الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام يتحكم في الشعب بالريموت كنترول

هبه سعد أبوالمجد

2012 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


” أسلحة صامتة لحروب هادئة ” عنوان كتاب أمريكي النشأة، لعالم لغويات شهير وناشط سياسي أمريكي يُدعى “نعوم تشومسكي”….
في هذا الكتاب وجدت ما يسمى بـ” عشر استراتيجيات للتحكم في الشعوب”، وكان حري بي أن أنقلها إليكم لتعرفوا كيف يتم التحكم بهذا الشعب من قِبل النظام الحاكم…
وأنا أرى أن هذا العنوان معبر بشدة؛ فإن النظام الحاكم يختار واحدة أو أكثر من هذه الاستراتيجيات العشرة ليتحكم بها في الشعب الذي يحكمه، والتي تتغير تبعًا لكل مرحلة من مراحل الحكم، في حرب هادئة لا نشعر بها على الإطلاق مع أن هذه الأسلحة موجهة مباشرة إلينا..
ودعونا الآن نعرض لهذه الاستراتيجيات ونحاول أن نأتي بأمثلة من نظامنا وأحداثنا المصرية….
فلنتخيل أن عندنا ريموت كنترول “جهاز تحكم عن بعد” به عشرة من الأزرار، وكل زر له مهمة معينة عند الضغط عليه، مع إمكانية وجود ما يجعلنا نضغط على أكثر من زر في وقت واحد….
الزر الأول :
وهذا الزر عند الضغط عليه يعمل على تفعيل استراتيجية “الإلهاء”، والتي تعد عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات…
وتتمثل مهمة هذه الاستراتيجية في تحويل انتباه الرأي العام من المشاكل الهامة والتغيرات التي تقررها النخبة السياسية والاقتصادي…
ويتم تنفيذ هذه المهمة عن طريق وابل من الإلهاءات والمعلومات التافهة…
وتعود أهمية هذه المهمة أيضًا إلى أنها ضرورية جدًا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الهامة في ميادين : (العلوم/الاقتصاد/علم النفس/بيولوجيا الأعصاب/وعلم الحواسيب)…
والآن أعرض لحضراتكم مقتطف مما ذٌكر في هذا الكتاب عن هذه الاستراتيجية:
” حافظ على تشتيت اهتمامات العامة، بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية…. اجعل الشعب منشغلاً، منشغلاً، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقية الحيوانات….”
هل ذكركم هذا الكلام بشئ؟!
أنا عن نفسي لقد تذكرت نظام (مبارك) وأعوانه، الذين استخدموا هذه الاستراتيجية على أكمل وجه، وقاموا بإلهاء المواطن المصري بقوت يومه ومصاريف أولاده وضمان العيش الكريم، بل العيش المتوسط المستوى، وذلك برفع الأسعار، وشغل الوظائف بالواسطة والمحسوبية، ومن لا يوجد معه واسطة أو حتى رشوة فله أن يعمل في الدرك الأسفل من سلم الوظائف حتى وإن كان حاصل على شهادة الطب، فقد جعلوا الشهادات لا قيمة لها في هذا البلد، بل جعلوا الشغل الشاغل للشعب هو “لقمة العيش”، وبالتالي لن يكون عنده الوقت حتى للتفكير فيما يخص بلده من مشاكل سياسية أو دبلوماسية أو حتى اجتماعية…………. .
الزر الثاني:
ويتمثل في تفعيل مهمة (ابتكر المشاكل … ثم قدّم الحلول)، وهذه الطريقة تسمى أيضًا “المشكل/ردة الفعل/والحل”….
وخطوات هذه المهمة كالتالي:
يبتكر “النظام” مشكلة أو موقفًا متوقعًا؛ ليثير ردة فعل معينة من قِبل “الشعب”، وحتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي يريد “النظام” أن يقبل “الشعب” بها….
مثلاً:
ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية؛ حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حريته….
وبالطبع هذا يذكرنا بـ “قانون الطوارئ” والذي كان يبيح ما تحرمه وثيقة “حقوق الإنسان”…..
ومن الأمثلة أيضًا على هذه الاستراتيجية:
ابتكار أزمة مالية؛ حتى يتم التراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردي الخدمات العمومية كَشرّ لابد منه….
ويكفي أن نتذكر هيئة المرافق العامة من “أتوبيسات” ووسائل مواصلات عامة، ومدارس لا تصلح إلا أن تكون “مقلب قمامة”، وطعام لا يصلح للأكل الآدمي بأسعار عالية فيتوهم المواطن المصري البسيط بأن غلو ثمنه دليل على جودة هذا الطعام…… .
الزر الثالث:
ويقوم هذا الزر بتفعيل مهمة استراتيجية “التدرج”، فلكي يتم قبول إجراء غير مقبول يكفي أن يتم تطبيقه بصفة تدريجية مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق) على فترة تدوم عشر سنوات….
ومن أمثلة هذه الاستراتيجية:
فقد تم اعتماد هذه الاستراتيجية لفرض الظروف السوسيو – اقتصادية الجديدة بين الثمانينات والتسعيناتمن القرن السابق:( بطالة شاملة/هشاشة اقتصادية/تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم)
وبالطبع كانت هذه تغييرات ستؤدي إلى ثورة لو تم تطبيقها دفعة واحدة…
الزر الرابع:
ويقوم هذا الزر بتفعيل مهمة استراتيجية “المؤجَل”، وهي طريقة أخرى يتم الالتجاء غليها من أجل إكساب القرارات المكروهة القبول، وحتى يتم تقديمها كدواء “مر ولكنه ضروري”، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شئ ما في المستقبل؛ فقبول تضحية مستقبلية يكون أسهل دائمًا من قبول تضحية حينية:
أولاً لأن المجهود لن يتم بذله في الحين.
وثانيًا لأن الشعب في ميل دائم إلى الأمل في أن “كل شئ سيكون أفضل في الغد”، وأنه سيكون بإمكانه تفادي التضحية المطلوبة في المستقبل…
وأخيرًا يترك كل هذا الوقت للشعب حتى يتعود على فكرة التغيير ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها….
ومن الأمثلة على تلك الاستراتيجية:
إذا تذكرنا معًا مشروع “إحلال التاكسي” والذي ظل يناقشه مجلس الشعب برئاسة (فتحي سرور) كثيرًا من الوقت على الرغم من أن رأي الشعب كان واضحًا وضوح الشمس ولكنهم ظلوا يقيمون مسرحية سخيفة من المناقشات التي تجعل الشعب يرضى بأمر واقع وعليه الاستسلام وإلا لن يكون له نصيب حتى من “رغيف العيش”، وفي النهاية تم اعتماد هذا القرار بأسباب مناقشاتهم الواهية…
الزر الخامس:
هذا الزر يقوم بتفعيل مهمة “مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار”، ولتوضيح هذه الاستراتيجية ننظر إلى غالبية الإعلانات الموجهة لعامة الشعب خطابًا وحججًا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرًا ما تقترب من مستوى التخلف الذهني، وكأن المُشاهد طفل صغير أو معاق ذهنيًا….
وتتضح أهمية هذه الاستراتيجية في التحكم بالشعوب في هذه الفقرة المقتطفة من كتابنا السالف ذكره بأول المقال:
” إذا خاطبنا شخصًا كما لو كان طفلاً في الثانية عشرة من عمره فستكون لدى الشخص إجابة أو ردة فعل مجردة من الحس النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشرة عامًا”
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، فمنها على سبيل الذكر لا الحصر:
إعلان البطاطس المغلفة ذات الاسم الإنتاجي “تايجر” والذي شعاره “اكبر .. وسيطر”
إعلان المشروب “بيريل” والذي شعاره “استرجل .. واشرب بيريل”
إعلان جيل الشعر “هيركود” والذي شعاره “للرجال فقط”
وإعلان البودينج “دانيت” والذي يصور الأب وهو يتصارع مع ولديه للحصول عليه حتى يقوموا بتقييد والدهم في النهاية حتى لا يحصل على هذا “البودينج”…..
الزر السادس:
ويقوم بتفعيل مهمة “استثارة العاطفة بدل الفكر”، وهي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التحليل المنطقي، وبالتالي الحس النقدي للأشخاص يكون منعدم…
كما أن استعمال المفردات العاطفية يسمع بالمرور للاوعي حتى ينم زرعه بأفكار، مخاوف، رغبات، نزعات، أو سلوكيات..
ومن أمثلة هذه الاستراتيجية:
إذا تذكرنا معًا الخطاب الثاني للرئيس المخلوع (مبارك) أيام ثورة 25 يناير 2011م والتي استخدم فيها العديد من هذه المفردات العاطفية والتي حركت بالفعل انفعالات الشعب المصري وخلق جبهة جديدة ضد الثورة القائمة والتي سُميت بـ “أنصار مبارك” وحدوث مشادات وشجارات بين الطرفين، كل هذا كان مُخطط له وكان وسيلته هذا الخطاب، وبالطبع كان هذا لمجرد كسب وقت للتفكير في كيفية استخدام هذه الثغرة ضد الثورة ضد الظلم والفساد، ولكن لم تنجح خطتهم هذه المرة….
الزر السابع:
ويقوم بتفعيل مهمة “إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة”، ويكون هذا من خلال العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيا والطرق المستعملة للتحكم به واستعباده…
ولتوضيح هذه الاستراتيجية نعرض مقتطفًا من الكتاب السالف ذكره أول المقال:
“يجب أن تكون نوعية التعليم المقدم للطبقات السفلى هي النوعية الأفقر بطريقة تبقى إثرها الهوة المعرفية التي تعزل الطبقات السفلى عن العليا غير مفهومة من قِبل الطبقات السفلى”
ويكفي أن نقارن بين مستوى التعليم بالمدارس الحكومية في مصر وبين المدارس الخاص وبين المدارس التجريبية للغات وبين الجامعات الخاصة والعالمية….
الزر الثامن:
ويقوم بتفعيل مهمة “تشجيع الشعب على استحسان الرداءة”، وهذه استراتيجية تشجيع الشعب على أن يجد أنه من الرائع أن يكون غبيًا، همجيًا وجاهلاً.
وبالطبع يتم استخدام هذه الاستراتيجة كمكمل أساسي للاستراتيجية السابقة….
الزر التاسع:
ويقون بتفعيل استراتيجية “تعويض التمرد بالإحساس بالذنب”، وذلك بجعل الفرد يظن أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته، عوض عن أن يثور على النظام الاقتصادي، فيقوم بامتهان نفسه، ويشعر بالذنب، وهو ما يخلق دولة اكتئابية يكون أحد آثارها الانغلاق وتعطيل التحرك، ودون تحرك لا توجد ثورة….
وهذا ما كان يحدث تمامًا قبل قيام ثورة يناير…..
الزر العاشر:
ويقوم هذا الزر بتفعيل استراتيجية “معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم”، ففي خلال الخمسين سنة الماضية حفرت التطورات العلمية المذهلة هوة لاتزال تتسع بين المعارف العامة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النخب الحاكمة، فبفضل علوم الأحياء وبيولوجيا الأعصاب وعلم النفس التطبيقي توصل “النظام” إلى معرفة متقدمة للكائن البشري على الصعيدين الفيزيائي والنفسي..
أصبح هذا “النظام” قادرًا على معرفة الفرد المتوسط تكثر مما يعرف نفسه، وهذا يعني أن “النظام” في أغلب الحالات يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم….
فإنه من المعروف أنه لكي تفهم ما بداخل من تتعامل معه أن تسبر أغوار أعماقه أو حتى توهمه بأنك تعرف عنه ما يعرفه هو، حينها سينصت غليك في اهتمام وانبهاااااار……
وإلى هنا نصل إلى النهاية، والتي بنظري هي البداية، فتخل عن هذه النظرة المندهشة الغير مصدقة لما أوردته من استراتيجيات التحكم بالشعب فإن السياسة يا سيدي لا ترقى إلى مستوى “الحرب” ولا تنحدر إلى مستوى “اللعبة”، ولكنها تأخذ من صفات “الحرب” خديعتها”، كما أنها “لعبة” بلا قوانين……








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل