الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنساخ التجربة الاستعمارية من الجزائر إلى العراق

ثائر دوري

2005 / 2 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


(( أنتم الماضي و نحن المستقبل ))
بن مهيدي أحد قادة جهة التحرير الجزائرية مخاطباً الفرنسيين قبل استشهاده
عندما تعود إلى التاريخ لتقرأ تجربة استعمارية من التجارب الكثيرة التي مرت بها الشعوب منذ صعود الغرب إلى مسرح التاريخ سيدهشك حجم التشابه الهائل في سلوك و تصرفات المستعمرين و في تعابيرهم و طريقة تفكيرهم و كأن التجربة الاستعمارية تستنسخ نفسها عبر التاريخ بفوارق بسيطة تخص الزمان و المكان لكن الجوهري فيها ثابت .

1- تحضير العالم على الطريقة الغربية :
منذ صعود الغرب إلى مسرح التاريخ قبل خمسمائة عام يرتكز خطابه على ضرورة نشر القيم الغربية المتحضرة في كل أنحاء العالم غير المتحضر حسب توصيفهم . و بدأ الغربيون بجيوشهم و مغامريهم الباحثين عن الذهب (و النفط فيما بعد ) يجوبون دروب العالم القديم ، الذي هو مهد حضارة البشرية ، و العالم الجديد زارعين الرعب و الموت و الدمار في دروب آسيا و افريقيا فأبادوا سكان قارتين بالكامل (استراليا و أمريكا ) ، و حولوا قارة أفريقيا إلى مستودع عبيد هائل ، أما آسيا فاستعبدوها بحروب الأفيون و بتدمير صناعاتها العريقة و احتلت جيوشهم ما استطاعت إليه سبيلاً كل ذلك تحت دعاوي نشر التحضر في الشعوب المتخلفة الأخرى .
أما اليوم فالطبعة الجديدة من خطاب نشر التحضر هو نشر الديمقراطية و بنفس الوسائل السابقة ( الجيوش و النهب و القتل و الإبادة و التدمير و التشريد ) .
نقلاً عن الدكتور عبد الوهاب المسيري أن أحد شيوخ القبائل الجزائريين قالوا له إن القوات الفرنسية جاءت لنشر الحضارة الغربية الحديثة في ربوع الجزائر ، فرد ردا مقتضباً عميق الدلالة . قال :
- إذاً لم أحضروا كل هذا البارود .
و اليوم نقول إذا جاءوا لنشر الديمقراطية لم أحضروا كل هذه الجيوش و كل أدوات القتل و الدمار هذه ؟

2- هل يمكن زرع الخوف مجدداً ؟
هناك عتبة نفسية للخوف متى اجتازها الإنسان لم يقدر شيء قادر على الوقوف بوجهه و هذا ما تعبر عنه النصيحة الشعبية بتحاشي مثل هؤلاء الرجال لأنهم يطلبون الموت .
لكن ماذا يحدث لشعب إذا كسر عتبة الخوف ؟
الجواب لن تقدر قوة على إيقافه ؟
في الحالة العادية أنت تهدد الفرد و المجتمع بالقتل و الدمار . لكن بما ستهددهم إذا تعودوا على الدمار و لم يعودوا يخشون الموت ؟
هل تهددهم بالجوع ؟
لكن ماذا ستفعل معهم إذا كانت كسرة خبز تكفيهم ؟
في هذه الحالة يفلس العدو . و كل ما يفعله أنه يحاول أن يؤخر إعلان هزيمته عبر ارتكاب مزيد من الحماقات و مزيد من التدمير مما يزرع مزيدا من الأحقاد المستقبلية ضده .
إن الوضع السابق هو عين ما يحدث مع أمتنا اليوم و يتجلى بشكل واضح في فلسطين و العراق . لقد كسرت أمتنا خوفها من العدو و لم يعد يعنيها القصف و لا الموت و لا الجوع لأنها قررت أن تكسر قيودها و تنال حريتها . يقول الكاتب البريطاني روبرت فيسك في إحدى مقالاته الأخيرة :
(( من كان سيصدق في 2003 عندما كانت القوات الأمريكية تدخل بغداد أنهم سيعلقون خلال سنتين في مستنقع لأكبر حرب عصابات خاضوها منذ فيتنام؟‍! القلائل الذين تنبأوا بذلك اتهموا بأنهم متشائمون.
إن العراق يثبت مرة أخرى ما كان يجب أن نتعلمه في لبنان وفلسطين. إن العرب فقدوا خوفهم. لقد كانت عملية بطيئة ولكن منذ ربع قرن، كان العرب يعيشون في قيود خائفين من قوات الاحتلال والأنظمة القمعية. كانوا مجتمعاً مستسلماً يفعلون ما يقال لهم. لكن الأمر لم يعد كذلك. إن أكبر التطورات خلال السنوات الثلاثين الماضية كان التخلص من ذلك الخوف، وهو أمر لا يمكن حقنه مرة أخرى في الشعوب. وهذا ما حدث في العراق. العراقيون لم يعودوا مستعدين للعيش في خوف، يعرفون أنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم ويرفضون أن يخافوا من قوات الاحتلال ))
عندما تبلغ التضحية الدرجات التي بلغتها في العراق و في فلسطين يصبح انتصار الشعب مضمونا
أما تفاوت القوى بين جيش الاحتلال و الشعب فهذا أمر لا قيمة . إن قوة الشعب تحيّد التفوق التكلنوجي فتتحول الأسلحة المتقدمة إلى أدوات قتل و دمار بنتائج سياسية عكسية . بمعنى كلما زاد القتل و الدمار تفولذت إرادة الشعب و ازداد تصميمه على نيل حريته. يقول المناضل الأممي فرانس فانون في دراسته الهامة عن الثورة الجزائرية إن الجيش الفرنسي قادر :
(( ....... في كل وقت إعادة احتلال الأرض المفقودة لكن كيف يستطيع مرة أخرى أن يزرع مركب النقص و الخوف واليأس في ضمير الشعب ؟ كيف يمكن أن نفترض (( عودة الجزائريين إلى منازلهم )) كما كان يدعو إلى ذلك بكل سذاجة الجنرال ديغول ))*
و هكذا ما إن يفقد الشعب خوفه حتى تتحول الأرض إلى مستنقع يبتلع جنود المحتل و تصبح كل الأرض رجراجة تفتقد الثبات تحت أقدام المحتل . فيكابر المحتل و يلجأ إلى مزيد من البطش مما يجعله يغوص المزيد في المستنقع حتى يصل إلى اللحظة التي يسلم فيها بالخروج مهزوماً بعد أن سبق و كابر و أعلن أنه لن يفعل و أنه غير قابل للهزيمة .

2- الهوس الاستعماري بالأرقام :
دائماً هناك هوس بحساب عدد المقاتلين و كأن حرب التحرير الشعبية أو حرب العصابات هي حرب نظامية تقاس فيها قوة المقاتلين بعددهم أو بتسليحهم و يحاول المستعمر دوماً أن يتجاهل الحقيقة البسيطة و هي أن حرب العصابات هي حرب الشعب و مقابل كل مقاتل من الشعب يحمل السلاح هناك مئات بل ألوف جاهزون ليحلون مكانه أو ينضموا إليه و هؤلاء ، في اللحظة التي يعد فيها المستعمر عدد المقاتلين ، يمارسون أعمالهم اليومية و من المستحيل الوصول إليهم . و بالتالي لا يعدهم المستعمر و لا يدخلون بحساباته العسكرية لذلك تراه يخسر مرة تلو أخرى و تكون حساباته خاطئة دائماً . يقول فرانز فانون :
(( إن الإستعمار يجهل معطيات المسألة الحقيقية فهو يحسب أن قوتنا تقدر بعدد البنادق الثقيلة . إن قوة الثورة الجزائرية تبع منذ الآن من التحول الجذري الذي حدث لدى الشخص الجزائري ))
و في مكان آخر يقول :
(( إن السلطات الفرنسية لتضحكنا عندما تصرح بأن العصيان مؤلف من حوالي خمسة و عشرين ألفاً فماذا تساوي الأرقام جميعاً في مقابل القوة المقدسة الهائلة التي تبقي على شعب بأكمله في حالة الجيشان ؟ حتى لو أمكن الإثبات بأن قوانا لا تتجاوز الخمسة آلاف رجل مسلحين تسليحاً سيئاً فما هي القيمة التي يمكن أن تكون لمثل هذه المعرفة .......))
قارنوا ذلك بالهوس الأمريكي بالتحدث عن أعداد (( المتمردين )) لذي قدروهم في البداية بالمئات ثم بالآلاف ثم بعشرات الآلاف . أليست التجربة الاستعمارية واحدة أم هي العقلية الغربية التي لا تستطيع قياس الأشياء إلا بالكم و العدد ؟ّ!!
4- سلوك مكرر : فلاقة............ قطاع طرق...........إرهابيين
الوصف دائماً جاهز لطلاب الحرية و هو : غوغاء ،متمردون ، قطاع طرق ، و حديثاً إرهابيون .
في الجزائر أطلق المحتل على الثوار تعبير فلاقة و هو تعبير شعبي جزائري يعني قاطع الطريق كي ينفر الجزائريين من رجال الثورة . و رد شاعر الثورة مفدي زكريا على ذلك :
هذه دماءنا الغالية دفاقة
و للجهاد أرواحنا مشتاقة
و في الجبال أحلامنا خفاقة
جيش التحرير إحنا ما ناش فلاقة
و اليوم يسم الأمريكان كل من يتحدى هيمنتهم بأنه إرهابي و يخيرون العالم إما بالوقوف معهم أو مع الإرهابيين و يعلنون أنهم لن يتفاوضوا مع الإرهابيين . لكن في النهاية كل المستعمرين جلسوا على طاولة المفاوضات و رضخوا لشروط (( الإرهابيين ، و الفلاقة ....الخ )) 0
و للحديث بقية
* (( سوسيولوجيا الثورة )) فرانز فانون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا