الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في انتظار القطار

محمد حسن عبد الحافظ

2012 / 8 / 13
سيرة ذاتية


ــــــــــــــــــــــــــ
البلينا (سوهاج) 11-11-11
ــــــــــــــــــــــــــ
في الواحدة بعد منتصف الليل، غادرت قرية الغابات، وصلت إلى محطة القطار، وبينما كنت أنتظر قطار الركاب القادم من أسوان، كان بعض الشباب من القرى المجاورة ينتظرون القطار نفسه، تحدثت إليهم، فإذا بالحوار يطوف بنا، وكثيرًا ما كان أحدنا يبدأ جملة ليستكملها آخر، في اتساق مدهش. كان "عصمت" يقف باستقامة وثبات رغم البرد. كانت عيناه صافيتان، لا ابتئاس في ملامح وجهه، ولم تفارقه الابتسامة، ولم تفارقني صدقها وعنفوانها. عصمت خريج قسم اللغة الإيطالية وآدابها، كلية الألسن، جامعة عين شمس، دفعة 2011، يعمل مبيِّض محارة مع أبيه. تدريجيًّا، صار الحوار ثنائيًّا، تحدثنا عما يطلق عليه ثورات الربيع العربي، وعن أوضاع الصعيد وسيناء، وعن الانتخابات النيابية والرئاسية، وعن الدولة المركزية واللامركزية، وعن تجارب أوروبا الشرقية ومؤسساتها، وماليزيا ومهاتير محمد، ودول أمريكا الجنوبية وتشي جيفارا وباولو فريري، وعن التعليم والمدارس والجامعات، وعن الوضع الطبقي والقبلي، وعن السلفيين والإخوان واليسار وبقايا النظام، وعن محمد علي وعبد الناصر والسادات والمخلوع، وعن محمد عبده وطه حسين وعلي عبد الرازق، وعن المعري وابن شهيد الأندلسي وابن طفيل ودانتي وألبرتو مورافيا. انقطع الحوار فجأة، واختفى عصمت وأصحابه في لحظة، عندما وصل القطار المكدَّس بالناس في الثالثة صباحًا. كانت أبواب القطار موصودة، فتحت أحدها بصعوبة بالغة، دخلت اعربة مظلمة، إلا من بعض الإشعاعات الضوئية المزعجة المنبعثة من أجهزة الهواتف المحمولة. لم يكن ثمة موضع لقدم، وبينما كنت أتحاشى أن ألمس أحدًا ممن افترشوا الطرقة بين الأبواب، والممر بين المقاعد - وأحمل مهارة خاصة في ذلك منذ سنوات بعيدة - سمعت أحدهم يصيح على أحدهم: "عتدوس على رجلينا ليه؟ إيه لِحْكَايَه دي؟! أها امبارك كان هيدوس زيك اكده ع الناس، وفضِّينا منه".
قلت، وصوت عصمت يملأ روحي: الحقيقة الكاملة، مثل الجريمة الكاملة، هنا في قطار الدرجة الثالثة، والفقراء هم محركو التاريخ الحقيقيون دون أن يراهم أحد!
ــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟