الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهكذا تورد الأبلُ !!

ياس خضير الشمخاوي

2012 / 8 / 14
حقوق الانسان


ما هكذا تورد الإبلُ !!

الحراك الثقافي الذي يشهده العالم الإسلامي والعالم العربي اليوم ، أثار مخاوفا وجدلا واسعا في العديد من الأوساط الثقافية والمؤسسات التربوية ، لما يحمل هذا الحراك من متغيرات عديدة تناولت جميع مرافق الحياة ، خصوصا فيما يتعلق بالمنظومة الأخلاقية والعقائدية لتربية المجتمع ، وقد ساعد على انتشار تلك المتغيرات والنظريات الحديثة عوامل جمة كان أهمها تطور وسائل الأتصال ، الذي جعل العالم مفتوحا على مصراعيه ، مما سهل عملية التواصل والتلاقح الفكري بين المجتمعات ،
في عصر ما قبل الثورة الصناعية كانت السجالات المعرفية مقتصرة على مجموعة معينة من العلماء ، وحتى ما بعد الثورة الصناعية لم يكن هناك أنتشار واسع للمعرفة ولم يكن أنتقال سريع للمعلومة بالشكل الذي نلاحظه اليوم على المشهد الثقافي والفكري في العالم أجمع ، فما كان مقتصرا على شرائح معينة وطبقات محدودة ، أصبح مشاعا وفي متناول اليد لجميع شرائح المجتمع في خضم تلك التحولات .
وتلك مشكلة ومأزق حقيقي واجهه علماء التربية وأصحاب العقائد والحاكمين في المجتمعات المنغلقة ، إذ أنتقلت المعلومة إلى المجتمع قبل أن يفلتروها ( filtering ) أو يحجبوها عنهم كما كانوا يفعلون في السابق.
التطور العلمي والفكري ، بحد ذاته مثار قلق ورعب للأنظمة الدكتاتورية والحكومات الثيوقراطية ، إذ أنها تقف على طرفي نقيض مع أي حركة تحررية أو نهضوية تدعو لكسر قيد الجمود .
لذلك هي متهمة بعشوائية الأحكام وعدم المصداقية حتى لو كانت صادقة في طعوناتها للنظريات والأطاريح القادمة من خلف أسوار مملكتها .
وعندما تُهدم الثقة بين الحاكم والمحكوم والفقيه والمتعبد والمربي والجيل ، حتما سوف تركب الأمة موجة أخرى .
وبذا تتسع دائرة الخلاف وتصبح الهوّة عميقة بين الناس والمؤسسات التربوية والأخلاقية ويصبح كل ما بنته وحاولت تجذيره من مفاهيم وقيم خلال أربعة عشر قرنا ، تصبح نسيا منسيا في غضون سنوات قليلة إن لم تكن في شهور معدودة .
ولا تتوقف المشكلة في أزمة الثقة فحسب ، بل إن طرق وأساليب التوعية والتربية التي تعتمدها المؤسسات الدينية والأخلاقية كذلك الأسرة في تنشئة وأعداد الجيل فاشلة وغير منتجة في معظم الأحيان ، إذ أنها غالبا ما تعتمد أساليب قهرية في تطويع وترويض الأجيال مما يفقدهم الثقة والأعتداد بأنفسهم وبالتالي يصبحون إما انسحابيين غير قادرين على تحمل المسؤولية أو متمردين رافضين للواقع .
ولما كان الحال هكذا أصبحت الأجيال الحديثة تكمن تحتها نار خامدة مهيأة للأشتعال في أي لحظة ، خصوصا أذا ما أكتشفت أن طائفة من العادات والتقاليد والموروثات الأجتماعية والعقائدية التي كانت تحيطها هالة من التقديس هي مجرد وهم وزيف لايمت بصلة للفضيلة والأخلاق .
تفكك الرمز الأعلى والمتمثل بالمؤسسة الدينية وعدم أهليتها وقدرتها على مطارحة التنوير الحداثوي ، قد ترك الساحة تعج بصراعات ومشاكل أجتماعية جسيمة تجلت في نزاعات وخلافات تنوء بحملها الأسرة لوحدها ، حيث تمحورت في جدلية العلاقة بين رغبة الأبناء في التجديد وتمسك الآباء في الموروث.
ولاشك أن الكفة غير متوازنة في تلك المعركة طالما هناك نظريات ومنظرين تدعم أستقلالية الأبن وأنسلاخه عن الموروث الذي يرفض الأب أعادة قراءته وفق مستجدات العلم السوسيولوجي الحديث .
قطعا ليس من المنطق أو الحكمة أننا نقول بصلاحية وسلامة كل ماهو جديد من ممارسات أخلاقية وأجتماعية ، كذلك ليس كل ماهو قديم ومتعارف عليه من سلوك أجتماعي هو رجعي وراديكالي .
لكن في كلا الحالتين نحتاج إلى وقفة تأمل وتفاعل لا تصادم مع الحالة ، كي نستطيع بكل رويّة أن نشخص الأزمة وأسباب فشلنا في أحتواءها وإيجاد الحلول المناسبة لها وفق معطيات علمية حديثة .
وأن مثل هذا العمل يحتاج إلى تحرك جماعي وعمل مؤسساتي متكامل متناسق كي يستطيع على الأقل أن يمنح أبناءه مناعة ضد الأمراض والأوبئة الأجتماعية .
وبالتأكيد لايتم تحقيق ذلك من خلال خلق معسكرين متناحرين بين الجيل القديم والجيل الحالي ، أنما بفتح قنوات حوار جديدة وفاعلة تنم عن وعي وأحترام الرأي والأعتراف بخصوصية وأستقلالية الأجيال الحديثة وإعطائهم فرصة للتفكير والأختيار .
دون شك أن المربي يريد الوصول بالمجتمع الى الفضيلة ، لكن النوايا الحسنة لا تكفي لبلوغ الهدف ولايمكن تحقيقها وديمومة الحفاظ عليها من خلال الأوامر المباشرة ، ولا من خلال التقليد الذي يمسخ شخصية الأنسان ، بل من خلال الأبداع وتحريك المشاعر وشحذ العقل والقدرات التي يتمتع بها الكائن البشري .
لذلك يرى أفلاطون أن الفضيلة التقليدية التي تعتمد على التقليد التعبوي مجرد عمل خال من الأرادة والقناعة الحقيقية كعمل النمل أو النحل في حين أن الفضيلة التي أسماها بالفضيلة الفلسفية تقوم على التحقيق وفهم الأصل الذي قام عليه العمل الفاضل .
لذا فأن الأكراه على عمل معين بأسم الفضيلة قد يؤدي الى نتائج عكسية تماما كما يراها طائفة من المفكرين وعلماء الأجتماع أمثال جون لوك في كتاب رسالة التسامح ، أذ يعتقد بأن السلطة المدنية لاينبغي لها أن تفرض عقائد الأيمان بواسطة القانون المرئي ، سواء تعلق الأمر بالعقائد أو بأشكال عبادة الله .
وهذا مالم تفهمه المؤسسة التربوية والأخلاقية كذلك الدولة المدنية بشكل جيد في العالم العربي والأسلامي ، أذ أنها كثيرا ما عمدت على أنزال العقوبات بحق شباب ومراهقين من رعاياها ، لمجرد أعتناقهم فكرة أو رأي أو أرتدائهم زي معين يخالف العرف المألوف .
لاشك أن النظريات التربوية تختلف أهدافها وغاياتها أذ لعلها متناغمة مع متطلبات المرحلة ، فأرسطو مثلا كان بحاجة الى خلق مواطن قنوع أما Fenelon فينلون كان محتاجا لمسيحيين مثاليين وجون لوك كان يسعى لأيجاد نخب متنورّة وأبن خلدون يريد مسلما مهذبا بيد أن جان جاك روسو كان هدفه أسمى أذ أراد أن يصنع أنسان حقيقي ليس مسيحيا أو مسلما ولا مهندسا أوطبيبا ، أنما أنسان يفكر ويبدع ويختار .
والمرحلة تفرض علينا أيضا أن نختار الأسلوب الأمثل في أصلاح الفساد وأن نعيد قراءتنا في مفهومنا للأخلاق والعدل والمساواة والحرية ، بل لكل مجموعة المعارف التي نمتلكها ، وجزمنا بأنها مقدسة في يوم ما .
أّن أي نشاط يهدف الى ترسيخ الفضيلة والقيم النبيلة لاشك هو محط أهتمام وترحيب العقلاء والفضلاء والمفكرين ، لكن ليس عن طريق الأذلال والتعذيب وليس من خلال قطع الرؤوس وتحطيمها بحجر الأسمنت ،
وعلى من يستخدمون العنف أن يفهموا ، ماهكذا توردُ الأبلُ !! .
ياس خضير الشمخاوي
رئيس منظمة حوار الديانات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طرح موضوعي
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 14 - 05:40 )
هذا ما هو حاصل للاسف

اخر الافلام

.. اجتياح رفح قد يكون مذبحة وضربة هائلة لعملية الإغاثة في قطاع


.. المتحدثة باسم الصحة العالمية: أي هجوم على رفح سيؤدي لإعاقة ع




.. هل سبق وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق زعم


.. المحكمة الجنائية ترفض التهديدات التي تتعرض لها بعد اقترابها




.. الأونروا: 37 طفل يفقد أمه يوميا في قطاع غزة