الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي فشل لكن الأسلمة مستمرة

حسام تمام

2005 / 2 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يقف كتاب "عولمة الإسلام" ومؤلفه "أوليفيه روا" في صدارة كل ما أنجز عن عالم الأسلمة والحركات الإسلامية في السنوات الأخيرة، وكان على القارئ العربي أن ينتظر أربع سنوات كاملة بعد صدوره بالفرنسية، وألا يتابع الجدل الذي أثاره عالميا، قبل أن يتمكن من قراءته بالعربية في الترجمة التي أنجزتها دار الساقي في العام الماضي 2004.
فمن دون مبالغة ربما كان هذا الكتاب أهم وأول كتاب صدر في الغرب لرصد الظاهرة الإسلامية ليس بالمعنى الكلاسيكي (دراسة الحركات الإسلامية وما نتج عنها من مؤسسات وأنشطة.. ومحاولة تبني رؤية شاملة لتفسيرها) بل رصد ظاهرة الأسلمة نفسها التي تجتاح المجتمعات الإسلامية، وتتخلل شتى مسارات حركتها.
كما سبق الكتاب أيضا في تجاوز حدود التقسيمات الجغرافية وعدم الوقوف عند دراسة الظاهرة الإسلامية في الغرب أو العالم العربي والإسلامي، وهو الأول الذي يعالج قضية العلاقة بين الإسلام والتحديث ليس من باب الجدل النظري (العقيدة والنصوص الدينية)، لكن من باب ممارسات الناس الفعلية؛ إذ إن التحديث في رؤيته منفصل عن تجديد الخطاب الديني، وهو بذلك يتجاوز السؤال التقليدي عما إذا كان الإسلام مع التحديث أم ضده؟ لأنه يرى التحديث أمرا واقعا بعيدا عن جدل النظرية، ومن ثم فإن الجهد البحثي يجب أن ينصب في رصد مظاهر هذا التحديث وتحليلها.
أما أوليفيه روا مدير الأبحاث بالمركز الوطني للعلوم السياسية في باريس فهو في الأصل باحث مهتم بشئون آسيا الوسطى وأفغانستان، وهو أحد أهم المختصين بدراسة الإسلام في هذه المنطقة، ومن ثم فلم يكن بشهرة الثلاثي الفرنسي المعروف في الأوساط الأكاديمية والثقافية العربية (جيل كيبيل، فرانسوا بورجا، وألان روسيون)، ولكن عرفه العالم العربي قبل عشر سنوات تقريبا بكتابه "فشل الإسلام السياسي" الذي أعلن فيه عن فشل حركات الإسلام السياسي سواء في مشروعها الأكبر -أو روايتها الكبرى- أي إقامة الدولة الإسلامية التي وعدت بها في بلدانها، أو على مستويات أقل تتمثل في تقديم رؤية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية خاصة بها.
حين قدم روا طرحه هذا عارضه الكثيرون -حتى من خصوم حركات الإسلام السياسي- فقد كانت الحركات الإسلامية وقتها -في أوائل التسعينيات- ملء السمع والبصر، وكانت وما زالت قادرة على أن تملأ الدنيا بحركتها وتشغل الناس.
غير أن التطورات رجحت ما ذهب إليه الخبير الفرنسى، حيث توارى مشروع إقامة الدولة الإسلامية لصالح أولويات أخرى باتت تراها هذه الحركات، ولم تعد أى منهما تنادى به.
غير أن كثيرا من المراقبين والمثقفين أساء فهم ما طرحه أوليفيه روا فمد حديث الفشل على استقامته ليتحدث عن نهاية الظاهرة الإسلامية، وهو ما لم يكن يقصده الرجل، ومن ثم رأوا تعارضا بين هذا الفشل وبين كتابه الجديد "عولمة الإسلام" الذي يتحدث فيه عن استمرار ظاهرة الأسلمة وأخذها بعدا عولميا.
وبشكل عام يتحرك كتاب أوليفيه روا في المساحة بين الدين والثقافة، ويرى ضرورة رفع الحاجز بينهما.
أبرز ما يطرحه الخبير الفرنسي هو تمييزه بين نوعين من الحركات صارت إليهما الحركات الإسلامية: الأولى هي الحركات ذات الامتداد الاجتماعي والمشروع السياسي وهي جميعا (سواء كانت سلمية كالإخوان أو عنيفة كالجماعة الإسلامية المصرية، أو مقاومة كحماس) صارت أقرب إلى الأحزاب القومية في بلادها، وأصبحت أولوياتها قومية وطنية، ولم تعد تطرح فكرة إقامة الدولة الإسلامية كما كانت تفعل سابقا، ومن ثم فحظها في الاندراج داخل العملية السياسية في بلادها أكبر مثل احتمالات تطورها ديمقراطيا.
أما النوع الثاني من الحركات الإسلامية السياسية فهي التي ليس لها عمق اجتماعي في بلادها، ولا تملك أي مشروع سياسي فقد صارت حركات معولمة أقرب إلى الحركات المناهضة للإمبريالية ذات الامتداد والطرح العالمي، ويضرب مثالا بتحالف تنظيم القاعدة الذي لا يمثل مشروعا سياسيا في أي بلد بل يتحرك كجبهة أو تحالف ليس له هدف سوى منازعة أمريكا وضربها حتى ولو في عقر دارها، كما فعل بضرب برجي التجارة في نيويورك، ويرى أن هذا النوع من الحركات أبعد عن الطرح الديني، وأقرب إلى الحركات اليسارية المناهضة للعولمة، ومن ثم فمعركته مع الإمبريالية التي تمثلها الولايات المتحدة ورموزها المختلفة (الاقتصادية كبرجي التجارة، والعسكرية كالبنتاجون)، وليست الرموز الدينية المخالفة لها (كالكنائس مثلا أو حتى الفاتيكان رمز المسيحية).
ويخصص الكاتب فصلا عن الإسلام في الغرب ليثير قضية بالغة الحساسية تتعلق بوضع الأقليات المسلمة عموما (أكثر من ثلث المسلمين يعيشون كأقلية) وفي الغرب بصفة خاصة، ويطرح سؤاله الإشكالي: هل هم أقلية دينية أم أقلية ثقافية؟.. وفي هذا الفصل يحلل أوليفيه روا الأجيال الجديدة من المسلمين، ويلاحظ كيف صاروا -بفعل التهميش والتمييز- أكثر تمسكا من آبائهم المهاجرين الأوائل بالهوية التي صارت الملاذ، وكيف صاروا الأقرب إلى القبول بطرح جماعات الإسلام السياسي العنيف والمعولم كالقاعدة.
ويلفت النظر إلى أن الغالبية العظمى من كوادر القاعدة ليسوا من المنطقة العربية أو حتى منطقة الشرق الأوسط، بل إن معظمهم ولد أو تربى وتعلم في أوربا وأمريكا، ومن ثم فهم نتاج تفاعل حركات العنف المعولمة مع الحداثة الغربية، وليسوا نتاج الإسلام التقليدي أو حتى حركات الإسلام السياسي ذات المشروع والارتباط الوطني، وهو ما غاب عن المحللين والمختصين بدراسة تنظيم القاعدة. ويعد أوليفيه روا أحد أبرز من اشتغلوا بهذا التنظيم سواء من حيث بنيته الفكرية أو قاعدته التنظيمية، وقد نشرت له دراسة مؤخرا في اللوموند ديبلوماتيك عن حقيقة هذا التنظيم.
وفي فصلين آخرين يربط أوليفيه روا الحالة الإسلامية أو ظاهرة الأسلمة -ويركز على تجلياتها في الغرب- بالتطور الذي يطال الظاهرة الدينية في العالم، حيث صار التدين الإسلامي يميل إلى الفردنة وإلى الإنسانية، فقد تراجع الإسلام الجماعي، وصارت ممارسات التدين تميل إلى الفردنة من حيث انتهاء أو تراجع دور المؤسسات الدينية في حياة الفرد، وتغليب النزعة الفردية حتى على الممارسة الدينية، والتأكيد على مبدأ الخلاص الفردي، وتراجع كل ما هو جماعي في التدين حتى لم يعد الارتباط بفكرة الأمة الإسلامية الواحدة يتم إلا عبر وسيلة غارقة في الفردية ومعززة لقيم الفردنة وهي وسيلة الإنترنت التي صارت معها الأمة أمة افتراضية!.
ورصد أوليفيه روا الميل للإنسانية في حركة الأسلمة التي صارت تبعد تدريجيا عن السياسية، وتطرح في نقاشاتها قضايا أكثر إنسانية وليست سياسية، وصارت اهتماماتها تتعلق بقضايا أخلاقية واجتماعية قد لا تختلف فيها مع تيارات اليمين المسيحي والمحافظ في أوربا، مثل منع الإجهاض، ورفض الشذوذ، والدعوة للحفاظ على العائلة وغيرها من القضايا الاجتماعية وذات الطابع الأخلاقي.
الطرح الأنسب للعولمة
ومما نلاحظه في طرح أوليفيه روا أن خصوصية الإسلام الغربي هي في خروج الدين عن نطاق الثقافة والحضارة إلى الدين النقي، فالفصل بين الثقافة والدين يظهر بالأساس عند مسلمي الغرب، خاصة من الجيل الثالث أو بين المسلمين الجدد بالطبع، فكلاهما يخوض تجربة التعرف على الإسلام أو الهجرة إليه دون ميراث ثقافي مسبق، فالجيل الثالث انقطعت صلته بثقافته الأصلية دون أن يندمج في ثقافة الغرب لأسباب كثيرة، لذلك فهو حين يخوض تجربته الدينية يبحث عن إسلام نقي غير مختلط بثقافة هي لا تمثل له شيئا ولا يعيشها.
ويشاركه في ذلك أيضا المسلم الجديد الذي ينخلع عن ثقافته الأصلية حين يغير دينه، ومن غير المتصور أن يستبدل ثقافة أخرى بها بل يبحث في الغالب عن إسلام نقي من الثقافة، وربما رأى أن المجتمعات الإسلامية لا يتحقق فيها الإسلام المنشود لاختلاط الدين فيها بالثقافة.
وربما كان هذا السبب الرئيسي لانتشار الدعوة السلفية في الغرب -على غير المتوقع- والإقبال الكثيف عليها من مسلمي الأجيال الجديدة التي نشأت وترعرعت في الغرب، وكذلك المسلمين أو المهتدين الجدد للإسلام؛ لأن الفصل بين الدين والثقافة أوضح ما يكون في السلفية التي تقوم بالأساس على إنكار الثقافة والعودة إلى رؤية محددة وواضحة وبسيطة للكون والحياة منفصلة -أو هكذا يراها السلفيون- عن الثقافات المختلفة، كما أن الدين فيها واضح ومحدد في جملة من النصوص والتفسيرات المعتمدة، وهذا ما يحتاجه بالضبط مسلمو الغرب الجدد: دين محدد واضح المعالم، مثل ذلك الذي تعرضه السلفية، أو دين تتماهى فيه الحدود تماما كما في التصوف الذي تتقارب وتتداخل فيه التجارب الروحية من دين لآخر حتى تغيب الفروق أحيانا!.
ومن ثم تكون المفارقة أن الخطابين الحاضرين والمرشحين للحضور بكثافة هما على طرفي النقيض: التصوف والسلفية! وكلاهما في رأي أوليفيه منسجمان مع العولمة
---------------------------------------------------
باحث وصحفي مصر مختص بشئون الحركات الإسلامية، والمقال نقلا عن جريدة القاهرة المصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟