الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة الجاهلية في مواجهة أزمة الجوع / حلقة ثانية

أيوب بن حكيم

2012 / 8 / 13
الادب والفن


ب ــ تقديم الشاعر وأخلاقه ، تقديم القصيدة وتوثيقها :
"حاتم الطائي" لم يكن شاعرا عظيما بقدر ما كان رجلا عظيما، وخير الشعر أكرمه رجالا على حد قولة الفرزدق ، مؤْثِرا فارسا ذا حمية ونجدة وبأس وعفة وخفر، إلا أنه اِشتهر بالجود أكثر، فكان جوادا أورث جودَه بنيه كما ورثه هو عن أمه التي كانت " ذات يسار وكانت أسخى الناس وأقراهم للضيف،وكانت لا تبق شيئا تملكه، فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالَها" ويمكن لنا تلخيص مكارم حاتم في نص "التوحيدي" إذ يقول"وكان حاتم اذا قاتل غلب واذا غنم أنهب واذا سُئل وهب واذا سوبق سبق واذا أسَر أطلق " فهو ابن عز وسيد طيئ مما هو معروف فلا نخوض فيه.
القصيدة تحمل رقم 36 بين صفحات 198 و 203 من ديوان شعر "حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره"، صنعة "يحيى بن مدرك الطائي" ورواية "هشام بن محمد الكلبي" تحقيق "عادل سليمان جمال" مكتبة الخانجي ط 2 القاهرة 1990 وفيها 18 بيتا في المتن مع إشارة الى بيتين في الهامش من لدن المحقق وقد أوردناهما،واستأنسنا بديوان "حاتم الطائي" تحقيق "كرم البستاني" دار بيروت 1974 حيث تقع نفس القصيدة ما بين صفحتي 50 و 51 وعدد أبياتها عشرون بيتا ، بزيادة البيتين الذين أشار اليهما "عادل سليمان جمال" في الهامش .
علة قول القصيدة :
"ماويّة" الأميرة السخية زوج "حاتم" بالغت في هجره نتيجة إيثاره زوجًا أخرى إسمها"نوار" كانت تعذله عن كرمه، فلا يمكن أن تكون "ماوية" هي المقصودة بالعذل عن الكرم لكون زواجها بحاتم كان لأجل الكرم ذاته ، وإنما في نظرنا أن القصيدة موجهة لمعاتبة الزوجين معا ؛ "ماوية" على هجرها للشاعر،و "نوار" على عذلها له عن الجود.
1 ــ اللحظة التفسيرية :
تـُستفتح القصيدة بالنداء على "ماوية"وقد طال هجرانها للشاعر،فيهجم الأخير على غرضه الأساس من البيت الثاني ليعلن أن المال والمتاع لا يستقران على حال، وأن إجابة السائل الملهوف شعارُه، وأن الحياة أحقرُ من أن يعض عليه البخيل بنواجذه لكَون الموت مستتبعًا الجميع، فلا مال ينفع وإنما ينفع الخلود بالسيرة الحسنة، ثم عمد الشاعر بعد ذلك الى تـَعداد بعض من خصاله الى جانب الكرم، كالعدل والعفة.
في القصيدة تداخل شديد بين أفكارها، مع وحدة عضوية واضحة، إذ إن الفخر بالجود يعاور الأبيات [ 9،5،4،3،2 ] فالعروج على ذكر مَحمدة الرفق [البيت 10] فالرجوع الى ذكر الجود[13،12،1] فالقول في عدل الذات[14]، فالقول في تقلب الأيام [16،15] و العفة [20،19].
ــ المطلع وملابسة النسيب للغرض الأساس :
المطلع جماع القصيدة وما هي إلا ترديدٌ له وتفصيلٌ فيه، فهو الكمال المختزل وهي الكمال المفصل، ويظهر هذا صوتيا من حيث كونُ المطلع مُصرعا وما عداه غير مصرع، فالتصريع يعطي تجانسا للشطرين المتناغمين تسجيعا ووزنا من أجل شحذ ذهن المتلقي نقرأ لـ"أبي تمام" قولَه :
وتقفُو الى الجدوَى بجدوَى وإنمَا يَرُوقكَ بيتُ شعرٍ حينَ يُصَرَّعُ
صوتيا كذلك ؛ المطلع خلا من العلة اللازمة للأبيات بعده، وجاء حاويا لكثير من المواشجات الصوتية كالجناس بين "قد" و "قد"، "عذرتني" و "العذر"، كما يُرتـَبط بما يليه بقول الشاعر "أماويّ"، ونرى هذه اللفظة تخترق ستة أبيات أخرى، كما أن لفظة"طال" تساجع لفظة "مال" في البيت الموالي،ولم يكتف "حاتم" بهذا فجاء بمرادفات في قوله"التجنب والهجر" وطباقات"الهجر،طلابكم".
كما يمكن القول إن الملابسة تظهر جلية عندما نكتنه حقيقة لفظتي"العذر،عذرتني" فهاتان اللفظتان ليستا للنسيب فقط، وإنما هما تمهيد لذم البخيل وإظهار الجود بالمخالفة، فـ"حاتم" لا يقول لضيفه إن له عذرا في عدم قِراه، كأن يقول له"حل في مالنا نزر" ويمكن إجلاء فكرتنا من خلال قصيدة أخرى يقول فيها "حاتم الطائي" :
فلما أتوني قلتُ خيرَ معرس ولم أطرح حاجاتهم بالمعاذر
وذلك قريب مما قاله "منصور النمري" :
فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا رشدتَ ولم أقمْ إليه أسائله
ومما قاله "عمرو بن الأهتم " :
أضفت ولم أفحش عليه ولم أقل لأحرمه إن المكان يضيقُ
من جهة أخرى ،فالمطلع يبدو كما شجرة وباقي الأبيات فروعها، أو ليس نظم القصيدة لتعداد فعال الشاعر وتذكير زوجه بالأخلاق التي من أجلها نكحت "ماوية" نفسها للشاعر فلا تصر على هجره ؟ فتعالقَ الفخر والنسيب في أكثر من علاقة .
القصيدة بلغتنا المعاصرة إجابة عن اِستشكال المطلع، أما نحن فنطرح اِسشكالا آخر وهو : ما مقصود "حاتم" في القصيدة هل النسيب لذاته أم الفخر لذاته ؟ أم إشاعة أخلاق فاضلة عن طريق هذين الغرضين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل