الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرق بابي ومضى

جوزفين كوركيس البوتاني

2012 / 8 / 9
الادب والفن


جاء وطرق بابي طرقة خفيفة ومتعمدة ومضى تاركًا خلفه تلك الطرقة، والتي رغم خفتها، هزت جميع أرجاء بيتي المبني على الصخر وجدرانه الملفوفة بالضجر. كانت أشبه بطرقة صبي مشاكس يدق على أبواب الغرباء ويلوذ بالفرار مختبئًا خلف جدار البيت المجاور وهو يراقب مالك الدار من بعيد بنظرات من الخبث مطعمة بشعور من الإنتصار. الفرق هنا إنه لم ينتظر ليرى إن كنت سأفتح أم لا... أم لعله لم يكن يهتم إن كنت موجودة أصلاً؟

كانت طرقة يد خائفة ومترددة، لم يكن صاحبها يدري فيما إذا كان يدق على الباب الصحيح، وكأنه متسول خجول لايعرف فيما لو كان الباب سيفتح له أم لا، فيما لو كان صاحب الدار كريمًا أم بخيل، لئيمًا أم سيلبي له طلباته... وكأنه طرق ليجرب حظه ، ولكنه لم ينتظر الجواب من مالك الدار، فقد كان على عجلة من أمره. دقته أشبه بدقة غجرية تقرأ الطالع بأحجار غريبة كي تكسب مايكفي لسد رمقها من الجوع...غير أبهة بحظ او تعاسة زبائنها...مثله مثل الغجرية الغريبة التي تدق على باب منزل لاتعرف صاحبه وتمضي حين لايجيبها صاحب الدار مخلفة وراءها حجرًا سقط سهوًا...

وأما هو، فمضى دون أن يترك شيئًا خلفه...رغم ان طرقته كانت خفيفة، لكنها كانت كافية لأيقاظي، واهتزت لها كل نوافذي التي اغلقتها منذ سنين طويلة... كما واستطاعت طرقته أن تحدث شروخ في مرآة غرفتي، واستيقظت فزعة مهرولة لأفتح الباب، غير ان خطواتي كانت ثقيلة وكأني ثملة يسري ملايين من النمل في جسدي المنهك... شعرت بما يشبه دبابيس مغروسة في كل خلية من خلايا جسمي التعب...حالما وصلت الباب وازحت عنه المزلاج الصدأ، وقفت أنظر لكل الجوانب والزوايا، ولكني لم أجد أحدًا...قلت في سري لعلي مخطئة ولعلها الريح تتلاعب بي؟ لكن لا، لقد كان هو لأني أعرف طرقة يده جيدًا...أم تراها كانت طرقة رجل هارب محتاج لملجأ ليحتمي به لينجو من فعلته، وحين تأخرت في الرد، لم يستطع الإنتظار وولى هاربًا؟...

بقيت واقفة لبرهة من الزمن لكي يتأكد لي من أن أحد لم يكن هناك، وعدت واغلقت الباب— أي بعد ان تأكدت من ذهابه وبعد ان تأكد هو من أيقاظي...

آه ليته يعود... لا أعرف إذا كان يستحسن بي أن أترك الباب مواربًا لعله يرجع؟ لا، لن أفعل ذلك، لأنني أخشى اللصوص والمكان هنا مليء بالكثير منهم...

ترى هل أنتظره عند الباب؟ لا، لن أنتظر، لأنني فقدت القدرة على الوقوف... سأغلق الباب من جديد حتى يعود، رغم أنني على يقين تام بأنه لن يعود...لقد مضى بعد أن تأكد من أيقاظي...لقد ودعني بعد أن تأكد من أنني لن أنام أبدًا بعد ذلك اليوم...
18-9-2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال


.. عمري ما هسيبها??.. تصريح جرئ من الفنان الفلسطيني كامل الباشا




.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك