الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المرحلة الانتقالية

محمد حسن عبد الحافظ

2012 / 8 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمثل نظرات باولو فريري (1921 - 1997) وملاحظاته التي قدمها بوصفها استشرافًا للثورات الشعبية في بلدان أمريكا الجنوبية درسًا عميقًا إذا ما وعتها الثورات والانتفاضات الشعبية التي هبت على البلدان العربية منذ مطلع عام 2011، بعد عقود عجاف. حين تحدث عن المرحلة الانتقالية بُعَيد اندلاع الثورة الشعبية، وعن تأثير الحاسم للثقافة فيها، حيث يرى المرحلة الانتقالية مرحلة جديدة للوعي الشعبي، لكنها تتراوح بين ثلاثة مستويات للانتقال:
المستوى الأول: "الانتقال الساذج" حيث تنجح نخبة النظام السابق ودعاته في البقاء والتلاعب بالجماهير. ويمثل "الدين" إحدى الوسائل التي تستخدمها النخبة السلطوية ودعاتها للتلاعب بالجماهير، فهو نوع لا يمكن إنكاره من الأفيون السياسي الذي لا يحافظ على سذاجة الوعي المنبعث فحسب، بل أيضًا على أن يظل الشعب معتادًا على أن يُوجَّه، وبقدر ما يستغل الفكر الديني السياسي احتجاج الجماهير ومطالبها، بقدر ما يسارع من عملية اكتشاف الجماهير للواقع المتناقض، بما فيه تناقض الفكر الديني نفسه. ويضرب فريري بوضعية الفلاحين في البرازيل مثالاً على الانتقال الساذج بعد اندلاع الثورة، حيث لم تكن المناطق الريفية قد تأثرت بالنهوض الذي أثارته التصدعات التي أصابت المجتمع، فظلت واقعة تحت هيمنة القيادات السياسية وإدارتها. ومذعنة إلى الوعي الجامد الذي يعدم امتلاك مغامرة الخوض في غمار الواقع الجديد رغم أنه يدركه! (ربما تتشابه وضعية بعض المناطق الريفية المصرية - في الصعيد والدلتا - مع هذه الحالة بعد اندلاع ثورة 25 يناير، ذلك لأن جزءًا مهمًا من النظام السابق يمتلك جزءًا مهمًا كذلك من الحيازات الزراعية، فضلاً عن انتمائه إلى كيانات قبليَّة وعائلية كبرى).
لكن لا بد من أن نسوق هنا استدراكًا مهمًا على مستوى الانتقال الساذج، يفتتح مستوى آخر للانتقال يتسم بـ "الصراع"، حيث إن انبثاق الوعي الشعبي، بالرغم من كونه لا يزال مهيمَنًا عليه ولا يزال معبرًا عن ثقافة السكوت، يمثل – في الوقت نفسه – تطورًا في وعي النخبة السلطوية، إذ لن يوجد في بنية الهيمنة مكان لسكوت الجماهير الشعبية إلا بوجود نخب سلطة تسكتها، كما أنه لا وجود لنخبة سلطة بدون جماهير. وبالضبط، فكما هناك لحظة مفاجأة بين الجماهير الصامتة بعد اندلاع الثورة عندما تتهيأ – ولو بالصمت - لرؤية ما لم تكن تراه قبلاً، فهناك كذلك مفاجأة مماثلة بين النخب السلطوية عندما تجد نفسها وقد عرَّتها الجماهير. هذا الكشف المزدوج إنما يثير القلق في كلٍّ من الجماهير ونخب السلطة، فالجماهير تصبح مدفوعة إلى الاشتياق إلى الحرية وإلى هزيمة صمتها الذي لا يفارقها، بينما تشتاق النخب بدورها إلى "بقاء الوضع الراهن" بأن تسمح بتحولات سطحية لا غير مُصَمَّمَة لإعاقة أي تغيير فعلي لسلطتهم في تغيير ذواتهم.
ويتحقق المستوى الثالث بنهوض شعبي حقيقي من السكوت، عبر عملية دينامية تظهر خلالها التناقضات على السطح، لتثير الصراعات التي يصبح فيها الوعي الشعبي مطلبيًّا أكثر فأكثر، مسببة حذرًا أكبر فأكبر في روع النخب، ويتحفز الانتقال التاريخي إلى الحدة، فتنخرط جماعات المثقفين والطلاب المنتمين في الواقع الاجتماعي مع نزوعها إلى نبذ المبادرات (المخططات) الخارجية والحلول الجاهزة سلفًا، وتكف الفنون تدريجيًّا عن أن تكون محض تعبير عن الحياة السهلة للبرجوازية المرفهة، وتشرع في البحث عن إلهامها في حياة الشعب الشاقة. وكلما تكثَّفت المرحلة الانتقالية، ركزت هذه المجموعات النشطة بؤرتها أكثر فأكثر على واقعها الوطني لكي تعرفه وتبتدع الوسائل التي تهزم بها حالة التبعية والهيمنة والسيطرة التي يرزح تحتها المجتمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد حسن عبد الحافظ، مدنيَّة الثقافة ومرجعيتها الشعبية، القاهرة، أكتوبر 2011.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم


.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني




.. أنصار الحزب الاشتراكي الإسباني وحلفاؤه بالحكومة يطالبون رئيس


.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي