الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شموئيل عجنون... القلم الكاذب

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2012 / 8 / 13
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في الكثير من الثقافات القديمة كان الشعر هو المنبر الذي يعبر من خلاله أبناء القبيلة أو العشيرة عن مشاعر الفخر والانتماء لقبائلهم وعشائرهم، إلى جانب التقليل من شأن الأعداء وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور عند التقاتل. وفي بعض الثقافات الأخرى بخاصة في الشرق الأقصى، تأتي الرواية القصيرة المحكية لتلعب ذلك الدور نفسه الذي ذكرناه.
إلا أن العصر تطور، فتطورت معه أدوات التعبير عن الآراء والأفكار، لكن البعض لا يزال يتبنى الأفكار القديمة القائمة على العنصرية والتحيز الأعمى للقبيلة ولو كانت على خطأ بعيدا عن مفاهيم الإخاء والمساواة بين البشر. ومن بين أفراد الفئة الأخيرة يأتي الكتاب والمفكرون الصهاينة. فعلى الرغم من كل ما يزعمه البعض عن وجود "معتدلين" في صفوف المفكرين الصهاينة — مع التحفظ على كونهم مفكرين بالمعنى الإنساني الراقي للكلمة، يمكن القول بكل اطمئنان أن جميعهم يتفقون في الإطار العام لأفكارهم؛ إذ يتمحور حول العنصرية ضد العرب والمسلمين فهدف جميع الصهاينة واحد مهما اختلفت الوسائل وهو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الحقوق العربية في مختلف المجالات، حتى في التاريخ!
وشموئيل يوسف عجنون أديب صهيوني من بين الذين استخدموا الأدوات العصرية لإعادة إنتاج نفس الأفكار السوداء الظلامية التي ترفض الآخر وتقلل من مكانته كإنسان بل ككائن حي شأن عجنون في ذلك شأن مختلف الصهاينة. وسيكون من الجيد إلقاء الضوء على هذه الشخصية للتعرف على واحد ممن رسموا أبعاد الشخصية الصهيونية وقدموها للعالم في إطار أدبي يخفي التشوهات النفسية العديدة في تلك الشخصية، مع تقديم الشخصية العربية المسلمة إلى العالم في سياق أدبي مغاير للواقع وملئ بالادعاءات والأكاذيب مما سنتعرف عليه في هذا العرض السريع.

من هو؟؟
ولد شموئيل يوسف عجنون في عام 1888 في بولندا، وتأثر في بداية حياته بأفكار الحركة الصهيونية إلى حد دفعه إلى الهجرة لفلسطين عام 1907. ويوضح هذا التاريخ أن عجنون كان صهيونيا منذ بدايات النشاط الفعلي للحركة الصهيونية وبلغ مقدار تأثره بها أن هاجر إلى فلسطين مع بدايات الهجرات اليهودية إليها وسنه لم تتجاوز التاسعة عشرة. وعلى الرغم من أنه تبنى الفكر العلماني لفترة من حياته، إلا أنه سرعان ما عاد إلى اعتناق الفكر الديني الذي كان قد تربى عليه؛ إذ أن والده كان مرشحا للحصول على وظيفة حاخام ولكنه فضل وظيفة تاجر الفراء عليها. ويظهر تأثير الفكر الديني اليهودي على الأديب في عنوان واحدة من أولى رواياته وهي "ويصير المعوج مستقيما" وهو العنوان المأخوذ عن سفر إشعيا.
ورغم أنه لا مشكلة في أن يكون المرء متدينا دون النظر عن الديانة التي يعتنقها، إلا أن المشكلة مع المتدينين الصهاينة أنهم يرفضون العربي المسلم ويعتبرون الآخرين — دون النظر إلى ديانتهم أو عرقهم — من الأغيار غير الأطهار، ويعبرون عن ذلك بالمصطلح العبري "جوييم". وكان عجنون من هذه الفئة الأخيرة، وهو الأمر الذي تبدى في أعماله الأدبية المختلفة.
وفي عام 1913، هاجر إلى ألمانيا، وهناك تعاون مع المفكر الألماني مارتن بوبر في نشر حكايات شعبية يهودية تنتمي إلى الطائفة الحسيدية، ثم عاد إلى القدس عام 1924، وتوفي في عام 1970 تاركا الكثير من الأعمال الأدبية التي تنوعت بين الفكر الديني اليهودي مع تركيز على الرؤى الفكرية الحسيدية وبين الفكر الصهيوني بخاصة فيما يتصل بالعلاقة بين العرب واليهود.

سمومه الأدبية
كتب شموئيل عجنون الكثير من الأعمال الروائية والقصصية التي نفث فيها سمومه تجاه العرب والمسلمين وكذلك دون فيها الكثير من المفاهيم المشوهة. ولكي لا يكون الكلام مطلقا دون أدلة، سنورد فيما يلي بعضا مما كتبه عجنون تجاه العرب في أدبه، إلى جانب تعليقاته الخاصة على أدبه والأفكار التي يعبر عنها من خلاله.
يقول عجنون — وهو اسم اشتهر به عندما وقع قصته الأولى "عجونوت" أو "نساء مهجورات" في عام 1908 — إن ما يحرك النفس اليهودية التي يناقشها في أعماله هو "حب أرض إسرائيل والرغبة العارمة في استردادها"، ولنركز على تعبير "استرداد" لأنه يوضح تبني عجنون للمزاعم الصهيونية بأحقية اليهود التاريخية في فلسطين، وهي المزاعم التي لم يؤيدها أية كشوفات أثرية أو مخطوطات تراثية.
كذلك ينعت عجنون العرب بأقذع الألفاظ وكأنه لا يكتب أدبا ولكنه يكتب "قلة أدب" إذ يصف العرب في قصته "تهيلا" بأوصاف تجعلهم أقرب إلى الوحوش والحيوانات المفترسة فيقول إنهم لا يعرفون للتعاطف مع الآخرين سبيلا. وتنحدر به العنصرية إلى درك متدن حين يحاول إعلاء اليهود على العرب باتهام العرب بأنهم لا يدرون ماهية الحضارة قائلا إنهم حولوا المعابد والمساكن اليهودية إلى حظائر لحيواناتهم!! وينقل الباحث عبد الوهاب الجبوري مقطعا مترجما من هذه القصة نورده هنا: "ثم وصلنا إلى زريبة للحمير، فقالت أترى هذه الزريبة، كان يوجد في مكانها مطعم عام، وكان يدخل إليه الفقراء الطيبون جياعا ويخرجون منه شبعى، وجاء العرب واحتلوه، فالبيوت التي لم تكن تخلو من قراءة التوراة وأداء الصلاة وتقديم الإحسان أصبح العرب يرتادونها الان ومعهم حميرهم".
وبالمنطق الازدرائي العنصري نفسه يقول في روايته "أمس الأول" بتعبير صريح إن العرب "يكرهون الحضارة"، واصفا إياهم بأن جلستهم تشبه جلسة الكلاب. ويستمر في السير في نفس الطريق في قصته "بين أب وابنه" عندما يحاول إظهار العرب بالمظهر المتوحش فيما يصور اليهود على أنهم المعتدى عليهم إذ يقول على لسان أحد الشخصيات اليهودية في القصة: "وعندما وصلت إلى منطقة تلفيوت تذكرت المشكلة التي حصلت لي هناك؛ حيث دمر العرب بيتي ولم يبقوا لي حتى وسادة أضع عليها رأسي".
ولا يتوقف شموئيل عجنون عند هذا الحد بل يواصل ادعاءه أن الفلسطينيين ليسوا بشرا بل هم من قوى الطبيعة التي تشبه البهائم وغيرها عندما يشير في قصته القصيرة "من عدو إلى حبيب" إلى أن الريح فقط هي التي تصدت لمحاولات البطل اليهودي بناء منزل في أرض فلسطين، ولكن البطل يتمكن في النهاية من التصدي للرياح وبناء منزله معلنا سيطرته على الأرض "التي عاد إليها" من مهجره. فكأن الفلسطينيين مجرد شيء من قوى الطبيعة لا بشرا لهم حق العيش في المكان الذي شهد نشأة أجدادهم، والذي يؤكد التاريخ أحقيتهم فيه.
وهناك الكثير والكثير من الشواهد والأدلة على العنصرية البغيضة التي طبعت أدب شموئيل عجنون، ولكن اللافت في هذا السياق أن عجنون حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1966 مع الكاتبة اليهودية السويدية نيللي زاكس!! ولا ندري على أي أساس حصل عجنون على الجائزة ولكن يبدو أنها كانت في إطار مناخ عام يؤيد اليهود؛ إذ أن شريكته في الجائزة يهودية أيضا، كما أن تاريخ حصوله على الجائزة يأتي قبل عام واحد من حرب 1967 التي شنها الكيان الصهيوني على الدول العربية بدعوى الوقاية من أية اعتداءات عربية!!!
وجدير بالذكر أن الصهاينة احتفوا بهذا "الأديب" احتفاءً كبيرا؛ حيث وضعت بلدية القدس لافتة على الشارع الذي يسكن فيه طالبة من المارة الحفاظ على الهدوء من أجله وفق ما قالته الكاتبة أريانا ميلاميد، كذلك وضعوا صورته على ورقة مالية من فئة الخمسين شيكل، وهو العملة الرسمية في الكيان الصهيوني. فماذا فعلنا نحن مع مفكرينا المدافعين عن قضايا العرب والمسلمين؟
إن شخصية مثل شموئيل عجنون جديرة بأن تحتل مكانا في قائمة أعدى أعداء العرب والمسلمين لأنه استغل الكلمة في ممارسة كل ما يخجل الإنسان منه من سباب للعرب والمسلمين وتشويه للتاريخ، إلى جانب حشده للأحقاد ضد طائفة إنسانية هي العرب، وهذه النقطة كفيلة بحرمانه من جائزة نوبل التي يفترض أنها تشجع الأدب العالمي الإنساني وهي الصفات التي تبعد تماما عن أدب عجنون كما ظهر في العرض السابق. وفي مواجهة هذه الاعتداءات الفكرية على العرب والمسلمين، يفترض قيام جهد بحثي عربي موسع يناقش هذه الأفكار والأعمال الأدبية التي احتوتها ويسعى إلى تعريف الرأي العام العالمي بها للتصدي لحملات التشويه التي تقلب الموازين وتصور العرب على أنهم العنصريون الرافضون للحضارة.
******








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل فوري.. الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء بخان يونس ورف


.. الفلسطينية التي اعتدى عليها كلب الاحتلال تروي تفاصيل الجريمة




.. أخبار الصباح | بايدن ينتقد المحكمة العليا.. وأول تعليق من إي


.. -تايمز أوف إسرائيل- تستبعد إرسال الجيش الإسرائيلي للآلاف من




.. علاقة السمنة بانقطاع التنفس أثناء النوم