.
- ارجوك يا ابا اوراها، هذه مسؤوليتي.
- ستجدنا في الصالون، اذا احتجت الى شئ او لاحظت حركة غير عادية.
خرج الوالدان واوراها واقفل سامي الباب، ليعود ويجلس بالقرب من مريضته.
- ايماما، ارجو ان تعتبريني صديقا لك، وليس دكتورا جاء ليكشف عن مرض.
- آه يا الهي. ماذا تقول ؟ لقت خدعت ابي وامي واخي، وادعيت بانك دكتور. وها انت تكشف عن حقيقتك وتتحرش بي رسميا.
اسرعت الى جهت الباب تصرخ:
- ابي.. امي.. اوراها، انقذوني من هذا السافل،، انه يريد اغتصابي.. لقد خدعكم.. هو ليس بدكتور.. لقد خدعكم جميعا.
سمعت صوت ابيها يأتي اليها من خارج الغرفة:
- اخرسي ايتها المجنونة قبل ان أدخل وأحطم رأسك. احترمي الدكتور واسمعي كلامه والا قتلتك.
اجاب الدكتور:
- ارجوك يا ابا اوراها ان تتركونا وشأننا.
اخذت تبكي وتنتحب بدلال وتتجسس بعينيها على الدكتور في نفس الوقت، بعد ان شعرت بقدرة فيه على درء خطر العائلة عنها. اقترب سامي منها واخذ يكلمها موضحا:
- ايماما عزيزتي، لم اقصد اي سوء بكلامي، بل اردت بكل بساطة ان اطمأنك الى غرضي، لنتحاور بمحبة وسلام.
- ايها السافل، هل حسبتني غبية لتعبر عليّ اكذوبة الصداقة؟
هجمت عليه واطبقت بيديها على شعره ، تشده بعنف ورفسته بقوة في مقدمته.
- آه .. ايماما.. توقفي.. والله لم اقصد ايذاءك.
ولكنها لم تتوقف الا بعد ان سمعت صوت ابيها ، مهددا و منذرا بتحطيم الباب وقتلها. واسرعت تخفي رأسها في الفراش من الخوف وقالت :
- ارجوك، لاتدعه يقتلني.. انا اسفة.. انا اسفة.. انا.. انا ضعيفة.. انا مريضة.. ارجوك لا تدعه يقتلني.
- ارجوك للمرة الاخيرة يا ابا اوراها، دعنا وشأننا. لست بحاجة الى مساعدتك.. ارجوك.
استقام جسد سامي، الذي احناه الالم.. اقترب وجلس على السرير الى جانبها واخذ يربت على كتفها وهو يستمع الى رد فعل ابيها .
- اوف، كما تريد.. يظهر انه مجنون مثلها.
وفجأة انفجرات ضحكة خافتة بينهما حيث كانا يستمعان الى غمغمات الاب.

رفعت ايماما رأسها من تحت اللحاف ... دنت بوجها الضاحك الباكي منه ... القت برأسها على صدره فحاصرها بذراعيه ليشعرها الامان والسلام وقالت له.
- هل اعجبتك عائلتي؟ ابي مثال الديمقراطية.. اخي رمز الصداقة .. امي بحر الحنان.
- وانت .. انت يا ايماما؟
- انا حاملة لنتائج صفاتهم الانسانية. ماذا عنك؟
- انا مكافح ضد الفقر الفكري والاقتصادي.
- ايها المراهق، ما هكذا يتكلمون مع المجانين.
انزلت رأسها من على صدره الى ان استقرت به على فخذيه ورفعت جسمها لتمدده على السرير قائلة.
- هل المتك ضربتي؟؟ دعني اتحسس الالم الذي بين رجليك.
- لماذا وجهت ضربتك الى هذه المنطقة بالذات؟
- لانها سبب المشاكل!! هي التي تشير الى الرجل بالهجوم والاعتداء علينا. الرجل لا يفكر بعقله، الا اذا فقد القوة في مقدمته.
- هل احببت رجلا في حياتك؟
- الرجل لا يستحق امرأة تحبه.. الرجل لا يستحق الا عاهرة تحتقره.
- لم تجيبي على سؤالي.
- انت أغبى دكتور رأيته في حياتي.
رفعت رأسها وجسدها واستقامت متوجهة الى جهت النافذة.
- كيف كان بقية الدكاترة معك؟
- أغبياء.. ولكن افضل منك. ماذا تعرفوا عني ايها الحمقى؟..
تطلق ضحكة قصيرة في طريقها . اخذ سامي يتمدد على السرير، واضعا رأسه على المخدة وباسطا يديه تحتها وقال لها.
- اعرف عنك الكثير.. اعرف عنك انك كنت مجتهدت جدا في المدرسة.. كنت تحبين المطالعة، ولكنك تركتها مرغمة .. اعرف انك حساسة جدا ورقيقة، تشعرين بالظلم حد الاعماق ولكنك جبانة، لا تثقي بقدراتك على الكفاح ضده.. اعرف بان هنالك ثورة في اعماقك، لا تعرف كيف تخرج الى الحرية .. اعرف انك احببت بكل احاسيسك.. ولكنك احببت ساقطا سلب منك عزتك وهرب. اعرف ....
غلى الدم في عروقها واحمر وجهها ثورة وتوسعت عيناها غضبا. استدارت بعصبية .. اسرعت ووثبت فوقه على السرير. اطبقت بيديها على ذراعيه لتشل حركتهما والصقت رأسها برأسه في تحد.
- ايها السافل الحقير، كيف تتجرأ على التفوه بهذه الاكاذيب في بيتي . ساقتلك بدلا عنه.. ساقطع اوصالك. ساتعدى على شرفك .. ساتعدى على شرفك ايها الجبان لاجعل منك اضحوكة الناس والمجانين.. انت ايها المثقف الجاهل، ساخلع ثقافتك وايمانك ، لتعيش الفقر الى الابد.. ساجعلك ابنا للشوارع ايها النذل، لاعلمك من أنا.
واخذت تضربه بغضب وجنون وتشده من ازرار ملابسه حتى قطعتها جميعا وراحت تغير باسنانها وشفاهها ولسانها على صدره وتحاول فتح مقدمة لباسه بايديها، كالسادي الذي يحاول النيل من شرف الفتاة. اما سامي فقد اخذ يدفع عنه اعتداءها بحركات خفيفة ، في نفس الوقت الذي اخذ يدقق في حركاتها وردود افعالها.
- اهذا ما فعله بك ؟
- اخرس ايها الجبان.. هذا ما فعله بأختك.
- عفوا، اهذا ما فعله بأختي؟
توقفت فجأة عن اعتدائها وقامت من عليه لتجلس على طرف السرير وتخفي رأسها بين ايديها.
- مسكينة. لم تقترف اية جريمة في حقه، سوى انها احبته واطلعته على حقيقة بؤسها في بيتها. تحدث اليه عن ابيها الظالم واخيها المستهزء وامها الجاهلة وذلك الخائب الذي يريد ابوها تزويجها له بالقوة.. لماذا لم تساعدها انت ايها الاب الجائر .. وانت ايها الاخ الكافر .. وانت ايتها الام التعيسة.. لماذا اجبرتموها على الارتماء في احضان هذا السافل الحقير .. لماذا اوجدتموها اذا لم تكن لكم قلوب تحتمي فيها؟ ايها السفلة، ماذا فعلت هذه المسكينة لتتعذب بين ايديكم؟
انفجرت ايماما تبكي بحرقة والم . جلس سامي الى جانبها سحبها الى احضانه واخذ يقبل رأسها وشعرها في حنان قائلا:
- اعذريني يا ابنتي الحبيبة.. اعذريني يا اختي العزيزة، اذا كنت غافلا عن مأساتك.. اغفري لي انشغالي عنك واهمالي لك.. ودعيني اساعدك على تخطي مأساتك .. دعيني اساعدك .. ارجوك.
- ارجوك، انا تعبانة .. تعبانة جدا .. اريد ان انام .. ارجوك.
اخذ سامي يساعدها على الاستلقاء المريح على السرير وغطى جسدها المتعب باللحاف. قبلها بحنان قبل ان يتركها تنام في سلام.
- نامي في سلام يا عزيزتي. لن ادعهم يأذونك.
خرج واقفل الباب، بعد ان تأكد من نومها، وعاد الى اهلها في غرفة الاستقبال. سلم المفتاح الى امها وقال لهم.
- ارجو ان تتركوها تنام في هدوء وتكونوا اكثر لينة معها عندما تصحو.
- هل اعطيتها المنوم يا دكتور؟
- كلا يا ام ايماما، ليست في حاجة الى منوم الان، ولكني سأكتنب لها بعض الحبوب المنومة لتعطوها عند الحاجة.
كتب الدواء واستأذن الجميع وخرج ليترك ايماما تنام في هدوء، و... الى يوم اخر.

استمرت زيارات سامي لايماما واستمرت معها نقاشاتهما الصريحة حول مختلف المواضيح والمواقف حتى تحولت العلاقة بينهما الى صداقة والفة. اخذا يتمشيان في الحديقة ويخرجان احيانا من دائرة السجن المنزلي الى الحدائق العامة القريبة. اما في البيت فقد اخذت ايماما تساعد امها في الخدمة المنزلية وتطالع الكتب الخارجية في وقت الفراغ. وتحسنت، نوعا ما علاقتها مع ابيها واخيها وحتى مع اشور، قريبها الذي يطمع في الزواج منها للاستيلاء على ميراثها، ولكنه اخذ يزرع الشكوك والسموم في بيتها بسبب غيرته من سامي .
في احد الايام دخل سامي الى غرفة ايماما، ووجدها قد حولتها الى صورة جميلة بديكوراتها والوانها والانغام الهادئة فيها، وكانت واقفة الى جانب النافذة بقوامها الرشيق ووجهها الهادئ . فاخذ يتأمل جمالها والغرفة وجمال الطبيعة من وراء النافذة وقال لها:
- لقد ابدع الله في جمال الطبيعة وبهاءك. وابدعت انت في جمال الغرفة وبهاءها يا ايماما.
- هل ترغب في مراقصتي؟
- بكل سرور.
اخذها الى صدره وراح جسديهما يتمايلان على انغام الموسيقة بشفافية الفنان او كالمنتشي بجرعات السكرة الاولى للنبيذ العتيق.
- ايماما، انا فخور وسعيد جدا بهذه التجربة وبك.
- اريدك ان تنجح وتكون الاول في الامتحانات.
- واريدك انت ايضا ان تعودي الى اكمال دراستك لتحصلي على الشهادة .
- انا ؟ اه... لقد ولى العمر يا طبيبي.
- ايماما، انت اقوى من هذا الكلام.
- اريد ان اضع ما لدي من قوة لدعم مشروعك هذا، الى ان تحصل على شهادتك.
- اتعني بكلامك بأن ما تفعليه الان هو مجرد صدقة؟
- نعم يا حبيبي، صدقة.. معروف. فما تراه الان ليس الا دعاية لك.
توقف سامي عن الرقص، بعد ان احس بسيوف قاتلة تغير عليه من خلال كلماتها.
- ايماما، ماذا تقولين؟ هل ما تفعليه الان مجرد تمثيل؟
- نعم، انا اتقن فن التمثيل يا حبيبي. هذا فلم وسينتهي حالما تحصل على شهادتك .
- ولكن لماذا تفعلين هذا من اجلي؟
- لانك طيب القلب.. لقد جعلتني انام واحلم في هدوء لاول مرة منذ قرون. جعلتني ابكي واضحك في وضح النهار. انا مدينة لك بهذا. ولكنك، لم تدفع عني الخطر الى الابد.. فانا مازلت سجينة هذا البيت وهذه الاسرة.. وغدا، عندما يزفوني الى اشور، ساتحول الى سجن اخر.
- اه .. انت على حق يا ايماما ولكنك لست لوحدك في هذه المأساة. انها صورة مكررة في الكثير من البيوت في مجتمعنا. وحلولها لا تأتي في تمثيل الجنون والتهرب منها، بل محاربتها والكفاح من اجل حياة افضل. الحياة عقيدة وكفاح يا عزيزتي.
- يسهل عليك هذا القول لانك رجل.. المجتمع يشجع القوة والعزيمة في الرجل وينكرهما على المرأة. انظر الى واقعي التعيس لتدرك بان كفاحي ضده لن يقودني الا الى الجنون او الكفر.
رفع سامي بيديه وجهها الحزين واخذ يتابع مسيرة دموعها المتسارعة من عينيها المغمضة الى خديها وعنقها وقال لها.
- اتعلمين يا ايماما انه من شدة اعجابي حلمت بك قبل يومين؟
- وماذا حلمت؟
- حلمت بك جميلة ومشرقة كما اليوم، ولكن في مكان غير هذا وثياب غير هذه وتسريحة غير هذه التسريحة.
- وهل كان ذاك اجمل من كل هذا؟
- كلا، ولكن كان له طعمه الخاص. لقد استعاد ذهني اعتداءك على جسدي في اول لقاءنا واعاده بشكل رائع، جعل من جسدي بركان نار ظلت انهارة تجري في عروقي طوال اليوم.
احمر وجهها خجلا وراحت تعض باسنانها العليا على شفتها السفلى. اغمضت عينيها مرة اخرى هروبا من نظراته هذه المرة ، ولكن احساسا عنيفا شدها الى شفتيه وانفاسه المتحركة نحوها.. لم تدري من بدا يطبق بشفتيه على شفتي الاخر ، ولكنها احست ببركان من النيران الثائرة تخرج من اعماقها ، لتحرق خجلها وتجعلها تلتصق به من اعلى شعرها الى اغمض قدميها. اختلطت انفاسهما وتحرك ايديهما لتحتضن جسديهما بقوة. حركت رعود العشق انفاسهما واهاتهما ليشقوا الطريق الى الفضاء، عبر النافذة ، في الوقت الذي كان اشور يقترب من نافذتها ، ويهم بالدخول الى منزلها. سمع اهاتهما و اسرع يختلس النظرات من النافذة و... شاءت الاقدار ان تكون نفسيته الشيطانية شاهدة امام الاخرين على عشقهما.
اسرع الى تكبير ما رآه من النافذة واخبار اهلها به.
وثب الجميع الى الغرفة واخذوا يهينوا ويسبوا ويضربوا العاشقين. في جو حاصره العنف والجهل والدكتاتورية، قال الاب:
- اخرج من بيتي ايها السافل. اهكذا تأتمن الامانة عندكم يا كلب. اخرج من بيتي قبل ان اكسر عظامك.

في هذا الجو المرعب تحولت ايماما الى لهيب من الغضب في وجوه الداخلين عليها ومن كان معها واخذت تضرب الجميع بمن فيهم سامي لتدفع الخطر عنه... دفعته الى خارج الغرفة والمنزل وعادت تشتم وتلعن البقية بلا هوادة كحيوان صغير ينفش ريشه لدرء الموت القادم من اسياد الغابة.
- ايها الاغبياء، انا دفعته الى هذا الجنون وهذا الزنى، لاحطم امالكم الهوجاء بشفائي!!.. ايها المجانين، هل صدقتم بأن هذا الابلى يستطيع شفائي لتتخلصوا مني؟.. ايها الجهلة، لن تنتهي عذاباتكم حتى تقتلوني !! هيا اقتلوني واعلنوا فشلكم اما الجميع.. اقتلوني لتستريحوا من جنوني واستريح من جنونكم.. اقتلوني انا بدلا عنه.
لم تعد تدري اذا كانت الثورة الخارجة من داخلها هي التي فجرت البكاء فيها ام الالم من الضربات التي تلقتها من اهلها ولكنها... شعرت بجسدها ينهار ويسقط على الارض وعرفت بانها لم تعد تقوة على الكفاح من اجل حقوقها أكثر من هذا.

في اليوم التالي، فتحت عينيها المثقلتين الى الحياة في صراع حقيقي مع الموت. اخذ شعاع الامل الذي يعيش في اعماقها يراودها عن البحث عن سامي ومصيره. نادت على امها بصوت مخنوق. جاءت الام لاعنة حظها في الحياة.
- ألم تموتي بعد ايتها الملعونة؟
- امي، ايتها التعيسة، اريد ماءا. احشائي تكاد تحترق.. ماذا جرى له.. ماذا جرى لي.
- ايتها الملعونة، لم اكد افرح لشفاءك حتى ابتليتني بفحشتك اللعينة با عديمة الضمير .. متى تموتين لتنتهي عذاباتي؟

عادت ايماما تتمسك بالجنون امام اهلها لدرء اخطار غضبهم عليها، بعد ان تقرر حبسها في الغرفة الى ان يتم شفاء جسدها من الضربات وبعدها تتم مراسيم زواجها من اشور، ليتسنى له مراقبتها و... بعد ان يئست منها الام ايضا.
مرت اشهر ولم تسمع ايماما شيئا عن سامي، وكأن الارض قد انشقت وبلعت اخباره لتزيد من مأساتها. لكن امل اللقاء ظل يعيش في صدرها ويدفعها الى ايجاد الحلول لانهاء فراقهما. قامت بتمثيل دور اسيرة مرض الصرع الى جانب الجنون واجبرت اهلها على تحويلها الى مستشفى الامراض العقلية والصرع، آملة في فرصة اكبر للهروب من جحيمها. في المستشفى، تحملت انواع الادوية والشكليات والتعليمات، بالاضافة الى جنون المرضى . بدأت تسأل الدكتور المشرف عليها عن سامي ووجدته لا يهتم بالاجابة عليها. حاولت ان تلح في طلبها بالامتناع عن اخذ الادوية فكان يقابلها بالتهديد بعودتها الى البيت.

ظلت تعيش اليأس والامل في المستشفى ، الى ان جاء اشور في زيارتها في احد الايام حاملا معه ورود حمراء كلون الدم. استغل صمتها المطبق وبادرها بالحديث عن سامي.
- اما زلت تحبينه يا ايماما؟ لقد رأيت من النافذة كيف كنت تعانقيه بجنون.. اما زلت تحبين هذا الخائن الذي/ ما ان خرج من عندك حتى انكر علاقتكما وتزوج بأخرى وحول عيادته وحياته الى بلد اخر؟
لم تجب عليه، ولكنها احست بقطع مبعثرة في رأسها تعود وتلتحم بعضها لتكون شكلا غريبا.
- ألم تسمعي كيف راحت امه تتحدث الى الناس عن جنونك وغباءك وتستهزء بتصورك بانه من الممكن ان يتزوج الدكتور مريضته المجنونة. لقد قالت " ساقتل نفسي اذا فكر ابني ولو لحظة بالزواج منها". لقد جعلت منك ومن اهلك اضحوكة الناس، ولم يبادر الجبان بالدفاع عنكم. لهذا وجدت انه من واجبي الدفاع عنك وعائلتك فأعلنت زواجنا لانقذ به شرف العائلة. على كل حال، ساتركك بسلام لتفكري بنفسك بانقاذ عائلتك وشرفها. واعلمي ان ابيك واخيك قد تركا لك خيارين لا ثالث لهما. اما الزواج مني او الموت. اتركك بسلام.
خرج اشور وتركها تصارع لهيب كلماته التي اخذت تحرق اخر بريق للامل في حياتها. اخذت تفكر في سامي ، كيف استطاع ان يتركها ويتزوج بهذه البساطة؟ فكرت في نفسها ، كيف ستعيش مع هذا الوغد الذي يترصد للاستيلاء على ميراثها ويهدد حياتها. عادت بخيالها الى ذكرياتها مع سامي. احست بقلبها ينزف دما ويموت شيئا فشيئا وليس له من منقذ. احست بالامل الذي عاشت من اجله ينتحر في قلبها. هي التي اودعت في قبلتها لسامي خلاصة حبها وافتتانها به.. كيف استطاع ان يرمي بها في بحور النسيان.. كيف سمح لامه ان تستهزء منها امام الجميع. لم تعد تفرق العدو من الحبيب. فالمجانين الغرباء يتكالبون عليها لانها لم تشارك في جنونهم.. والمجانين الاقرباء يتكالبون عليها لانها لم تشارك في جشعهم. والاهل يتكالبون عليها لانها لم تشارك في قسوتهم.. والحبيب يتكالب عليها، ربما ... لانها احبته بصدق. لم تعد تدري ماذا تفعل. تحجر جسدها في مكانه لساعات، كالميت بعيون مفتوحة، الى ان ايقضتها الممرضة لتشرب الدواء. تحولت نظراتها الى المائدة امامها وتركزت على مشرط صغير وحاد. سحبت الممرضة يدها المشلولة لتقيس ضعطها ولكنها سقطت من بين يديها على السرير. اخذت تضرب على وجهها بيدها بحركات خفيفة وتنادي عليها دون ان تلقى الجواب. خرجت مسرعة لتنادي على الطبيب المعالج. انتهزت ايماما فرصة خروجها وسرقت المشرط الصغير وبحركة سريعة قطعت وريد يدها اليسرى . نظفت المشرط واعادته الى مكانه مرة اخرى واخفت يدها المذبوحة بين لحافات الفراش.
جاء الطبيب المعالج مع الممرضة وحاول استدراجها الى الحديث. اخذت الدموع تتساقط من عينيها واسرعت شفتاها تلفظ اسم سامي لعدة مرات وكأنها تريد به توديع الحياة. اخذ يتحدث اليها بلطف وحاول ان يشد من ازرها واخيرا قال لها " حسنا ساقلب الدنيا على الدكتور سامي لاجلك. والان اعطيني يدك لاقيس الضغط. رفع اللحاف عن يدها ووقعت عيناهما على نهر الدم المتسارع منها. وثب الطبيب واطبق بيديه على الجرح وامر الممرضة بالاسراع لاحضار الاسعافات الضرورية. بقيت ايماما ساكنة، تلفظ اسم سامي بشفتاها وتحاول بيدها الضعيفة الاخرى منعه من انقاذ حياتها.
في اليوم التالي، قرر الطبيب المعالج استدعاء سامي نزولا عند رغبة ايماما و... بعد ان وجد ان جسدها قد ضعف كثيرا ويرفض الاستجابة الى اسعافاتهم.
وصل سامي بعد يومين، وايماما بين اهلها، تلفظ انقاسها الاخيرة. اسرع الى احتوائها بين ذراعيه والدموع تتسارع من عينيه المنتفختان:
- لماذا فعلت هذا يا ايماما. لقد انكبت على الدراسة والبحث لاحصل على الشهادة والعمل، لانقذك وانقذ نفسي من هذا الجحيم. من قتلك يا حبيبتي.
كالمحتضر الذي يتعلق بصحوة الحياة ، اسرعت البسمة تجمل شفاهها ووجههاالذابل عندما وقعت بعينيها على حبيبها. لم تعد تقوى على تذكر تفاصيل الفراق واسبابه . لم تعد تتذكر من الذي قتل الحياة فيها، ولكنها احست بروحها، تعانق الابدية والحب الذي جمعها به. اقتربت بشفاهها الذابلة من صدره وطبعت عليه قبلة الوداع ، قبل ان تتركها ذواتها الازلية جثة هامدة في احضانه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي