الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسار الثورة

عديد نصار

2012 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


ما أشعل ثورة الشعب في سوريا هو نفسه ما أشعل باقي الانتفاضات على امتداد الوطن العربي و هي انتفاضات شبابية و شعبية متدحرجة و متواصلة و ستشمل كل الوطن العربي على الأقل في المرحلة الصاعدة، و هي أسباب مادية لا ينكرها إلا عدو الشعب. لأنه آن للمخدوع أن يفهم.
هذه الأسباب تتلخص بالافقار و الإذلال اللذين مورسا بكل صلف بحق كل المواطنين. إضافة إلى التبعية ولاستشراء الفساد في كل مجال.
في سوريا، و في البدء، كانت مطالب الناس بسيطة و متواضعة تتلخص بمعاقبة القتلة في درعا و إجراء بعض الاصلاحات البسيطة ( و بقيادة الدكتور الشاب بشار الأسد نفسه ! ).
ووجهت هذه المطالب، ليس بقنابل الغاز المسيل للدموع، و لا برشاشات المياه، و لا بالعصي، و لا حتى بالرصاص المطاطي ... كما تفعل سائر أنظمة الحكم في العالم، بل بالقتل المباشر و الجماعي للمتظاهرين! و من ينكر هذه الوقائع هو عدو للبشرية جمعاء و ليس للشعب السوري فحسب.
انتفض القاع الاجتماعي من المفقرين والمهمشين في مختلف الأرياف ضد القهر. ( حنين نمر و غزو الريف للحضر ! مللا شيوعية مسخرة ! ) فكان حصار المدن و الأحياء و القرى من قبل قوى السلطة و هجومات الشبيحة و القتل المباشر و القصف و زج الجيش في مواجهة المتظاهرين.
ارتفعت حصيلة ضحايا القمع الدوي الذي مارسه كل من الأمن و الشبيحة و الجيش في مواجهة المنتفضين في مختلف المناطق من حتى بلغت الآلاف، باستثناء قلب دمشق و حلب التجاريين إلى درجة بدأ الجنود يرفضون أوامر القتل الصادرة بحق أهلهم. هؤلاء الجنود ليسوا أولاد الرأسماليين و ليسوا أبناء المتنفذين بل ابناء المفقرين و المهمشين. فكانت الانشقاقات و كانت بالمقابل الاعدامات الميدانية.
و تطورت الأمور إلى الوضع الراهن نظرا لشراسة النظام في عدائه و احتقاره للشعب. تم الانفصال بشكل كامل بينهما.
دعمت روسيا و الصين و إيران قوى النظام بكل قوة ( وغباء ). و استخدمت باقي القوى العربية و الدولية ( الامبرياليون و الأتباع ) أساليب ملتوية تتيح لهم المناورة و تتيح للنظام القيام بمزيد من المجازر و عمليات القتل طالما يمارس تماما ما كانوا ليمارسوه و لكن بأدوات و عنصر بشري محليين، أي دون أن يكلف تلك القوى، المعادية للشعوب، أي شيء. و توسعت الانتفاضة و الانشقاقات في صفوف الجيش و القوى الأمنية.
و منذ البداية، كان هناك من يحاول الاصطياد في الدم السوري المسفوح من قوى ظلامية و اسلام سياسي استفادت من غياب قوى ثورية جذرية قادرة على توجيه الانتفاضة الشعبية و تحويلها إلى أهم ثورة شعبية في التاريخ المعاصر. و لكن هذه القوى ظلت محدودة و معزولة في الشارع بخلاف ما يصوره الإعلام التابع.
من هنا نجد أنها ثورة شعبية عفوية. إنها ليست ثورة اشتراكية و ليست ثورة ذات مشروع وطني متفق عليه سلفا أو بقيادة موحدة تمتلك برنامجا سياسيا واضحا و محددا للمرحلة. و هذا ليس مسؤولية الشعب الذي انتفض في مواجهة آلة القتل و ضحى بعشرات الآلاف من الشهداء و مئات الآلاف من المصابين و المعتقلين لإسقاط الجزار. إنها مسؤولية أحزاب اليسار و الشيوعية التقليدية المأزومة و الانتهازية التي التحقت بالنظام و بررت له مجازره بحق الناس بدل التحامها بالشعب. فعبرت عن سقوط سياسي و أخلاقي مريعين.
الصراع الحقيقي أصبح ضمن الثورة، و عليها، و هنا علينا أن نحدد خيارنا و موقعنا، ليس مع الثورة أو في مواجهتها. فالنظام سقط منذ حرّك القوات المسلحة لمواجهة الشعب. فلِمَ التعلق به؟ و ضمن الثورة، و من قلبها يمكنك أن تعلن مشروعك كيساري، تحدد الأصدقاء و الأعداء، و ترسم تحالفاتك التي تستطيع أن تجعل منها تحالفات الثورة.

هذا ما جعل الكثير من القواعد الشعبية و التنظيمية لتلك الأحزاب ( شيوعيون من مختلف القوى و الأحزاب ) تنفضّ عنها و تلتحق بالشارع بـ"المفرق"، فكانت فاعلية نضالاتها المتميزة متواضعة و لكن ملموسة.
و بالتالي يتحدد دور الشيوعيين في هذه الحالة بالالتحام بانتفاضة الشعب و ليس الوقوف في وجهها و التنكر لها و تركها نهبا للانتهازيين و قوى الثورة المضادة و المتصيدين بالدماء. دورهم يفرض عليهم حمايتها من كل هؤلاء و توجيهها و صياغة شعاراتها و الإضاءة الدائمة على أسبابها المادية و أهدافها الحقيقية.
لقد شكل رفاقنا اليساريون و الشيوعيون في الشارع ما يمكن تسميته بيسار الثورة، و كي يستطيع هؤلاء الرفاق أن يؤدوا الدور المفترض لهم، لا بد أن يصنعوا بداية، ثورة اليسار على واقعهم و واقع أحزابهم المأزومة.
و بالتالي لن يكون بمقدورهم لعب هذا الدور بشكل حقيقي و فاعل ما لم يتخلصوا من أزماتهم المزمنة، أزمة قوى الشيوعية التقليدية و حركات اليسار الملتحقة بالنظام. و لن يكون ذلك ممكنا إلا بالخروج من هذه الأطر المأزومة و بالعمل بين الناس و صياغة رؤى و أطر جديدة من رحم الواقع و من معاناته، فتأتي قادرة على أن تجيب على أسئلة الواقع، و بالتالي قادرة على قيادة نضالات الجماهير.

إنها دعوة مفتوحة لكل حريص على دور حقيقي و فاعل لليسار، ( في سوريا و في غيرسوريا )، دور تتعطش له الشوارع و الطبقة العاملة و كل الكادحين و المهمشين: أنْ غادِروا أزمتكم المزمنة، تحرروا من القيود الإيديولوجية و عبادة الموتى و من قيود السلفية الشيوعية المرتبطة بأفكار و أحداث كانت لها ظروفها التاريخية التي لم تعد موجودة. و بالتالي تحرروا من الرؤى التقليدية التي لم يعد لها أساس مادي راهن. و لتكن رؤيتكم ماركسية مادية جدلية لواقع مستجد و متغير محليا و إقليميا و عالميا. و توحدوا في إطار وحدة العمل النضالي الملتحم بنضال الجماهير، في إطار وحدة قادرة على إعادة صياغة أهداف و توجه ثورتها بما يخدم التحرر و التقدم و الانفتاح على الأفق الاشتراكي الذي نحلم به.
دائما هناك متسع من الوقت لإعادة تقييم المواقف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورات ليست مشروع سياسي
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 11 - 05:14 )
أتفق مع جل طرحك
لكن الثورات لم تكن ثورة جياع كما يكرسها أُمراء النفط ومن ورائهم
الثورات الربيعية هي ثورات حرية وكرامة ومرحلة وعي جديد يحل محل ثقافة الفساد والتجهيل وايضاً التجويع
أتفق معك إننا بحاجة الى إعادت تقييم المواقف والاحداث بعقلية إنفتاحية متكاملة غير متصارعة
نحن أمام عصر جديد ويجب على الجميع إستغلالة لإعادت بناء العقلية المجتمعيّة بأدوات الحاضر وليس بأدوات الماضي التي أنتهت صلاحية العمل بها


2 - حسناً كتبت
نصوح أفندي ( 2012 / 8 / 11 - 05:16 )
وحسناً أدركت أن الشيوعيين ليس كلهم شيوعيين
بقي أن تدرك أن النفاخين في قربة الامبريالية والصهيونية والمشرع الأميركي في الشرق الأوسط هم كذبة ومنافقون ولهم أغراض أخرى
مثال هؤلاء هو ميشال سماحة

اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و