الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمود درويش في ذكراه

عبله عبدالرحمن
كاتبة

(Abla Abed Alrahman)

2012 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



لست من اصدقاء محمود درويش، ولست الا قارئة عادية لشعره، وان كنت على يقين بأنني مستمعه لشعره اكثر، فقد يكون محمود درويش ظاهرة صوتية مثلما انه ظاهرة شعرية بامتياز لأنه امتلك الصوت الجميل والطلة والحضور الطاغي كأي اسطورة استثنائية عبرت هذه الارض التي استحقت الحياة.
قراء محمود درويش ومعجبيه ومستمعيه كانوا اكثر من ان يجتمعوا في بقعة معينة لانه كان ظاهرة عالمية وما زال، وقد يكون درويش هو الشاعر الوحيد الذي كانت تباع تذاكر حفلاته في السوق السوداء عندما كانت تشح بالسوق، المدرجات كانت تعج بالتصفيق الحار كلما مرّ على فلسطين او على حلم التحرير، مثلما كانت تغط بصمت بليغ اثناء القاءه للشعر، لا يستطيع أي مستمع ان يخون لحظة واحدة دون ان يكون متعلقا بعبير شعره وصدق عاطفته وقوته اللغوية في التعبير عن عدالة قضيته وقداسة الارض وعذابات الشعب.
لا نستذكر الشاعر محمود درويش حين نشارك مع كل الذين كتبوا عنه في ذكراه الرابعة التي تصادف اليوم لانه سيبقى حاضرا حضور فلسطين بكامل مشمشه، بيدا انني اتحدث عن وجع غياب الشاعر في بلاد غريبة وحيدا وكأنه لا احد من الناس مع انه كل الناس وليس رقم هويه في خاصرة العدو، حين حزم محمود درويش حقيبته وقرر الذهاب لملاقاة الموت، لم يدري انه يحزم فرحنا معه، فرحة النصر بعودة فلسطين حين صارت امارة غزة وسلطة رام الله، لم يدري بأنه يحزم معه احساسنا بالامان ونزهة الحصول على وطن حتى لو عبر خطاب اممي اعلن من على منصة وبقي رهين قلوبنا التي افاقت على وجع الحقيقة، حقيقة السلام والقبول بدولتين.
نستعيد عملية القلب الثانية التي اجريت لمحمود درويش عام 1998 وكيف ان الرئيس عرفات لم يدخر جهدا من اجل توفير الرعاية اللازمة له بالاستعانة بأشهر الاطباء وارقى المستشفيات المتخصصة بعمليات القلب واخبار صحته كانت على رأس اولويات الرئيس عرفات والشعب.
عندما مات محمود درويش مات وحيدا، عدد قليل من اصدقائه كانوا على علم بالعملية ودخوله العناية الحثيثة، جنازة عادية لا تليق بشاعرنا العالمي جرت له وعدد قليل ساروا خلف النعش، وام ثكلى تجر الخطى خلف وليدها وقد اخلف درويش معها الوعد، مات وجعلها تبكي دون ان يتشارك واياها الا لمرات قليلة فنجان القهوة.
ما حصل لشاعرنا الكبير امر عادي امام سلطة تفرط بدم زعيمها الخالد، جل اهتمامها هو تأمين الرواتب وتحقيق التنسيق الامني بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني.
كتب ساراماغو في يومياته في ذكرى مرور عام على وفاة محمود درويش " لو ان عالمنا كان اكثر حساسية واكثر ذكاء، لو كان اكثر انتباهنا للعظمة، التي تكاد تبلغ درجة التنزه لبعض الحيوات التي تعبره، لكان اليوم اسمه معروفا ومحل تقدير، مثلما كان اسم بابلو نيرودا خلال حياته.
في حضرة الغياب نستحضر شاعرنا وهو ينتقل من نجاح الى نجاح ومن قمة الى قمة حتى صار اهم شاعر على مستوى العالم العربي، كم كنا نربي الامل بان يهزم الموت، فلم يكن حالنا الا مزيدا من الصحو، لا لنربح يوما سعيدا بل لنشهد عالما لا يشبهه الا المجزرة.
يقول محمود درويش: لا دور لي في حياتي، سوى انني، عندما علمتني تراتيلها، قلت : هل من مزيد؟ واوقدت قناديلها ثم حاولت تعديلها.
سيبقى محمود درويش اسطورة زمانه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذة عبلة عبد الرحمن المحترمة
ليندا كبرييل ( 2012 / 8 / 10 - 03:20 )
ليس الأسطورة محمود درويش فحسب ، فما أكثر من هُضِمت حقوقهم في بلادنا ، ماتوا ولم يدر أحد بهم ، إما أن نميتهم أو أن الظروف ما واتتهم لينتشروا أكثر . محمود درويش علامة فارقة في أدبنا وفي وجداننا ، حقبتنا كانت تلهج بأشعاره . أرض فلسطين الخصبة أنبتت لنا أشجاراً عملاقة نحنّ إلى فيئها ونعلم أنه قلما أن يجود الزمن بمثله
لك احترامي وتقديري


2 - تعليق بسيط
مجدى زكريا ( 2012 / 8 / 10 - 20:39 )
استاذة عبلة الرائعة
استمتع بمقالاتك دائما
وبشخصيتك الغنية الرزينة
لا تحرمينا من تلك المقالات لفترات مطولة


3 - ودع الوطن و لم يغادره ،،
علاء علان ( 2012 / 8 / 10 - 22:09 )

نشكرك كاتبتنا لهذا الاستذكار الطيب ، لشاعرنا الكبير درويش ، هو الان يجلس مرتاح على قمة عالية في رام الله ، و يحضنه تراب الوطن الطاهر الحنون. .


4 - رحيل الكبار لا يؤثر في الصغار
الحكيم البابلي ( 2012 / 8 / 11 - 08:18 )
العزيزة عبلة
كثيرون هم الشعراء الذين رحلوا بصمت وهدوء ، لكن حرائقهم تبقى أبداً في قلوب محبيهم وقرائهم إلى الأبد ، صدقيني ما توقعتُ يوماً أن يسير المسوخ خلف جنازة شاعر أو ثائر أو إنسان نظيف
يكفي هؤلاء المُبدعين الفطاحل أنهم يموتون وقوفاً كما تموت النخلة الشامخة بكل كبرياء
المجد كل المجد لمن كان بوصلةً لشعبه ووطنه ، والكل يعرف الفرق بين النبيل والصعلوك
محبتي وتحياتي
طلعت ميشو


5 - الاستاذة ليندا كبرييل المحترمة
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 8 / 11 - 10:11 )
تحياتي استاذة ليندا اغبطك على اتساع ثقافتك وبلاغة اراؤك
وهذا يكشف عن ثقافة غير عادية تمتلكينها
اهنئك واهنئ نفسي واقول لك بأنك علامة فارقة في هذا الحوار او السجال الذي يتم عبر موقع الحوار المتمدن
تحياتي ومحبتي


6 - عطاء الاستاذ مجدي زكريا
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 8 / 11 - 10:25 )
الاستاذ الرائع مجدي زكريا
كم من الوقت مرّ علي وانا افكر بسمو روحك وعظمة العطاء فيها
كم من الوقت كان يجب ان يمر علي حتى اعرف كيف يستطيع اناس رائعون بث الفرحة في قلوب الاخرين
الاستاذ الرائع مجدي زكريا الحرمان الحقيقي لو ان العمر يمر بنا ولا نلتقي او نتعلم كيف نصنع الفرحة او كيف تكون الحياة
الاستاذ مجدي زكريا احترامي وتقديري


7 - الصديق علاء علان المحترم
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 8 / 11 - 10:37 )
الصديق علاء علان ليس استذكارا لشاعرنا المبدع مقالتي تلك لان شاعرنا درويش سيبقى الغائب الحاضر الذي استطاع بجدارة ان يكون الرقم الصعب لقضية ما زال انفراج حلولها لا يلوح حتى بالافق
درويش وان احتضنه تراب رام الله فأنه كان يتوق لتراب قريته البروة
تحياتي اليك


8 - الصديق علاء علان المحترم
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 8 / 11 - 10:37 )
الصديق علاء علان ليس استذكارا لشاعرنا المبدع مقالتي تلك لان شاعرنا درويش سيبقى الغائب الحاضر الذي استطاع بجدارة ان يكون الرقم الصعب لقضية ما زال انفراج حلولها لا يلوح حتى بالافق
درويش وان احتضنه تراب رام الله فأنه كان يتوق لتراب قريته البروة
تحياتي اليك


9 - الاستاذ الحكيم البابلي المحترم
عبله عبد الرحمن ( 2012 / 8 / 11 - 10:58 )
الاستاذ حكيمنا طلعت ميشو المحترم
اردد ما تفضلت به من ان المبدعين لا يموتون لان الذاكرة تبقى مشتعلة بابداعهم وبهجة وجودهم بالحياة
حقا لا يحتاج المبدع ان يسير خلف جنازته المسوخ
استاذي الحكيم بابلي نهوى البقاء مغردين في حديقتك البابلية
احترامي وتقديري

اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس